
شهدت المواقف الرسمية تخبطا واضحا إزاء ملفات عدة أثيرت مؤخرا، لاسيما تلك التي تتعلق بالضغوط الأمريكية، بسبب نفيها حقائق ومعلومات من جهة، والاعتراف بها وتنفيذها من جهة أخرى، وفيما اتهم نائب، العمل الحكومي بـ”عدم الشفافية”، أكد مراقبون وباحثون أن الحكومة غالبا ما تخفي معلومات وضغوطا خارجية مورست عليها، وتصدر الاستجابة لها على أنها قرارات عراقية.
وفي هذا الشأن، يعد النائب عن ائتلاف دولة القانون، محمد الزيادي، قيام حكومة السوداني بإخفاء معلومات رسمية وعدم إعلانها في بياناتها الرسمية “خللا في المنظومة، ومؤشر على انعدام الشفافية في العمل الحكومي”.
ويؤكد الزيادي، أن “الحكومة لا تعمل وفقا لمبادئ مصارحة الشارع والمكاشفة بحقائق الملفات الساخنة كالمصارف وأزمة الدولار، والنفط وإيراداته، إضافة للمواقف الأمنية والسياسية”، لافتا إلى أن “هذه كلها تعبر عن تزعزع ثقة الحكومة بعملها وقراراتها وهو امر له مضاعفات يمكن ظهورها في أي وقت”.
ويتابع، أن “عدم شفافية الحكومة أمر واضح من قبل الجهات السياسية والنيابية، وقد تم التحذير منه لأنه طريقة غير صحيحة في بناء الثقة بين الحكومة والشارع من جهة، والكتل السياسية من جهة أخرى”.
وتشهد البيانات الحكومية الرسمية تناقضا كبيرا إزاء بعض الملفات، ففيما تقوم الحكومة بنفي أخبار ومعلومات، تسارع من جهة أخرى إلى تطبيقها على أنها قرارات حكومية، وليست استجابة للضغوط الأمريكية، لاسيما في ما يتعلق باعادة تصدير النفط من ميناء جيهان التركي، ومعاقبة المصارف العراقية من قبل الخزانة الأمريكية.
من جهته، يرى رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، أن “الحكومة العراقية تحاول كشف المعلومات الحقيقية عن بعض الملفات الحساسة على أنها قرار عراقي وليس بضغوطات خارجية، وذلك منعا للإحراج أمام القوى الداعمة لها والرأي العام”.
ويبين الشمري، أن “البيانات الحكومية وتضاربها بين النفي والتأكيد بملفات النفط والمصارف والاتصالات بين السوداني والخارجية الأمريكية تؤكد عدم وجود قرار عراقي، بل هي قرارات خارجية يتم إعلانها داخليا بعد المعارضة العراقية والنفي لتطبيقها”.
ويتابع، أن “البنك المركزي قد اتفق خلال زيارة وفده برئاسة العلاق لواشنطن قبل عدة اشهر على أن تمنحه الإدارة الأمريكية حرية إظهار بيانات معاقبة المصارف عبر إعلامه الخاص بعدما يتم إبلاغه بأسماء المصارف المراد معاقبتها من قبل الخزانة، ولذلك فهو ينفي أي معلومات تنقل عن الجانب الأمريكي، ثم يعود لتطبيقها كقرار أو إجراء عراقي داخلي”.
ويلفت رئيس مركز التفكير السياسي، إلى أن “الأمر نفسه ينطبق على تصدير نفط الإقليم ورواتب موظفيه، حيث امتثلت بغداد لتحذيرات واشنطن الأخيرة بضرورة تطبيق ما تريده الولايات المتحدة ويرغب به إقليم كردستان مهما كان، ولذلك جاء اتصال وزير الخارجية الأمريكي للسوداني ولوزارة المالية كتحذير أخير من التأخر في تطبيق الأوامر والرغبة الأمريكية”.
ويتابع، أن “حق الحصول على المعلومات الحكومية والتعامل بشفافية أمور مفقودة منذ 2003 ولم يتم تطبيقها رغم الحديث عن نظام ديمقراطي يجب فيه الالتزام بمعايير احترام تلك الحقوق، لكن ذلك لا يحصل”، مضيفا أن “الحكومة لا تكشف في بياناتها عن حقيقة أي حوارات أو مفاوضات لأن فيها إحراجا كبيرا أولا أمام الكتل التي تدعمها المتمثلة بالاطار التنسيقي الذي تختلف رغبته عما تريده، ومن جانب آخر هي محرجة أمام الشارع العراقي والرأي العام لأنها ستظهر بموقف الضعيف والمتلقي للأوامر من الخارج”.
ومنذ وصول دونالد ترامب للرئاسة الأمريكية، يواصل البيت الأبيض ضغوطه على الحكومة العراقية، وكان آخرها ما نقله وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو لرئيس الحكومة محمد شياع السوداني عبر الهاتف، في ما يتعلق بالحد من النفوذ الإيراني وما يخص الاستقلال في ملف الطاقة وتصدير نفط الإقليم، بحسب الخارجية الأمريكية.
لكن البيان الصادر عن المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء لم يذكر تلك التفاصيل التي أوردتها الخارجية الأمريكية وجاء في بيان مكتب السوداني، أن “الاتصال شهد مناقشة مجالات التنسيق بين العراق والإدارة الأمريكية الجديدة، وأطر التعاون في سياق الاتفاقات الثنائية”، وهو تباين وصفه مقرب من السوداني بأنه “اختلاف في الأولويات والتصورات”.
