بقلم: سليم الحسني
يجري الحديث في مساحات متنوعة، بأن إيران تسببت بمشاكل عديدة للعراق، وأنها فرضت نفوذها على سياسته وهيمنت على الكثير من الأحزاب والشخصيات والمسؤولين. وأن إيران بناءً على ذلك استفادت من العراق، بينما تضرر منها العراق.
هذا الكلام صحيح وله مصاديقه الكثيرة على مدى السنوات التي أعقبت سقوط نظام صدام. كما ان الكلام صحيح أيضاً بان السعودية والدول الأخرى تسببت بضرر للعراق وكسبت هي المنافع.
بالرجوع الى طبيعة الصراعات الإقليمية والتنافس بين الدول، فان كل دول المنطقة تسابقت في مد نفوذها داخل العراق، كما أن القوى الدولية عملت على ذلك أيضاً. وهذا الأمر لا ينطبق على العراق وحده، بل على كل دولة تظهر فيها ثغرة، فكيف بالعراق الذي انهار عام ٢٠٠٣ تحت الاحتلال الأميركي؟
بعد السقوط كان العراق الساحة النموذجية للصراع الإقليمي والدولي، والمكان الأنسب لتصفية الحسابات بين إرادات متنافسة ومتعادية منذ عشرات السنين.
وهنا لا يمكن إلقاء اللوم على أي طرف، فهذه هي السياسة، وهذه هي طبيعة الصراع الدولي الذي يحكم النظم الاقليمية والنظام العالمي.
ولا يمكن لأية دولة أن تنتظر من الآخرين مساعدتها من دون مقابل، أو دعمها بدافع الرحمة والشفقة والخدمة الأخلاقية، إنها ستكون دولة غبية في أدنى مستويات الغباء.
ومن سوء حظ الشعب العراقي، أن الطبقة التي دخلت العملية السياسية كانت تتصرف بعقلية محدودة قادت الى هذه النتيجة، أي تحويل العراق الى دولة غبية، تنتظر أن يخدمها المحيط الإقليمي والدولي عن طيب خاطر وبنوايا حسنة.
ومن سوء حظ أطفال العراق، أن جيل الآباء الذي يشكل الرأي العام في البلد، قد تلقى العدوى من الطبقة السياسية بسرعة، فكان ينتظر أن تتصرف الكتل السياسية بالأخلاق النبيلة وتقدم خدماتها قربة وطاعة لله تعالى، ومن أجل الموطن وبدوافع وطنية طافحة بشعور المسؤولية.
لقد كانت هذه الحالة مثالية للولايات المتحدة التي تريد تحقيق مشروعها في الشرق الأوسط الكبير من خلال الفوضى الخلاقة.
وكانت مثالية لإيران لتحصين أمنها من التهديد الأميركي بما تمثله العلاقة التقليدية بين طهران وواشنطن من خصومة طويلة.
وكانت مثالية للسعودية التي سيطرت عليها فكرة واحدة هي إبعاد الشيعة عن مركز القوة وشاركتها بذلك قطر والامارات والأردن وإسرائيل وغيرها. وكانت مثالية للكويت التي تعمل بهدوء على دعم القسم الخرافي من الشيعة وإضعاف القسم المعتدل، الى جانب إبقاء البصرة متأزمة غير مستقرة بنصيحة أميركية تعود الى ما قبل احتلال العراق.
وكانت مثالية أيضاً لسوريا التي لا تريد أن يصل اليها الدور بعد العراق، خصوصاً وأن بوش قد أدخلها ضمن محور الشرّ، فصارت معرضة لغزو أميركي قريب.
لم تفعل أميركا أكثر من وضع المحفزات للصراع على العراق، فرسمت نظامه السياسي على أساس طائفي يقوم على المحاصصة من تحت قبة البرلمان، واتخذت مكاناً محورياً آمناً ترقب وتؤشر وتدعم وتضعف وتسمح وتمنع، بحسب الحالات المستجدة.
الطائفية كانت آلية الولايات المتحدة في صناعة الفوضى الخلاقة، وفي تفتيت منطقة الشرق الأوسط، بدءً من أهم منطقة فيها وأكثرها حساسية، أي العراق.
وبالطائفية كانت عملية الصراع الفعلي قد بدأت بين السعودية ومعها المعسكر العربي وإسرائيل، وبين إيران. حدث ذلك من الأيام الأولى للعملية السياسية، حيث بدأ تنفيذ مؤامرة القرن في المنطقة والتي يبقى محورها العراق.
وللحديث تتمة
أقرأ ايضاً
- هل نحن في مواجهة أزمة غذائية أم تجاوزنا ذلك؟
- نحن أو الفوضى !!
- ديمقراطية أحزاب السلطة.. نحن أو الفوضى !