بقلم: القاضي حبيب إبراهيم حمادة
تعد الثروة السمكية مصدرا مهما من مصادر الأمن الغذائي والذي يعد احد الأركان الأساسية للاقتصاد الوطني للدولة ومن المقومات المستدامة، وذلك بسبب قيمتها الغذائية العالية كونها تحتوي على نسبة عالية بواقع ٢٤% من البروتين الحيواني مقارنة بما هو عليه الحال بالنسبة للمنتجات الغذائية الحيوانية الأخرى.
ورغم توافر الظروف والمستلزمات المناسبة للاستفادة منها وتطويرها في إشباع حاجة افراد المجتمع منها وامكانية استغلالها في التصدير بغية دعم الاقتصاد الوطني والحصول على موارد مالية للخزينة العامة سيما ان وجود نهري دجلة والفرات إنما يعتبر سببا مشجعا في متابعة الموضوع من قبل الجهات الحكومية العليا، ومع ذلك فان الإنتاج لا يزال متدنيا ولا يغطي الحاجة منها محليا لأسباب متعددة من اهمها عدم المحافظة على المياه وانخفاضها والتغيرات الدورية الحاصلة في المناخ وإغراق الأسواق المحلية بالمنتجات المستوردة منها والمؤثر مباشرة على الناتج المحلي وعدم وجود الدعم الحكومي المناسب وقلة الاستثمارات فيها اضافة الى الصيد الجائر او المفرط او المدمر للثروة السمكية وباستخدام الطرق البدائية الامر الذي ترتب عليه ارتفاع اسعارها وتأثيرها المباشر على الاقتصاد الوطني، بحيث اصبحت حصة الفرد الواحد بنسبة ٤،٢ كغم منها سنويا، رغم ان معايير منظمة الصحة العالمية توجب ان تكون تلك الحصة بنسبة ٦،٥ كغم سنويا للفرد الواحد، إضافة الى ان بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) قد حددت خسائر العراق فيها بأكثر من ٤٠٠ مليون دولار ومطالبتها بوضع الحل المناسب للتدهور البيئي والمناخي في العراق.
ومهنة صيد الأسماك من المهن القديمة التي مارسها الأفراد في العراق حالها في ذلك حال المهن الأخرى كالزراعة والتجارة والصناعة، وتمارس عادة من قبل السكان المستوطنين قرب البحار او الشواطئ او الأنهار كونها تؤمن مصدر رزق مناسباً لصاحبها وأفراد عائلته، ويفترض ان تمارس تلك المهنة بالطرق والوسائل المشروعة وغير المخالفة لأحكام القوانين والأنظمة، ومع ذلك فان هنالك من يمارسها بطرق ووسائل غير مشروعة ومن ذلك الصيد بالصعق الكهربائي او استخدام المواد المتفجرة او المبيدات او بشباك غير نظامية وغيرها، الامر الذي يرتب آثاره السلبية المباشرة على الثروة السمكية من خلال صيد الأسماك ذات الانواع النادرة او الكبيرة وما يترتب على ذلك من انقراض بعض أنواعها او انخفاض البيوض المطروحة منها في المياه او صيد الأسماك الصغيرة التي لم يكتمل نموها.
ويعرف الصيد الجائر عموما كونه الصيد الواقع بشكل عشوائي وغير المنظم وينجم عنه قتل أعداد كبيرة من الحيوانات او الأسماك او النباتات وبشكل زائد عن الحاجة لها مما يؤدي إلى تناقص أعدادها وانقراض بعضها وتأثير ذلك على الإنسان والبيئة، أما الصيد الجائر للأسماك فيتمثل بصيد أعداد كبيرة منها في أوقات يحضر الصيد فيها ومن دون الحصول على الترخيص اللازم من الجهات الإدارية المختصة أو أتباع طرق ووسائل غير مشروعة تؤثر سلبا على التنوع البيولوجي والتوازن البيئي، او هو نشاط غير مشروع يتمثل بصيد الأسماك بطرق غير قانونية وغير مستدامة مما يؤدي الى تأثيرات سلبية على البيئة البحرية مما يعرض التوازن البيئي للخطر ويؤثر على مستقبل موارد الثروة السمكية.
