شهدَ العراق حالة من العنف والاقتتال الطائفي في أكثر مناطقه الساخنة كالعاصمة بغداد والموصل وديالى وصلاح الدين والأنبار، مما أضطر الكثير من العوائل العراقية الهجرة قسراً إلى المحافظات الآمنة تقريباً ومنها كربلاء المقدسة، وقد بدأ هذا الزحف بعد عام 2003 واشتدّ بعد أحداث 2006؛ وهنالك الكثير من العوائل العراقية التي جاءت وسكنت في أحياء مختلفة من المحافظة؛ ومنهم من أستقر وضعه المعيشي ومنهم لا يزال يراوح في مكانه ولم يستطع تعويض ما فقده في مدينته.
وبالرغم من عودة الأمن والاستقرار إلى تلك المناطق التي شهدت النكبات والصراعات الطائفية إلا إن هنالك العديد من العوائل المهجرة بقيت في كربلاء ولم تعد إلى مناطقها لأسباب مختلفة.
يقول المواطن حيدر جمعة من منطقة الراشدية ببغداد في تصريحه لـ (لموقع نون ): \"إن تزايد الحالات الإرهابية والوضع الأمني المربك الذي عاشته بغداد بعد عام 2003 اضطرت الكثير من العوائل العراقية الهجرة رضاءً أو جبراً إلى المناطق الآمنة، وأكثر ما لحق الأذى بأتباع أهل البيت (عليهم السلام) لأسباب واهية يعرفها الجميع\".
[img]pictures/2010/10_10/more1287235407_1.jpg[/img][br]
ويتابع حديثه، \"جئنا إلى كربلاء في عام 2006 واستقرت العائلة والمكونة من (14) فرداً في بيت إيجار، وقد تركنا بيتين في بغداد ولم نستطع التصرف بهما، ولو استقرّ الوضع الأمني فعلاً بصورة كاملة فحلم العودة يراودنا لأننا لم نجد فرصة العمل المناسبة في كربلاء مقارنة بالعاصمة بغداد، إضافة إلى المعاناة التي يعيشها الإنسان بعيداً عن أهله وأقاربه الذين تفرقوا في مناطق مختلفة وبعيدة\".
أما المواطن علي داخل من محافظة ديالى؛ فيشير إلى إنّ \"الكثير من العوائل العراقية المهجّرة عادت إلى مناطقها خلال الفترة الأخيرة بعد أن سيطرت القوات الأمنية في بعض من الأماكن الساخنة\".
وعن بقائه وعدم عودته إلى مدينته، يقول داخل، \"لقد استقر الوضع المعيشي لنا في كربلاء حيث حصلت على وظيفة في الشرطة، فيما يزاول أبي وأخي مهنة البقالة، والحمد لله فنحن مطمئنون في هذه المدينة المقدسة، بعد الويلات التي مرت بنا في ديالى، إضافة إلى أخذ بيتنا من قبل العصابات الإرهابية هو أيضاً السبب الثاني في بقائنا وعدم تفكيرنا بالعودة مرة أخرى\".
[img]pictures/2010/10_10/more1287235407_2.jpg[/img][br]
ويعرب المواطن شعيب محسن من قضاء تلعّفر التابع لمحافظة الموصل، عن أمله بالعودة إلى مدينته التي تركها في ظلّ ازدياد عمليات القتل والتهجير القسري وجاء إلى كربلاء تاركاً كل شيء أُخذ منه بالقوة وباسم الدين والمذهب.
ويقول في حديثه لـ (لموقع نون ): \"قدمت إلى كربلاء في عام 2007؛ بعدما هجم الإرهابيون علينا في عقر دارنا وقدمنا الكثير من الشهداء، حيث كانوا يقومون بأعمالهم الإجرامية تحت رداء الطائفية المقيت، وساعدتهم القاعدة ودعمتهم بالمال والسلاح من أجل القضاء على أتباع أهل البيت (عليهم السلام) وعلى المواطنين الأبرياء بصورة عامة ولم يميزوا بين الصغير والكبير\".
