بقلم: مازن الزيدي
منذ تنظيرات ميكافيلي في السياسة التي اسست الى فصل الدولة ككيان قانوني محايد عن الاخلاق كمعيار قيمي، والمصالح باتت تشكل محركا رئيسيا للعلاقات الدولية المعاصرة.
لكنّ هذه المصالح غالباً ما تكون محكومة بالتنافس والتسابق وتجري في بيئة غير سلمية. فكل دولة تسعى لتحقيق اكبر قدر ممكن على حساب غيرها. لذا فإن بعض الدول تندفع احياناً لتحقيق مصالحها بأدوات قذرة قد تصل الى حدَ الابتزاز وممارسة الضغوط والتلويح باستخدام القوة بحق اي دولة تقف بوجهها.
من هذا المنطلق يمكن الاجابة على الاطراف التي تريد التضحية بمصالح العراق لصالح امريكا لمجرد ان الاخيرة اسهمت باسقاط نظام صدام، وساعدت العراق كدولة للعودة الى وضعه الطبيعي اقليمياً وعالمياً.
فعندما تتعامل معك اميركا او غيرها من الدول القريبة او البعيدة وفق لغة المصالح، فمن الغباء بمكان ألاَ تتعامل معها بنفس اللغة.
وكلنا يتذكر كيف رفضت الولايات المتحدة التصدي لخطر داعش بعد سقوط الموصل وتهجير وقتل اقلياتها المسيحية والايزدية والشبكية الا بعد تنحي رئيس الوزراء حينها نوري المالكي عن الترشح لولاية ثالثة، وفتح الابواب امام القوات الامريكية للعودة الى البلاد مرة اخرى، ووضع المجال الجوي تحت تصرفها بشكل كامل.
لغة المصالح الامريكية مع العراق لم تكن آنية او عابرة، بل كانت وستبقى لغة مؤثرة في مسار علاقات البلدين. وفي هذا الاطار ذاته يجب ان توضع تصريحات القائم باعمال السفير الامريكي جوي هود التي لوح بإخراج جميع الشركات الاستثمارية في حال طلبت بغداد خروج القوات الامريكية من العراق. لغة المصالح كانت جوهر موقف المسؤول الاميركي حتى وان قيلت بلغة دبلوماسية مهذبة.
اليوم وفي ظل الحديث عن تصفية وجود داعش في شرق سوريا الذي يتواجد فيه الآلاف من الدواعش الامريكان والاوربيين ومثلهم من العراقيين، فإن الحكومة العراقية مطالبة بإبرام صفقة حقيقية مع كل هذه الاطراف التي لاترغب باستعادة نفاياتها الداعشية مرة اخرى. وحتى بالنسبة للدواعش العراقيين، فإن بغداد مطالبة بألاّ تسمح بعودتهم إلاّ وفق ثمن يستحق ذلك.
ما رشح خلال زيارة رئيس الجمهورية الى فرنسا فإن الاخيرة عرضت صفقة معينة أمام العراق مقابل احتفاظ الاخير بدواعشها الذين سلمتهم وستسلمهم قوات سوريا الديمقراطية الى الجانب العراقي. تتضمن هذه الصفقة الفرنسية دعم القوات الأمنية والعسكرية العراقية وتقديم العتاد والتدريب مقابل هذه الخدمة.
ويرجح ان تحذو اطراف اوربية اخرى حذو فرنسا في عرض مثل هكذا صفقة امام الحكومة العراقية لطمأنتها من عودة دواعشها بعد هزيمتهم في سوريا.
وبعيدا عن المخاوف التي قد تثيرها اعادة تسليم الدواعش العراقيين والاجانب، فإن الحكومة امام فرصة ذهبية يجب استثمارها بشكل واسع بإبرام صفقة متعددة الجوانب مع الاطراف المعنية.
وكما فعلت تركيا مثلا مع اوربا عندما اغلقت حدودها امام موجات المهاجرين عبر اراضيها، مقابل مساعدات مالية، وتسهيلات فيما يتعلق بسمات الدخول. وكما تفعل ايران بالضغط على اوربا لتخفيف موقفها من العقوبات الامريكية مقابل قطع الطريق امام تهريب المخدرات القادم من افغانستان.
من هنا ووفقاً لهذا المنطق، فإن العراق مطالب بأن يبرم صفقته المستحقة مقابل تسفير الدواعش الى اراضيه واخضاعهم الى المحاكمة حسب قوانينه. فليس مقبولاً ابداً ان ترضى حكومتنا بأكداس من خردة السلاح والعتاد التي قد تقدمها باريس او بروكسل او برلين مقابل الاحتفاظ بدواعشها. ولايجب ان تقبل حكومة العراق بأقل من تزويدنا بصفقات تسليح تسدّ النقص لدينا، وتزويدنا بأجهزة لمراقبة تمكننا من حماية حدودنا مع سوريا. كما ان الصفقة يجب ان تضمن انخراطاً اوربياً - اميركياً لاعادة اعمار المناطق المحررة واستعادة اثارنا المهربة وترميم المواقع المدمرة، وتعويض وتأهيل ضحايا الحرب على داعش وذويهم. كما يجب ان يساعد العراق لاستعادة مكانته الاقليمية والدولية مقابل الخدمة التي قدمها للعالم بتخليصه من خطر ارهاب داهم ووشيك.
أقرأ ايضاً
- مقابلات المرجعية الدينية الشريفة...رسائل اجتماعية بالغة الحكمة
- المقاطعة مِن أجل غزة.. تسونامي يزحف باتجاه الشركات الغربية
- الإبادة الجماعية في غزة ونفاق الديمقراطية الغربية