على فطرتهم وبساطتهم قرر اسطوات البناء في الكاظمية المقدسة تأسيس موكب عزاء وخدمة لتقديم العزاء في المناسبات الدينية، وكان لهم ما ارادوا قبل (84) عاما، ومر الموكب بمراحل عدة من العمل الى التوقف الى اعادة نشاطه حتى وصل الى تقديم الطعام والشراب طوال ايام وفي محافظات عدة، وساهم بدعم المقاتلين واعطى شهداء وسجل اسمه في المشاركين بالنصر على العصابات الارهابية.
الرعيل الاول
ويستذكر كفيل الموكب "عبد الحسن عبد نعمة" بفخر سيرة وتاريخ موكب "البنائين" الذي تعاهد مجموعة من اسطوات وعمال البناء في الكاظمية على تأسيسه لتقديم الخدمة لزوار المدينة لوكالة نون الخبرية بالقول ان" هذا الموكب تأسس على يد الاخوين الاسطوات "صاحب وفاضل عاكولة"، ومعهم مجموعة من الاسطوات مثل "هادي الكرادي"، والاخوين "كاظم وموسى الواني"، وبيت "حمد"، وبيت "المعمار"، وبيت "البناء" ، وكان تأسيس الموكب في منطقة باب الدروازة بـ "كهوة جودي"، الذي رغم اندثارها الا ان اسمها بقي عنوان للدلالة، واول ما اسس الموكب كان يخرج سيرا في شوارع الكاظمية ليشارك في التعازي وينتهي في الصحن الشريف بـ "الردات الحسينية"، كما يقدم الطعام والشراب للمعزين والزوار ويقيم شعيرة التشابيه مع بقية المواكب، وكانوا يسيرون مجاميع كثيرة واتذكرها وانا صغير وكان ابي وقبله جدي وكثير من الاجداد والاباء يخرجون فيه، وكانت عائلاتنا تعيش حالة العزاء فجميع البيوت تكتسي بالسواد من الداخل والخارج والرايات ترفع على الاسطح ونحن الابناء والبنات نرتدي الملابس السوداء"، ناهيك عن" الاباء والامهات، واستمر الموكب لغاية نهاية ستينيات القرن الماضي في باب الدروازة، وما ان حل العقد السبعيني وخصوصا في منتصفه حتى فرض المنع على اقامة الشعائر، ولكننا لم ننقطع عن اقامتها بنطاق ضيق واعداد قليلة بالخفاء، وكان التبليغ بشكل سري عند موعد ومكان اقامة العزاء في البيوت او البساتين ونقيم مجالس اللطم بمشاركة رواديد حسينيون واستمرينا حتى في ثمانينيات القرن الماضي التي منع فيها العزاء الحسيني بشكل تام، كنا نقيم العزاء ونمشي في اربعينية الامام الحسين (عليه السلام) في طرق وعرة وزراعية ونتعرض للمخاطر لكننا نصل الى كربلاء في النهاية، واتذكر في العاشر من المحرم قبل سقوط الطاغية بمدة قليلة، كان انتشار لما يسمى بـ "فدائيي صدام" الذين كانوا يتمنون ان يشربوا من دمنا واعتقلوا عدد من الزائرين، فاضطررنا للاختباء في حسينية "بني اسد" لحين انجلاء الغمة".
اعادة الموكب
بعد ان زال الطاغية القبور ونظامه الدموي اجتمع اصحاب الموكب وقرروا اعادة نشاطه لكن في مكان آخر يقول عنه "نعمة" انا" ومجموعة من اصحاب الموكب كنا نجلس عند ساحة العروبة بمدينة الكاظمية وتباحثنا في اعادة عمل الموكب، فذهبت الى هيئة المواكب في العتبة الكاظمية المقدسة وطلبت اعادة العمل بالموكب فاخبرنا المسؤول عن الهيئة "صلاح بنانه" بأننا من مواكب الكاظمية العريقة فعودوا للعمل بنفس الاسم والتاريخ ويبقى مسجلا لدينا، وذهبنا الى احد المؤسسين من الرعيل الاول "صاحب عاكولة" لنخبره ونستأذنه باعادة العمل بالموكب فبارك لنا وشجعنا وسلمنا مجموعة من المعدات والمستلزمات التي كانت تستخدم في الموكب، ونصبنا الموكب في موقعه الجديد بساحة العروبة مقابل "مسطر العمالة" قبل (24) عاما، وعاد العمل بجهود عدد من الخدام القدماء وممن التحق من الشباب الجدد وطلبة الحوزة الدينية، وكانت الخدمة اوسع واكثر من قبل، ونعمل بتمويل الموكب بشكل تكافلي بيننا وخصصنا صندوق لجمع الاموال واتخذنا منهجا بتقديم الخدمات على ما تتوفر لدينا من امكانيات".
