عراق البوابة الشرقية نقطتين شارحة
بقلم: مازن الزيدي
عادة ما يدخل الجدل بشأن الدور المخرب لكل من الولايات المتحدة والسعودية في العراق في دوامة المزايدات والاصطفافات السياسية التي تؤثر بدورها على تعاطي النخبة مع ذلك.
فحتى وقت قريب جداً لم يكن احد يشكك بالدور المخرب الذي لعبته السعودية في العراق بعد ٢٠٠٣. فالفتاوى التكفيرية والتحريض عبر الفضائيات كانت حاضرة. لكن ما ان قرر احد الزعامات السياسية زيارة السعودية ولقاء ولي عهدها حتى اصبح التبشير بالانفتاح السعودي حديث الساعة، واغنية "دارك يالاخضر" شعاراً للمرحلة. واصبح "الحضن العربي" فردوساً ينشده العراقيون.
ولانصار هذا المنهج اساليبهم في الدفاع عن شعاراتهم بطريقة تحوّل الجدل الطبيعي بشأن هذه القضية وشبيهاتها، الى خطاب تخوين لينتهي بالاصطفافات السياسية او الطائفية المعهودة.
لم نعارض التطبيع مع السعودية بكل تأكيد فهي جارة وتحكمنا معها مصالح مشتركة. لكننا في الوقت ذاته عارضنا التطبيع المجاني الذي هرول نحوه رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي وبعده رئيس الجمهورية فؤاد معصوم باغراء اميركي واضح. كنا نطالب بضمانات سياسية بعدم التدخل بالشأن الداخلي والكفّ عن تحريض المكونات ضد بعضها، والامتناع عن دعم مشاريع التقسيم كما جرى مع استفتاء إقليم كردستان. كما طالبنا بالتزامات اقتصادية وفي مقدمتها اعادة أنبوب النفط الستراتيجي وإلغاء الديون المزعومة مقابل هذا التطبيع، ولكي تكون العلاقة متوازنة تحمي المصالحة المشتركة.
ذهب المطبعون الى المملكة وعادوا بخفيّ حنين، لكنّ حماسهم لم يزحزحه حتى نموذج سيّء كالسبهان وصفاقته الدبلوماسية خلال فترة تواجده في العراق.
سيواصل انصار هذا الاتجاه انكارهم وتنكرهم للاداور المخربة للسعودية وامريكا في العراق حتى مع الاعتراف الصريح الذي ادلى به وزير الخارجية الامريكي مايك بومبيو عبر مقالته المنشورة يوم الاربعاء الماضي في صحيفة وول ستريت جورنال.
ففي معرض دفاعه عن ولي العهد السعودي المتهم بقتل الصحفي جمال خاشقجي، يعرّف بومبيو بالدور المحوري الذي تضطلع به السعودية في المنطقة والعراق تحديداً، بالقول ان "السعودية قوة كبيرة للاستقرار في الشرق الأوسط، وتعمل على ضمان ديمقراطية العراق الهشة وتبقي بغداد مقيدة بمصالح الغرب وليس بمصالح طهران".
سيمرّ "المطبعون" مرور الكرام على مضمون كلام بومبيو واشارته الى تحويل العراق الى ساحة لمواجهة ايران وتوكيل المهمة الى السعودية التي باتت الحامي الابرز لاسرائيل في المنطقة باعتراف الرئيس ترامب.
وسيواصل انصار التطبيع المجاني حديثهم عن "الحياد" و ابعاد العراق عن صراعات المنطقة، رغم ان كلام بومبيو يؤكّد ويوضّح مضمون التوصيات التي رفعها فريق "اتلانتك كاونسل" برئاسة السفير الامريكي السابق في بغداد رايان كروكر. فإبقاء العراق في دور "حامي البوابة الشرقية"، هدف أميركي واضح وستراتيجي.
بهذه السهولة والبساطة سيتجاوز المطبعون كلام بومبيو كما تجاوزوا سابقاً توصيات كروكر، وسيواصلون حديثهم عن استقلال القرار الوطني وابعاده عن التدخلات؛ التي ليس لها سوى اتجاه واحد بنظرهم!
سيصفّق انصار التطبيع والحياد لمزيد من الانفتاح على السعودية رغم دور الأخيرة بانهيار أسعار النفط للمرة الثانية. سيغمض هؤلاء اعينهم عن التداعيات الخطيرة التي تنتظر العراق جراء خسارته ٢ مليار دولار شهرياً، وسيمضون بترديد اهزوجة الحضن العربي المبخَر.
على المستوى الرسمي، فإن مقال بومبيو يضع جميع الساسة العراقيين المراهنين على "الاعتدال والتوازن" امام اختبار محرج ومخجل في ذات الوقت. فمع هكذا لهجة صريحة يعتمدها وزير الخارجية الامريكية، لن يعود للشعارات التي يرددها الساسة العراقيين ايّ معنى، ولن يبقي امامهم سوى مقاومة هذه السياسة عبر الدعوة لانشاء "ناتو عراقي" لمنع ابتلاعنا من "الناتو السعودي"، واستعادة دورنا في منظمة أوبك عبر تحالفات داخل المنظمة تمنع السعودية عن التلاعب بالإنتاج والاسعار.
على الساسة العراقيين ان يثبتوا استقلال القرار العراقي برفض الدور السعودي في المنطقة وفي اوبك، كما فعلت قطر بخروجها من الاخيرة ودعوتها لاعادة النظر بهيكلية مجلس التعاون الخليجي.
امام العراق فرصة ذهبية لكي يكون حرّاً وسيّداً، صاحب تأثير بانهاء ازمات المنطقة، لكن ذلك يتوقف على خروج الساسة من دائرة مصالحهم الضيقة، ومغادرتهم إرسال الغزل بين واشنطن والرياض.