ويضيف محسن، \"كنت في تلعفر أعمل فلاحاً في بستان لي وكنا نعيش في سلم وأمان في السنوات الماضية ولم نسمع يوماً بالطائفية وهذا من مذهب وذلك من آخر، إلى إن حدث السقوط في عام 2003 وأخذ الوضع الأمني بالتردي يوماً بعد آخر وإلى الآن لا تزال الموصل المنطقة الساخنة والشائكة في العراق، وهو ما يمنع أن نعود إلى بيوتنا وأملاكنا وأهلنا من جديد ورضينا بقضاء الله وقدره\".
وعن وضعه الحالي في كربلاء يشير محسن إلى إنه \"وجد الأمن والاستقرار في هذه المدينة وقد حصل على وظيفة في دائرة مجاري كربلاء تعينه على معيشته وجلب قوت عائلته المتكونة من تسعة أفراد، وبالنسبة للحكومة المحلية فقد أولت اهتماماً كبيراً بالمهجّرين\".
[img]pictures/2010/10_10/more1287235492_1.jpg[/img][br]
ويذكر المواطن حسين الوحيلي من منطقة الدورة ببغداد إن \"أغلب العوائل العراقية التي هجرت من مناطقها جاءت نحو كربلاء لما وجدت فيها من الأمن والسلام وفرصة العمل المناسبة التي تعينها على أمرها وهي لا تفكر بالعودة لنفس الأسباب ولأنها فقدت كلَّ شيء هرباً من الموت\".
ويتابع حديثه بالقول، \"تركت بيتي وعملي مضطراً وأنا أعلم أن بقائي يعني أما أن أشارك الإرهابيين في عملهم الإجرامي أو أُقتل، ومع مجيئي إلى كربلاء وللأسف تفاجأت بقرار مجلس المحافظة السابق بعدم إدخال الأثاث والأغراض ولذلك اضطررت إلى إبقائها في البيت وقد سُرقت ولم يبقَ عندي أي شيء سوى بيتي الذي لا أفكر ببيعه لرخص الأسعار في مدينتنا بسبب الأوضاع الأمنية المتردية\".
ولفتَ الوحيلي إلى إن \"حلم العودة إلى بيوتنا وإلى وضعنا الذي كنا نرفل فيه مع عوائلنا وأهلنا هو ما نتمناه جميعاً، خاصة وإن الوضع المعيشي صعب جداً والارتفاع في أجور السكن، ولكننا باقون على وضعنا هذا إلى أن يستقر الوضع الأمني في العراق ويخرج الإرهاب منه وتعود الأخوة العراقية من جديد\".
أما المواطنة أم محمد من محافظة ديالى، فقصتها لا تخلو من المعاناة والفجيعة التي مرّت بها في مدينتها، وتقول في حديثها لـ (لموقع نون ): \"قتل الإرهابيون اثنين من أخوة زوجي عندما كنا نسكن في ديالى، فعمدنا إلى المجيء إلى المكان الآمن الذي يحمينا وكانت كربلاء هي مقصدنا الوحيد في تلك الفترة، وأصبحت عائلتنا مكونة من زوجي وأنا وزوجتي أخويه الشهيدين مع أطفالنا، وكنا نعيش سويةً إلى أن قتل زوجي هو الآخر بالانفجار الذي حدث في باب قبلة الإمام العباس (عليه السلام)، فأصبحت العائلة عبارة عن ثلاثة أرامل وتسعة أيتام حيارى لا يجدون قوتهم اليوميّ\".
وتضيف، \"لا نستطيع العودة فليس لدينا أي معيل في ديالى إضافة إلى الوضع الأمني الذي لا يزال متردياً، وسنبقى في كربلاء تحت رحمة الله والمساعدات التي تقدمها لجنة الهجرة والمهجرين في مجلس المحافظة\".