وجبات وساعات
وعن ما يقدمه الموكب الآن يقول ان" منهاج الموكب تقديم الطعام بشكل مستمر وحسب زخم وحركة الزائرين بوجبات طعام رئيسة ثلاث هي الفطور والغداء والعشاء ووجبات خفيفة كثيرة تتخللها ولساعات طويلة من اليوم من الصباح الباكر وتصل الى الثانية بعد منتصف الليل، ونقدم التمن والقيمة والكبة والسمك والكباب والمشويات، وينتقل الموكب بخدامه وخدماته الى النجف في ذكرى استشهاد الامام علي (عليه السلام)، واستشهاد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكذلك في مدينة القاسم في ذكرى وفاة القاسم بن الامام الكاظم (عليهما السلام)، وفي محرم الحرام نتهيأ منذ الخامس منه في الكاظمية للخدمة ونسير مواكب الزنجيل والتطبير ونقدم الطعام والماء والشاي للمشاركين بالعزاء والزوار، اما في الزيارة الاربعينية فنذهب الى كربلاء المقدسة ولنا فيها مقر بمنطقة باب بغداد بتعاون طيب من اهالي كربلاء المقدسة، ونستمر بالخدمة والطبخ وتوزيع الطعام والشراب فيها لمدة (15) يوما، وفي مدينة سامراء المقدسة لنا مواقف في الخدمة والدعم حيث نذهب اليها لنصب الموكب وتقديم الخدمة في ذكرى استشهاد الامامين العسكريين".
شهداء وتضحيات
ويتناول عضو الموكب "أبو سجاد الحجامي" اطراف الحديث ليوصف ما جرى عند اعلان المرجع الديني السيد السيستاني لفتوى الجهاد الكفائي لوكالة نون الخبرية ويقول " كان للموكب دور بشقين الاول تمثل في التحاق عدد من خدامه بالقتال في الجبهات والآخر تقديم الدعم اللوجستي لهم، وكان واجبنا ان نقدم وجبات الطعام للمقاتلين على حزام بغداد في اطراف مدينة الشعلة وابراهيم بن علي، وبعد تحقيق الانتصارات تلو الانتصارات تنقلنا مع القطعات المقاتلة من الحشد الشعبي والقوات الامنية لأربع سنوات في جبهات القتال الى ان وصلنا الى مدينة الموصل وتحريرها، وتعرضنا اكثر من مرة الى تفجير عبوات ناسفة واطلاق نار في مكيشيفة وبيجي، لكننا اصحاب عقيدة ناصعة وزادنا هذا التعرض عزيمة وتحدي اكثر مما كنا نمتلكه، واستشهد من الموكب (25) خادم خلال ايام احياء الشعائر في سنين المعارك مع العصابات الارهابية، وكل ما قدمه الموكب لدعم المقاتلين في السنوات الاربعة كان تمويلا ذاتيا من اعضائه".
قاسم الحلفي ــ الكاظمية المقدسة
أقرأ ايضاً
- البقالون يخدمون الزائرين . (42) موكبا قديما في مدينة الكاظمية تحيي الشعائر الحسينية من عقود مضت
- في طرف الانباريين.. موكب عزاء وخدمة بمدينة الكاظمية تشم فيه رائحة الحزن منذ (79) عاما(صور)
- ساروا الى كربلاء في زمن البطش... "مضيف الجوادين" موكب يقدم (35) الف وجبة في استشهاد الامام الكاظم