نـــــــــزار حيدر
والمقصودُ بها [المُستقبل والإِستعداد والأَمل].
فمعَ كلِّ ذكرى لمولدِ الإِمام الثَّاني عشر من أَئِمَّة أَهل البيت (ع) في [١٥ شعبان المُعظَّم] يتكرَّر مُصطلح الإِنتظار على أَلسِنتنا كثيراً ويتمُّ تداولُ معانيهِ ومفاهيمهِ وفلسفتهِ بدرجةٍ كبيرةٍ!.
لا أُريدُ هُنا أَن أَنسفَ المفهوم السَّلبي للإِنتظار والذي يعني أَن تضعَ يدكَ على خدِّك وتجلس منتظراً لظُهور المُصلح ليُغيِّر الأُمور كما نشتهي ونتمنى! فذلك لا يستقيمُ مع العقلِ والمنطقِ! وهو في الحقيقةِ ليس إِنتظاراً أَبداً وإِنَّما هو موتٌ بطيءٌ يلجأُ اليهِ التَّائِهونَ الفاشلُونَ والعجَزَة!.
أَمّا الانتظارُ الحقيقي كمفهومٍ وفلسفةٍ فيعتمدُ برأيي على الثُّلاثي الذي صدَّرتُ بهِ المقال؛
١/ فالمُنتظِرُ الحقيقي هو الذي تتسمَّر عيونهُ نحو المُستقبل فلا يلتفِت إِلى الوراءِ كثيراً فالماضي لا يحتاجُ إِلى مَن ينتظرهُ لأَنَّهُ بالأَساس سوفَ لن يقفزَ إِلى الأَمام لإِصلاحهِ مثلاً مهما فعلنا وحاولنا! فضلاً عن أَنُه ليسَ مِن صناعتِنا وإِنَّما ورثناهُ بعِلَّاتهِ، بايجابيّاتهِ وسلبيّاتهِ! فلماذا نتحمَّل وِزرهُ؟!.
إِنَّ مَن يلتفت إِلى الوراءِ لا يمكنُ أَن يكونَ من المُنتظرِين! فالإِنتظارُ هو المُستقبل أَوَّلاً وأَخيراً!.
وعندما تَكُونُ ثقافتنا هي ثقافة الإِنتظار فذلك يعني أَنَّنا نتطلَّعُ إِلى المُستقبل وليس إِلى الماضي!.
المنتظِرُون هُمُ الذين يصنعُون المُستقبل.
٢/ والمنتظِر الحقيقي هو الذي يستعدُّ لهذا المُستقبل وعلى مُختلفِ الأَصعدة، ماديّاً ومعنويّاً! فالقذِرُ في ملبسهِ وأَخلاقهِ وعلاقاتهِ مع الآخرين لا يعبِّرُ عن حقيقةِ الإِنتظار! كما أَنَّ الرَّجعيُّ في تفكيرهِ والبسيطُ في ثقافتهِ والجاهلُ في علُومهِ والمتواضعُ في أَدواتهِ والمُثيرُ للشَّغَبِ والفتنةِ في قولهِ وفعلهِ لا يمثِّلُ حالةَ الإِنتظار!.
وبرأيي فإِنَّ الاستعداد الذي يعبِّر بهِ المرءُ عن الإِنتظار يلزم أَن يكونَ على مستويَين إِثنَين؛
أ/ على مُستوى الأَفكار والرُّؤى التي يجب أَن تتجدَّد دائماً لتُواكِبَ اللَّحظةَ نحوَ المُستقبل.
ب/ على مُستوى الأَدوات [العلميَّة والمعرفيَّة] وعلى المُستويَينِ الشَّخصي والإِجتماعي!.
فلقد وردَ في التُّراثِ أَنَّ الإِمام (عج) يظهر وهوَ مُتسلِّحٌ بعلُومِ الزَّمان وأَدواتهِ، فكيفَ يمكنُ أَن يكونَ قادتهُ وجنودهُ بعيدينَ عن علُومِ زمانهِم وأَدواتهِ؟!.
٣/ ولا يمكنُ أَن يكونَ المرءُ مُنتظِراً إِلّا إِذا كانَ مُفعماً بالأَملِ، فاليائِسُ المُحبَطُ لا ينتظِرُ المُستقبل!.
وإِنَّ مِن أَبرز علاماتِ التسلُّح بالأَملِ هي التصدِّي للمسؤُوليَّة خاصَّةً كلَّما تشتدُّ التحدِّيات وتتعاظم المخاطِر! أَمّا الإِنسحابُ أَو الهرَبُ من المسؤُوليَّة عند أَوَّلِ تحدٍّ فهذا لا يدلُّ على التسلُّح بالأَمل وبالتَّالي لا يدلُّ على إِنتظار المُستقبل!.
لقد وردَ في الحديثِ الشَّريفِ عن رَسُولِ الله (ص) {جِهادُ أُمَّتي إِنتِظارُ الفَرَج} ما يُشيرُ بشَكلٍ قاطعٍ إِلى أَنَّ الإِنتظار بحدِّ ذاته جهادٌ ولا يَكُونُ كَذَلِكَ إِلّا إِذا تصدَّى المُنتظِر لمسؤُوليَّة بناء المُستقبلِ! أَمّا الذي يهربَ منها ولا يتصدَّى لها فيجلس في بيتهِ أَو يكتفي بحياتهِ الخاصَّة فلا يحتاجُ إِلى أَن يُجاهدَ وبالتَّالي لا معنى للإِنتظار في حياتهِ!.
إِنَّ المَسؤُول هو الذي ينتظرُ ويتطلَّعُ إِلى المُستقبل! وأَنَّ القائمَ بمسؤوليَّاتهِ هو الذي يُعبِّر عن إِنتظارهِ الصَّحيح والحقيقي للقائِمِ (عج)!.
وإِنَّ المُنتظِر المُتصدّي لمسؤُوليَّة المُستقبلِ ينتظِرُ في نفسِ الوقتِ التَّحدِّيات فيستعِدُّ لمواجهتِها كما في قولِ الله تعالى {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}.
وإِذا حاولَ المُثبِّطونَ ثنيهِ عن التصدِّي لمسؤُوليَّة المُستقبل كان جوابهُ كما في قولِ الله عزَّ وجلَّ {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}.
الشَّجرةُ المُثمرةُ هي التي تُرمى بالحجارةِ! وكُلَّما زادَ الثَّمرُ زادَ الحَجرُ!.
٢٩ نيسان ٢٠١٨