- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الشباب حالة معنوية وليست مرحلة عمرية فقط !
بقلم: فاطمة الركابي
بدءً علينا ان نعرف -كما ورد- في تعريف المقصد من كلمة "الشباب" أنها تعني الانسان القوي، وتعني الانسان بسيط القلب المليء بالحيوية والحركة، وتعني القائد ايضاً.
ومن هنا يقال: أن الشباب هي ليست فقط مرحلة عمرية بل هي حالة، حالة مرتبطة بروح الانسان وسلامتها، لا فقط بالبدن وقوته وسلامته، ومن هنا نفهم قول نبينا الخاتم(ص): "إذا طاب قلب المرء طاب جسده، وإذا خبث القلب خبث الجسد"(١).
فالقلب هو -كما ورد في احاديث - إنه إمام الجوارح وقائدها، فكلما كان ينبض بالحياة(اي الحياة المعنوية كسلامته من الرذائل، ومقدار ما يحمل من نور الايمان والارادة والعزيمة) فان الانسان لن يفقد شبابه.
من مقومات وجود حالة الشباب وعدم فقدانها هي:
الامر الاول: أن يكون للإنسان هدف حقيقي يسعى لبلوغه.
فعن احدهم يقول: "لا يوجد فراغ في الحياة، فإذا لم يختار الانسان ما يريده من الحياة، فإن الحياة ستختار له؟"، فالإنسان الذي لا يشغل وقته بشيء جيد ونافع لبناء مستقبله، فسيسلب هذه النعمة من خلال أنه يبتلى بأن يُشغل بما ليس فيه نفع، بل وفيه اتلاف لرأس ماله وهو عمره، فيصبح فرد كسول وهذا منافي لحالة الشباب التي تتسم بالحيوية والنشاط.
فصاحب الروح الحيّة الواعي يكون ذو هدف عالي وسامي متصل بالله سبحانه، وكل ما دونه من اهداف فرعية صغيرة هي بالأصل يجب أن تكون متصلة بذلك الهدف، وجزء منه.
بل الاهم أن يعرف أنه هو هدف بحد ذاته لأنه جزء من دولة العدل الالهية التي يقودها إمامه المنتظر(عج)، فلو فكر الفرد على هذا المستوى من الهمة تُرى كيف يجب أن يكون؟ أليس من الطبيعي أن يكون من أهل الاستعداد على المستوى النفسي، اي ان ينظر لنفسه فيهذبها، ويقويها، وينمي فيها كل فضيلة، ويزيل عنها كل رذيلة؛ ومن أهل الإعداد على المستوى العملي اي ان يتقن شيء ما سواء كانت مهنة، حرفة، اختصاصًا علمياً فيكون عاملاً وخادماً لإمامه في غيبته قبل ظهوره عجل الله تعالى فرجه، وجندياً فدائياً، أوليس من صفات أصحاب الامام أنهم "شباب" كما ورد؟
لذا صحيح إن الشباب هي مرحلة عمرية، وهي افضل مراحل حياة الانسان ليشغلها بالاستعداد، والاعداء، ولكن الانسان بإمكانه أن يحافظ عليها وإن كبر عمره، وضعفت جوارح بدنه، فقط يحتاج الانسان ان يوسع من نظرته لوجوده، ويستغل هذا الوقت الذي فيه طاقاته البدنية والروحية في قمتها.
الامر الاخر: الشعور بالمسؤولية
إن الإنسان الذي يُدرك إنه خليفة الله على ارضه، وهذه الخلافة هي غير مرتبطة بعمر معين بل هي حالة معنوية حيث تنمي الشعور بالمسؤولية عند الانسان بما هو مسؤول عنه من اموره الخاصة والعامة المرتبطة بالغير من حقوق وواجبات.
هذا بالإضافة الى أن الانسان هو المخلوق المكرم عند الله تعالى، وكل المخلوقات الاخرى هي مسخرة له، ولنفعه كما قال تعالى:{وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ} (الجاثية:١٣)، بل وعبر عنها بأنها خاضعة لإرادة الانسان فعبر عنها {وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ} (يس:٦٢)، فلا عذر للإنسان بعد ذلك بأنه لا قدرة عنده، ولا فرصة متاحة له، انما هو يبرر بذلك لقلة همته، وعظيم كسله، بل عليه أن يشكر هذه النعم بالعمل فيُدرك ما حُمل من مسؤولية حيث مكنه تعالى في ارضه، كما قال تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } (سبأ:13)، لذا كن من هؤلاء القلة واشكر الله تعالى بالعمل، وكن شابا في كل حالاتك ومراحلك العمرية لأنك خليفة الله ما دمت على قيد الحياة.
الامر الثالث: التحلي بروح المبادرة
فكما قلنا من معاني الشباب هو القائد، لذا لكي تكن قائداً لا مقوداً، قائداً لنفسك اولاً، وهذه القيادة لا تتوقف بل هي قيادة دائمة، لذا لا بد ان تلتفت الى إنك أكبر من أن تعيش حياة رتيبة، بلى! أنت اكبر من أن تحدد من قدراتك وإمكانياتك ومؤهلاتك بفرصة عمل تنتظرها او وراتبة شهري في نهاية الشهر تترقبه!
الشاب الناجح هو من يصنع فرصته بنفسه، لا من ينتظر الفرصة تطرق بابه، فالشاب الذي يفكر بوظيفة لإجل أن يضمن لنفسه تقاعداً في نهاية عمره! لن يكون شاباَ مثمراً.
كَون ثروتك بنفسك، تلك التي بها تحفظ كرامتك في كبرك، وتسعد بها من أمره يُهمك، فالأرض لمن أصلحها وعمرها، والحياة الان مليئة بالفرص، والتعليم فيها اشبه ما يكون بالمجان، فقط اختر فرصة تناسب ميولك، وقدراتك بشكل عام، وأعمل على استثمار وقتك فيها، وطور مهاراتك فيها، حتى لو كنت موظفاً حافظ على تطوير نفسك وتنمية قدراتك.
بادر انت وكن من أهل العمل الاجتماعي الانساني فالعمل التطوعي من شأنه:
- تعزيز الثقة بالنفس.
- بقاء روحك حيوية لان الانسان يشعر بقيمته كلما كان معطياً نافعا، وهذا ما يتحقق فيها. -الشعور بالراحة والسعادة، وهذا اقصى ما يتمناه كل انسان.
- تربية النفس وتهذيبها، وقتل الانانية وحب الذات الميالة للأخذ لا العطاء.
- هكذا اعمال عادة تفتح للإنسان فرص جديدة في الحياة، لأنه سيكون مندمجاً في داخل المجتمع، فيتعرف على مختلف اصنافه، فيزداد خبرة في الحياة، ويعرف توجهه وهدفه اكثر، ويقوي امكانياته، ويبقى نشطاً فعال.
لذا لتبقى بروح شابة لا تهرم كن صاحب هدف لا يموت بداخلك، ويبقى حيّ بك وتبقى حي بالعمل على بلوغه.
أمن بأنك خلقت لتكون خليفة هذه الارض الذي إياك أستخلف الله تعالى ومكنك وجعلك مسؤول، فلا تكن غير ما اراد لك الله تعالى، لتَعود اليه وقد انجزت ما عليك، لتعد إليه بروح حيّة راضية مرضية.
--------
(١)الخصال - الشيخ الصدوق - ص ٣١.
أقرأ ايضاً
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً
- القنوات المضللة!!