بقلم: هشام الهاشمي
في الايام الأخيرة تغيَّرت أساليب شبكات داعش، فالعمليات المنسقة تنفَّذ من أفرادٍ، وهي تكتيكات الانهاك، أشار لها المتحدث الرسمي باسم داعش المدعو (أبو محمد العدناني)، فعمل الجيوش الكبيرة أصبح أكثر صعوبةٍ بسبب القصف الجوي والصاروخي الذكي للتحالف الدولي وتعاظم قدرات القوات المسلحة البرية العراقية.
إن مجلس القضاء العراقي قد بذل جهودا معتبرة لتطويق ظاهرة الإرهاب واستئصالها قانونيا، وسلك في ذلك قوانين ردعية، كما أن عمل القوات المسلحة التنفيذية والمعلوماتية والمؤسسات العراقية في محاولة خنق ظاهرة الإرهاب اشتمل على ثلاثة نقاط وهي: الحرص على طرد الشبكات الإرهابية من المدن الحضرية والقرى في احزمة المدن وتفكيكها بصرامة، تعويض أهالي الضحايا الذين قضوا بسبب الاعتداءات الإرهابية، واسناد مقترحات المصالحة المجتمعية، وعلى الصعيد الدولي لقد صادق العراق على عدة اتفاقيات دولية في مجال مكافحة الارهاب ويعتبر العراق عضوا فعالا في مكافحة ظاهرة الارهاب على ما اكتسبه من خلال معاناته من هذه الظاهرة.
تتمثّل المنهجية المتبعة لدى القوات المشتركة العراقية والتحالف الدولي بالقضاء على فلول داعش وقياداته أو القبض عليهم ومحاكمتهم بحسب جرمهم، وسط خلافاتٍ على مشروعية المحاكمة وتهرب دول اوربا الغربية من مسؤولياتها مفضلة قتلهم في الميدان كما فعلت بريطانيا وفرنسا أو تجريدهم من الجنسية كما فعلت هولندا وبريطانيا أو محاكمتهم في دول أخرى وهذا ما تسعى له معظم دول الغرب، بينما لا تسمح قوانين الاتحاد الأوروبي بأكثر من سجنهم لفتراتٍ قصيرة أو إطلاق سراحهم لعدم توافر الأدلة الكافية.
ثمة أيضًا مسألة أخرى وثيقة الصلة، وتتعلق بمصير مئات أو آلاف النساء والأطفال الذين يتبعون عناصر تنظيم داعش بعنوان "الرفقة" وهم لم يثبت عليهم او لهم صلة تنظيمية مع هيكلية داعش عدا صلة النسب بأحد العناصر الإرهابية، وهي قضية إنسانية لا تحتمل التأجيل ولا يمكن القفز فوقها، وتتطلب تعاونًا دوليًا من أجل إعادة تأهيلهم ودمجهم. ويبدو أن الأمر المحسوم تقريبًا هو السماح بعودة أطفال المواطنين الأوروبيين المنتسبين إلى صفوف “داعش” من اعمار دون ١٤ سنة، وكانت روسيا لها السبق في تنفيذ هذه الاجراءات.
تنظيم داعش "منظمــة مرنة نسبيا، المنظمــة "المرنة " لديها القدرة على التكيـــف والتأقلم بسرعة مـع كـل مـا يمكـن أن يطـرأ كمستجدات حينما تتواجد وسط بيئات متوترة وغير مستقرة بحيث تكون مطالبة بأن يكون رد فعلها سريع ومكافئ لكــل مــا يطــرأ وإلا حكــم عليهــا بالاندثار. وهي قـادرة عـلى ردة فعــل سريعــة ومغامرة حيــال المشــكلات الداخلية بها وكذا التهديدات الخارجية، وذلــك يتطلـــب الاحتكام إلى قـــيم دينية مقدسة عـــوض المفاهيم الوضعية التي كسبها العقل الانساني والإجـــراءات التنظيمية.
من الناحية العسكرية، أصبح تنظيم “داعش” منتهيا عسكريا، لكن ذلك لا يعني انتهاء التنظيم جذريا إنما انتقل من مرحلة ارض التمكين الى مرحلة التكوين، ومن تشكيلات الجيوش والقتال التقليدي إلى الشبكات والمفارز الصغيرة التي تُقاتل كالأشباح وقطاع الطريق في المناطق المفتوحة والمهجورة لفترة طويلة، فضلًا عن التنظيم السري في المدن الحضرية الذي يوفر القوة الاحتياطية والدعم اللوجستي والتقني والإعلامي والمالي. مرونة تنظيم داعش لا تمنع استمرار عناصره داخل السجون بمذاكرة عقائد التطرف والشحن المنهجي ذي الصلة، وإدارة الشبكات في الخارج وقيادة الشبكات داخل السجون في العمل السري، وذلك في سياق التحضير لصناعة نموذج متطور من العنف بعيدا عن الأخطاء السابقة.