والصيد الجائر او المفرط او المدمر للأسماك انما يعد جريمة معاقب عليها قانونا، وبنصوص عقابية صريحة، اذ ورد النص في المادة (٤٨٢/ثانيا) من قانون العقوبات رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ على ان (يعاقب بالحبس وبالغرامة او باحدى هاتين العقوبتين: اولا..... ثانيا: من سم سمكا من الأسماك الموجودة في نهر او ترعة او غدير او مستنقع او حوض او استعمل في صيدها او إتلافها طريقة من طرق الابادة الجماعية كالمتفجرات والمواد الكيمياوية والوسائل الكهربائية وغيرها. ثم صدر لاحقا قانون تنظيم صيد واستغلال الأحياء المائية وحمايتها رقم ٤٨ لسنة ١٩٧٦، اذ ورد النص في المادة الاولى منه على ان يمنع منعا باتا استعمال طرق الإبادة الجماعية في صيد الأحياء المائية كالسموم والمتفجرات والمواد الكيمياوية والطاقة الكهربائية وغيرها..... او استعمال وسائل وعدد الصيد التي تضر بيوض الاحياء المائية وصغارها. وطرح فضلات المعامل والمختبرات ومجاري المياه القذرة والمواد الكيمياوية والبترولية في المياه العامة اذا كانت تؤدي إلى قتل الأحياء المائية.
وقد ورد النص في المادة الثامنة والعشرين منه المعدلة بالقانون رقم ١٠ لسنة ١٩٨٠ على أن (يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات وبغرامة لا تقل عن ثلاثة الاف دينار مع مصادرة الصيد، كل من استخدم في صيد الاحياء المائية طرق الابادة الجماعية لها كالسموم او المواد الكيمياوية او الطاقة الكهربائية، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة، ولا تزيد على ثلاث سنوات، وبغرامة قدرها ثلاثة آلاف دينار، اذا استعملت المتفجرات في الصيد)، ثم صدر لاحقا قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم (٣٠) لسنة ٢٠٠٠ والذي اشار في الفقرة ثانيا منه على ان ( يمنع استخدام طرق الابادة الجماعية في صيد الاسماك كالسموم والمتفجرات والمواد الكيمياوية والطاقة الكهربائية.)، وقد خول القرار المذكور بموجب احكام الفقرة ( خامسا) منه، وزير الداخلية والمحافظون صلاحية حجز المخالف لاحكام القرار المذكور مدة لاتقل عن شهر ولا تزيد على (٦) اشهر وغرامة لاتقل عن مائتين وخمسون الف دينار ولاتزيد على ثلاثة ملايين دينار ومصادرة الاسماك وعدد الصيد والزوارق والاليات المستخدمة في نقلها، مع عدم الاخلال باي عقوبة اشد ينص عليها القانون.
وازاء تناثر النصوص العقابية الواجب تطبيقها بفرض العقوبة المناسبة بحق مرتكب جريمة الصيد الجائر للأسماك، وبغية الحفاظ على الثروة السمكية في العراق وللحيلولة دون هدرها والحد من العبث بها من قبل بعض الاشخاص وتكرار تلك الافعال في السنوات الماضية، واهميتها في توفير الامن الغذائي للمواطنين وكونها مصدرا مهما من مصادر الدخل القومي للدولة فان الواجب على المشرع العراقي تشريع قانون منع الصيد الجائر للاسماك بفرض عقوبات مقيدة للحرية وغرامات مالية مناسبة، بما يحقق الغاية من فرض تلك العقوبات بالردع العام والخاص والاصلاح.
أقرأ ايضاً
- اوراق الشيخ المظفر .. الاراء الصريحة ..جواز ولاية الجائر
- الإمام الصادق"ع" ومواجهة الحاكم الجائر
- الحكومة الكردية الصيد القذر لا يليق بشعبكم