نشرت صحيفة هافنغتون بوست الأميركية، تقريراً تحدث فيه عن صراعات وتسابق من أجل التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط، مشيرة الى إمكانية اندلاع التوترات بين دول المنطقة.
وذكر التقرير الذي نشر اليوم، أنه مع وجود سفن حربية، وتهديدات، وصفقات بمليارات الدولارات، يحيي التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط آمالاً بتحول اقتصادي يمكن أن يقرّب بين دول هذه المنطقة، لكنه يثير في الوقت نفسه توتراً، ويبرز خلافات كامنة بينما تتسابق هذه الدول للمطالبة بحصصها.
وقبالة سواحل جزيرة قبرص المقسمة، اعترضت بوارج حربية تركية عمليات التنقيب التي تعتزم القيام بها مجموعة "إيني" الإيطالية، ما أعاد إلى الواجهة خلافاً عمره عقود، وزج بمصر والاتحاد الأوروبي في القضية.
في الوقت نفسه، تسعى الولايات المتحدة إلى التوسط بين إسرائيل ولبنان في خلافهما حول حدود بحرية تطمح بيروت إلى أن تنال بعد تسويتها حصة لها في الحقول البحرية.
ويقول نيكوس تسافوس الباحث لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن: "ما نراه هو أن التوتر بين الدول ينتقل إلى مجال الطاقة".
قبرص وتركيا ومصر
بدأ شهر شباط الجاري وكأنه يحمل أخباراً سارة لجمهورية قبرص، فقد أعلنت مجموعتا "إيني" الإيطالية و"توتال" الفرنسية العثور على مخزون إضافي ضخم من الغاز قبالة السواحل الجنوبية للجزيرة العضو في الاتحاد الأوروبي.
لكن عندما توجهت سفينة تنقيب تابعة لـ"إيني" بعدها بأيام لاستكشاف منطقة متنازع عليها، اعترضتها بوارج حربية تركية بحجة أن البوارج تقوم بمناورات حربية في المنطقة، وليست هذه المواجهة سوى الأحدث في إطار التنقيب عن الغاز حول قبرص.
وبعد أن كان يُنظر إلى الغاز كحافز لإعادة توحيد هذه الجزيرة، بات عقبة كبرى أمام استئناف محادثات السلام المتوقفة منذ العام الماضي.
وتقول تركيا التي تسعى باستمرار إلى وقف أعمال التنقيب إنها تدافع عن مصالح القبارصة الأتراك.
وقبرص العضو في الاتحاد الأوروبي منقسمة منذ دخول تركيا للشطر الشمالي من الجزيرة عام 1974، وتفصل بين القبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك "منطقة عازلة" تحت إشراف الأمم المتحدة.
وبينما تحظى جمهورية قبرص اليونانية باعتراف دولي، فأن "جمهورية شمال قبرص التركية" لا تعترف بها سوى أنقرة.
وطلبت نيقوسيا تدخل الاتحاد الأوروبي الذي ينظر إلى الموارد في المنطقة كمصدر طاقة بديل محتمل، وحذر من أن محادثات السلام لن تُستأنف ما لم تحترم تركيا "الحقوق السيادية" لقبرص.
أما مصر التي تملك أكبر احتياطي للغاز في المنطقة ووقعت اتفاق تطوير ضخم مع قبرص، فقد دخلت في مواجهة مع تركيا حول هذه المسألة.
ولا يبدو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مستعداً لتقديم أي تنازلات، مستنهضاً المشاعر القومية مع سعيه إلى حماية نفوذ أنقرة في هذه المنطقة الحيوية.
ويقول المحلل لدى "آي إتش إس ماركيت" أندرو نيف: "لا أعتقد أن تركيا تريد إثارة مواجهة لكن لا يمكن في الوقت نفسه استبعاد ذلك نهائياً".
وأضاف نيف: "إذا توغلت إحدى سفن التنقيب بعيداً في إحدى المناطق البحرية المتنازع عليها فربما تلجأ تركيا مجدداً إلى دبلوماسية البوارج الحربية دفاعاً عن مصالحها"، حسب قوله.
لبنان وإسرائيل
وأيضاً في شرق المتوسط، كانت إسرائيل أول من عثر على مخزون للغاز في أعماق البحر في العام 2009.
وأعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في 19 شباط الحالي، اتفاقاً "تاريخياً" لتصدير الغاز إلى مصر بقيمة 15 مليار دولار.
وقال نتنياهو في تسجيل فيديو: "لم يؤمن كثيرون بمشروع الغاز وقد وافقنا عليه لمعرفتنا أنه سيعزز أمننا واقتصادنا وعلاقاتنا الإقليمية".
وعولت إسرائيل على الغاز لتحسين علاقاتها مع دول المنطقة بعد الانفراج مع تركيا وتوقيعها اتفاقات تصدير مع الأردن ثم مع مصر.
لكن الوضع مختلف إلى الشمال من إسرائيل. فقد وقع لبنان في مطلع الشهر الحالي اتفاقه لأول للتنقيب عن الغاز مع كونسورسيوم إيطالي وفرنسي وروسي.
ويشمل الاتفاق منطقة موضوع خلاف ضمن الحدود البحرية المتنازع عليها تصر إسرائيل على أنها تابعة لها.
ورغم إيفاد الولايات المتحدة مسؤولاً كبيراً للقيام بوساطة، إلا أن الحرب الكلامية آخذة في التصعيد.
فقد أكد الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله الذي خاض حرباً ضد إسرائيل في العام 2006 ويملك صواريخ قادرة على إصابة أهداف بحرية أنه قادر على الفوز في "معركة الغاز والنفط في المتوسط"، مضيفاً أن "إسرائيل التي تهددكم أنتم تستطيعون أن تهددوها".
وقامت إسرائيل بتعزيز دفاعاتها الصاروخية البحرية، لكن ورغم هذه التوترات، يرى بعض المحللين أن أياً من الجانبين ليس مستعداً لخوض حرب نظراً إلى حاجة لبنان إلى مصادر الطاقة والاتفاقات التي وقعتها إسرائيل بمليارات الدولارات.
ويقول إيال زيسر رئيس قسم تاريخ الشرق الأوسط في جامعة تل أبيب "لا أعتقد أن هناك أي مجال بحصول ذلك لأن أحداً ليس مهتماً بالدخول في نزاع، إنها مسألة أموال: الجميع يمكن أن يخسر والكل يمكن أن يربح".
أقرأ ايضاً
- صراع دولي وشبهات فساد.. هل تفشل الاتفاقية العراقية الصينية؟
- 400 مليون دولار خسائر الثروة السمكية في العراق
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