وعلى مستوى الدعم الحكومي الذي تقدّمه الحكومة المحلية في محافظة كربلاء للعوائل المهجرة والقرارات الجديدة التي اتخذتها، فقد صرّحت لـ (لموقع نون ) رئيس لجنة الهجرة والمهجرين في مجلس المحافظة بلقيس الشريفي بالقول: \"زحفت إلى مدينة كربلاء الكثير من العوائل العراقية من محافظات الوسط والجنوب، لأسباب أمنية وطائفية اشتدت خلال العامين 2006 و 2007، وفي نهاية عام 2008 أُغلق ملف التهجير في كربلاء بأمر من وزارة الهجرة والمهجرين وأصبحت العوائل بما يقارب (14000) عائلة ومن ثم تراجع العدد إلى (10000) عائلة بسبب عودة بعض منها إلى مدنها بعد استقرار الوضع الأمني في مناطق مختلفة من البلاد، وبقيت حوالي (9000) عائلة مسجلة لدينا حالياً\".
[img]pictures/2010/10_10/more1287235492_2.jpg[/img][br]
وتضيف الشريفي، \"إن واقع العوائل المهجرة مأساوي ويفتقر إلى الكثير من المقومات ومنها الاستقرار وهذا الظلم وقع بصورة خاصة على النساء الأرامل والأيتام، ومع ذلك فهنالك أسباب لعدم رجوع الكثير من العوائل المهجرة إلى مدنها بسبب ما لاقته في كربلاء من استتباب الأمن وإيجاد فرصة عمل توفر لهم قوتهم اليومي، إضافة إلى المساعدات التي تتلقاها من مجلس محافظة كربلاء والوزارة ومنظمات المجتمع المدني\".
وتابعت، \"ناقشنا خلال العامين (2009 – 2010) عودة هذه العوائل إلى محافظاتها مع توفير فرصة العمل لها وتعويض ما تكبدته من خسائر مادية، إلا إن هذا الأمر لم يتم بسبب إلحاح الكثير منهم بالبقاء في كربلاء حيث عملوا على نقل وظائفهم وشراء بيوت لهم واستقروا دون التفكير بالعودة\".
وترى الشريفي إن الأعداد الهائلة من المهجرين الذين زحفوا نحو كربلاء \"أثّروا بشكل وآخر على المدينة وقد نقلنا ذلك إلى وزارة الهجرة والمهجرين أثناء زيارتها لنا قبل فترة قصيرة، ومن هذه الآثار إن الميزانية المالية لتنمية الأقاليم مخصصة فقط لـ (800.000) مواطن في كربلاء، بينما إحصائية كربلاء والمسجلين حالياً تصل إلى (مليون وثلاث مائة ألف) مواطن وبذلك لا نستطيع إكمال بناء المدارس والمرافق الخدمية، ناهيك عن زيادة بيوت التجاوز في المدينة بسبب أعداد المهجرين الكبيرة والذين استغلوا الساحات الفارغة مسكناً لها\".
ولفتت إلى إن \"موضوع رجوع المهجرين إلى مدنهم بعد استقرار الوضع الأمني فيها بدا أمراً ضرورياً خلال المرحلة القادمة، ما عدا شريحة الأيتام والأرامل والمطلّقات الذين فضلنا بقاءهم مع شملهم بالمنح والمخصصات المالية، فضلاً عن المواطنين الذين يملكون سكناً لهم في المدينة والأشخاص من ذوي الخبرة والكفاءات العلمية كأساتذة الجامعات والأطباء والمهندسين فهؤلاء من الضروري بقاؤهم لما يقدّموه من فائدة للمواطنين في المحافظة وللبلاد بصورة عامة\".
وتابعت رئيس الهجرة والمهجرين، أما بقية العوائل المهجرة فأمر عودتهم ورجوعهم كما قلنا ضروري، مع الأخذ بيدهم ودعهم، حيث نستحصل في كل شهر على ما يقارب (100) وظيفة نعطيها للمهجرين لكي يعملوا بها في المحافظات الأخرى، ونحن ننتظر أمر الوزارة للبت في هذا الأمر\".
تحقيق: علي الجبوري
موقع نون خاص
أقرأ ايضاً
- مكتب السيستاني بدمشق :يد العون العراقية تمتد الى (7) الاف عائلة لبنانية في منطقة السيدة زينب
- تحول إلى محال تجارية.. حمّام اليهودي في كربلاء (فيديو)
- مستشار السوداني : إنهاء مهام يونامي لن يؤدي إلى عزلة العراق