بدوره، يبرر الأكاديمي والخبير القانوني، محمد السامرائي، قيام الحكومة بإخفاء معلومات تتعلق بملفات مهمة عن الرأي العام، بالصلاحيات الممنوحة لرئيس مجلس الوزراء، إذ يشير إلى أن “ثمة معلومات وموضوعات على درجة من الأهمية لتعلقها بالأمن القومي للدولة وبمصالحها العليا مما يحتم عدم نشرها للرأي العام والاكتفاء بتداولها بين أروقة صنع القرار السياسي، لأن نشرها في وسائل الإعلام لا يحقق المصلحة بل أن الأمر يقتضي حجبها ولو مؤقتا”.
ويؤكد أن “لا نص قانوني أو دستوري يجبر الحكومة على نشر كل تفاصيل قراراتها وتعاملاتها اليومية على المستويين الداخلي والخارجي وهي تمتلك صلاحيات واسعة وحصرية في هذا الاطار وفقا لأحكام الدستور الذي جعل من رسم وتنفيذ السياسة العامة للدولة من صلاحية رئيس مجلس الوزراء”.
ويستدرك السامرائي “لكن بالمقابل هنالك التزام على الحكومة وجميع مؤسسات الدولة بالتعامل بمصداقية وشفافية في جميع القضايا التي تمس مصالح المواطنين مع مراعاة المصلحة العامة للدولة وهي تخضع بطبيعة الحال الى السلطة التقديرية للحكومة”، مؤكدا أن “الضابط هنا هو الاحتكام للدستور ورقابة مجلس النواب الذي يمتلك صلاحية مراقبة عمل الحكومة ومحاسبتها سياسيا باعتباره جهة منحها الثقة دستوريا”.
وفي ما يتعلق بإعادة تصدير النفط من خط جيهان التركي، فعلى الرغم من أن وزارة النفط تؤكد إعادة هذا الخط لأهميته الاقتصادية، لكن 8 مصادر مطلعة، نقلت، لرويترز، إن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضغطت على الحكومة العراقية للسماح باستئناف صادرات النفط من إقليم كردستان العراق إلى الأسواق العالمية عبر تركيا، أو مواجهة عقوبات إلى جانب إيران.
إلى ذلك، يعتقد رئيس المركز العربي الأسترالي للدراسات الاستراتيجية، أحمد الياسري، أن “الحكومة بقيادة الاطار التنسيقي تقوم بتقديم تنازلات لإدارة دونالد ترامب قبل أن يطلبها الأخير، لشعورها بأن ذلك سيبقيها في السلطة”.
ويوضح الياسري، أن “ترامب لغاية الآن لم يتخذ خطوات تجاه العراق، بل اكتفى بالمضي بما طبقه بايدن كعقوبات المصارف والحد من نفوذ الفصائل ودعم إقليم كردستان بملف النفط وتصديره، لكن الحكومة الإطارية تعمل على مناقضة رغبتها ونفي بعض الإجراءات عبر تقديم التنازلات لترامب قبل ان يطلبها لتقول له ولإدارته أنها ملتزمة”.
ويشير إلى أن “حكومة السوداني غير منسجمة بين أفرادها وبعدم تخصص في إدارة الوزارات باستيزار شخصيات غير معروفة وليس لديها خبرة إطلاقا”، مشيرا إلى أن “تقويض النفوذ الإيراني والتأكيد عليه في اتصال وزير الخارجية الأمريكي والسوداني امر طبيعي وقيام مكتب الأخير بعدم نشره هو بسبب الإحراج الذي يسببه لهم”.
ويخلص رئيس المركز العربي الأسترالي للدراسات الاستراتيجية، إلى أن “ورقة حكومة السوداني منتهية وهي لن تحصل على دورة جديدة، لذا قد تحاول بدعم الاطار التنسيقي وتنازلاته الكبيرة لأنه اذا لم يبق في السلطة سوف تتم ملاحقة قياداته أمريكيا وأيضا من قبل الشعب بعد خروجهم من زعاماتهم ومواقعهم الحكومية”.
واستمر التناقض في البيانات الرسمية حتى في ما يتعلق بالعقوبات المفروضة على مصارف عراقية الشهر الماضي، إذ أكدت وسائل إعلام أن “البنك المركزي العراقي سيفرض حظرا على 5 بنوك محلية أخرى من التعامل بالدولار، في خطوة تأتي عقب اجتماعات مع مسؤولين من وزارة الخزانة الأمريكية ضمن جهود مكافحة غسل الأموال وتهريب الدولار والانتهاكات الأخرى”، وهو ما نفاه البنك المركزي، لكنه عاد ليطبق هذا الحظر على المصارف.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- العطل في العراق.. خسائر فادحة وشلل للمؤسسات الرسمية
- لا تتوقف في العطل الرسمية.. عمليات جراحية فوق الكبرى يجريها مستشفى السفير على مدار الساعة مجاني على نفقة العتبة الحسينية
- منظومة "الداتا سنتر".. العتبة الحسينية تسعى لتنفيذ مشروع قاعدة البيانات المركزية للعراق