عباس الصباغ
لاينكر احد ان التجربة الديمقراطية في العراق هي تجربة فتية،ومن الطبيعي ان تشوب هكذا تجربة بعض السلبيات والاخفاقات حالها حال بقية التجارب الديمقراطية العالمية حتى العريقة منها، فتشوبها بعض الاخطاء لاسيما التأسيسية منها، ولحداثة التجربة الديمقراطية البكر في العراق التي جاءت بعد عقود طوال وعجاف من الديكتاتوريات المقيتة ذاق فيها الشعب العراقي الويلات من الكبت والحرمان وسلب حق التعبير وابداء الراي، مازالت هذه التجربة بحاجة ماسة الى خارطة طريق تضبط ايقاعها بشكل احترافي يمنع من تسرب الاخطاء اليها، لذا استبشر المراقبون للمشهد الانتخابي خيرا بصدور وثيقة الشرف الانتخابي برعاية الأمم المتحدة والتوقيع عليها من قبل اغلب القوى السياسية المنضوية في العملية السياسية والمتوثبة الى خوض مضمار الماراثون الانتخابي المرتقب في الثاني عشر من ايار المقبل، وهي وثيقة تحض على شرف انتخابي يرفض أي خطاب طائفي أو عرقي ويؤكد على مواجهة العنف وعدم استخدام الدين أو الرموز الدينية للدعاية الانتخابية أو التوظيف السياسي وذلك كحد ادنى من الممارسة الانتخابية وبعدم تجاوز أي خط احمر او القفز على الثوابت الوطنية والاخلاقية.
ولايستطيع احد ان ينكر الاهمية القصوى للانتخابات البرلمانية المرتقبة والتي يُأمل منها انتخاب 328 عضواً لتشكيل السلطة التشريعية (مجلس النواب) وهو اعلى سلطة سيادية في البلد والذي بدوره ينتخب رئيس الوزراء القادم الذي سيقوم بتشكيل كابينته الوزارية لأربع سنوات قادمة وفق برنامج حكومي يعلن في وقته، وسينتخب رئيس الجمهورية وهو ما يسمى بالنظام البرلماني، وهي رابع انتخابات ديمقراطية منذ التغيير النيساني عام 2003.
ان المتتبع للبنود الـ (24) التي احتوتها الوثيقة يجد انها فعلا خارطة طريق واضحة المعالم وبوصلة استراتيجية، لمشوار الانتخابات سواء للمرشحين منهم او للناخبين او لتسويق الدعايات الانتخابية او لمرحلة مابعد الانتخابات في الوقت عينه، وتنبع اهمية هذه الوثيقة من اهمية الانتخابات نفسها، فهي ليست مجرد مصفوفات لغوية لغرض الاستهلاك الانتخابي كما روّج المعترضون عليها بحجة ان الشارع العراقي ليس بحاجة ماسة الى اية وثيقة شرف انتخابية فهو شارع متخم بفحوى تلك البنود التي اكتظت بها الوثيقة ولايحتاج اليها البتة بحسب ادعائهم، بينما يرى المراقبون الجادون والمستشعرون بأهمية الانتخابات عكس ذلك تماما من حيث ان هذه الوثيقة ستكون برنامج عمل استراتيجي لضبط ايقاع آليات الانتخابات المرتقبة لماقبل الانتخابات او لما بعدها، وهي ليست ترفا فكريا سياسيا، او سفسطة شعاراتية غايتها استدراج الناخب وكسبه الى اجندات معينة، وانما هي تهدف إلى فسح المجال أمام إجراء انتخابات شفافة وعدم التضييق على المرشحين في بعض المناطق وتوضح الحقيقة التي يدعو اليها من يروّج عن قصد او بدونه الى مقاطعة الانتخابات والتي تأتي من جهتين الأولى غير مؤمنة بالعملية الديمقراطية بالبلد وظلت تطلق هذه الدعوة مع كل انتخابات وتشكك بنتائجها مسبقا وتختلق سيناريوهات كثيرة من أجل ذلك وهي لاتؤمن بالتغيير الديموقراطي والتداول السلمي للسلطة قدر ايمانها بمصالحها الفئوية الضيقة، والثانية تمثل الفساد الذي لا يريد التغيير نحو الأفضل ويبذل قصارى جهده من اجل ذلك.
فوثيقة الشرف الانتخابي تؤكد إن المشاركة بقوة في الانتخابات والاحتفاظ بالحرية المطلقة لاختيار المرشح وفق ضوابط محددة يعرفها الجميع وفي مقدمتها النزاهة والإخلاص وحب الوطن، من شأنها أن تقطع الطريق أمام الفاسدين من أن يجدوا لهم مكانا في المستقبل، والتأكيد ايضا على ان المرشحين يجب ان يتصرفوا كرجال دولة، ويحترم المتنافسون في الانتخابات بعضهم بعضاً، ذلك بالابتعاد عن أساليب التسقيط والتشهير والتجريح، وأن تركز الحملات الاستراتيجية والبرامج على مصالح العراق العليا فقط.
وبشكل عام فقد أكدت الوثيقة ايضا على احترام المشاعر والمقدسات لكل الأديان والطوائف وعدم استخدام الدين أو الرموز الدينية للدعاية الانتخابية أو التوظيف السياسي وبالإمكان الاستفادة من المنابر الدينية لتشجيع المواطنين على ممارسة حقهم الدستوري والقانوني في اختيار ممثليهم في مجلس النواب، فتكون وثيقة الشرف الانتخابي ضرورية جدا وخاصة في مرحلة التهيؤ للانتخابات بل لها ضرورة قصوى وبعد ان اكتسب الناخب العراقي خبرة ومراسا عاليين من الدورات الانتخابية المتتالية اهلته للمشاركة في الممارسة الديمقراطية.
ويبقى الامل معقودا على وعي هذا الناخب.
أقرأ ايضاً
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول
- وثيقة عالية نصيف
- اخبار المطلق سراحهم وثيقة ادانة للصهيونية