بقلم: مازن الزيدي
كان واضحا خطاب الاستقواء بالمرجعية الذي اعتمده فريق سياسي منذ ما قبل الانتخابات السابقة. وكان واضحاً ايضاً الهدف من اعتماد ذلك كأداة خصومة سياسية لضرب المنافسين انتخابياً.
نجح هذا التكتيك السياسي بشكل وبآخر في اللعب على وتر التوجيهات العامة التي ادلت بها المرجعية قبيل الانتخابات وبعد اجرائها، كما نجح في احراج المنافسين ووضعهم في زاوية حرجة لصدّ اللكمات والدفاع عن النفس فقط.
استمر متبنو هذا التكتيك في استخدامه بشكل أقوى وأوضح في مرحلة ترسيم الحكومة وتقاسم حقائبها، معتمدين بذلك على انسداد الافق السياسي وتشتت القوى فيما بينها الامر الذي جعل تعويم الكتلة الأكثر عدداً خياراً يحفظ للجميع ماء الوجه.
في هذا الاطار تحولت شروط المرجعية وتوصياتها الى ردّ شبه آلي يواجه به تيارٌ سياسي منافسيه فيما يتعلق بتسمية الرئاسات الثلاث وبقية اعضاء الكابينة.
ففي اول تغريدة له بعد اختيار رئيس الوزراء وجه زعيم التيار الصدري الشكر للمرجعية على هذا الانجاز، بالتزامن مع تسريبات غير مؤكدة المصدر تندرج ضمن ذات المنهج في التصريح والتلميح الى دور بيت المرجع الاعلى في تسمية رئيس الوزراء وتقديمه بواسطة الصدر الى التحالفات الاخرى.
اثار هذا المنهج لغطاً كبيراً في ظل سكوت المرجعية عما يدور بشأن الجهة التي سمت رئيس الوزراء، والتساؤلات المتحيرة حول شروط وتوصيات المرجعية بشأن تشكيل الكابينة الوزارية والتي تم تجاوز اهمها واخطرها المتمثلة بمسؤولية الكتلة الاكثر عددا في تسمية رئيس الحكومة.
لقد مارست هذه القوى السياسية نهجاً تضليلاً صارخا في نسبة هذه الخروق الى المرجعية، في محاولة للتنصل من مسؤولياتها عن تجاوز الدستور.
لكن التعكز على خطاب المرجعية لم يستمر طويلاً لاسيما بعد تمرير الوجبة الاولى من الحكومة برئيسها، فقد شهدت جلسات البرلمان اللاحقة اشتباكات وتوترات متلاحقة حالت دون اكمال النصاب وادت الى شلّ السلطة التنفيذية التي تنتظر اكتمال نصابها، والسلطة التشريعية التي عجزت حتى الان عن توزيع اللجان وتسمية رئاساتها بشكل نهائي.
على خلفية ذلك وسعياً منها لضبط بوصلة الكتل السياسية وانهاء نهج التعكز على خطاباتها وتوصياتها بدلاً عن الاحتكام الى الاليات الدستورية والقانونية في تمشية الامور، دعت المرجعية الى ضرورة الابتعاد عن العنف السياسي. وقالت في خطبة الجمعة بتاريخ ٨ كانون الاول ان "هناك الكثير من أنواع العنف ومنها السياسي لتحقيق أهداف سياسية كقتل الخصوم وتهديدهم والطعن في سيرتهم بأساليب شتى".
وجاء هذا الموقف في وقت كانت بعض القوى السياسية تحاول فرض خياراتها السياسية على بقية الطيف السياسي عبر التحشيد الشعبي في البصرة وبغداد، والتلويح بتكتيك الاقتحامات المعروفة.
وفي الخطبة الماضية جددت المرجعية دعوتها القوى السياسية الى تقديم المصالح العامة على المصالح الضيقة.
واكدت على ضرورة "أن تعتني المؤسّسات التشريعيّة والتنفيذيّة لحماية المصالح العامّة"، مضيفة بالقول "إن لم تكن هناك مؤسّسات تشريعيّة تسنّ القوانين وتحفظ المصالح العامّة وتحفظ الحقوق العامّة وتحفظ الخدمات العامّة وأيضاً تمنع أيّ شخص بعنوان الفرد أو بعنوان الكيان أن يضرّ بالآخرين تشرّع القوانين وسلطة تنفيذيّة تطبّق هذه القوانين التي تحمي الأموال العامّة والخدمات العامّة وتحمي الحقوق وتمنع أيّ عنوانٍ شخصيّ أو عنوانٍ عامّ -العنوان الضيّق كما نعبّر عنه- من الإضرار بالآخرين، إن لم تتوفّر مثل هذه الأمور لا يُمكن للموعظة والنصيحة أن تؤتي ثمارها".
بعد هاتين الخطبتين تكون المرجعية قد اغلقت الباب امام نهج التقويل والتقوّل على لسانها من قبل بعض الاطراف السياسية، وخطت خطوة متقدمة في اعادة توجيه بوصلة الكتل باتجاه ما نصّ عليه الدستور من آليات في اختيار ما تبقى من وزراء، او في ممارسة البرلمان لوظائفه التشريعية والرقابية.لقد اسهمت الخطب الاخيرة في نزع فتائل التوتر والازمة من الشارع وابقائها في مكانها الطبيعي تحت قبة البرلمان وفي الكواليس السياسية.
وخلافاً لشعبوية الخطاب الذي تتبناه قوى سياسية في شيطنة كل شيء واستثناء نفسها من ذلك، والسعي في الوقت ذاته للجلوس على كرسي الاصلاح والتلويح بخطابات المرجعية بمناسبة ومن دون مناسبة، فإن مضامين دعوات المرجعية توجه بضرورة اعتماد الآليات التقليدية للعمل السياسي من دون وصاية لطرف على طرف آخر، ولكن بشرط تقديم الخدمة في الجانب التنفيذي والتشريعي وان يتحمل الجميع مسؤولياته بحسب حجمه البرلماني والحكومي.
ساهمت المرجعية كعادتها بانهاء الاشتباك السياسي واشعال الضوء الأحمر بوجه المتصيدين بالمياه السياسية العكرة، وبذلك تكون انهت فصلاً جديداً من فصول المزايدات التي تختفي وراءها المصالح والحسابات الضيّقة.
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- المرجعية وخط المواجهة مع المخدرات
- المرجعية الدينية.. مشاريع رائدة وطموحات واعدة