- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الانتفاضة الشعبانية.... رؤيا أدبية
بقلم:علي حسين الخباز
تتفرع الصيغ والاساليب التدوينية لكل حدث من الاحداث التي لها واقع وجداني في مسيرة اي أمة من الامم باتجاهين محوريين.. اولهما التأثير الآني والذي يظهر كأدب تحريضي.. والواقع الآني هنا لايعني ايام الانتفاضة فقط بل تأخذ مداياته الى حيث سقوط النظام ومؤسساته.. فالفعل التضادي فعل موجود وقائم وفعل الاجهاض لم يكن فعلا ماديا فقط بل كان معنويا وفكريا فلذلك نجد ان ادب الانتفاضة ظهر بصيغة موارية من خلال التواري خلف (قناع) ما.. او التورية خلف عدة مؤولات... و مثل هذه المسارات من المؤكد انها ستؤثر على عملية التوصيل... أي توصيل الفكرة الى الناس فحين يستحوذ على الأدب فكرة المرور من موائد الرقيب الأمني دون تأشيرة حمراء سيفقد ربما العديد من مقومات وجوده ان لم نقل لشرعية التكوين فمثل هذه التوريات قد لاتقدر على ان تمثل امة ومعاناة شعب يرزخ تحت ظل كبوة من كبوات التأريخ لكنها بالتأكيد ستظهر على اساس التعويض النفسي لهذا الكبت والرغبة بامتلاك موقف يعزز له انسانيته ووطنيته... وفي هذه الحقبة بالذات حاولت السلطة شراء الأديب العراقي وشراء ضميره، فمن لم يبع فهنالك اساليب أخرى اكثر فعالية لتهميشه وابعاده عن دوره كأديب.... وكم من أديب تعرض للمسائلة الأمنية والمخابراتية فهي كانت تجيد فهم التأثير الآني للأدب الرافض ولذلك قاتلته بشراسة.. والمهم ان الكثير من الابداعات المؤثرة كتبت بصيغ مباشرة أو باساليب فنية تضمن مسالك التوصيل البسيط وتلغي دور الرقيب تماما، وامتلكت تلك الابداعات شرعية وجودها وتكوينها الرافض الا انها ظهرت لاتحمل اسماء مبدعيها ومن سمات أدب الانتفاضة في تلك المرحلة انه كان لايتقبل ازدواجية الأحساس فألاديب العراقي هو عراقي صافي بكل ما تحمل الكلمة من معنى، لايمتلك أكثر من وطن ولا اكثر من هوية ولايمتلك اكثر من انتماء وهذا ما (يقوّم) نسيج العلاقات بينه وبين قلب الشعب... والمسألة المهمة التي لابد أن تذكر هي ان الكثير من الأدباء نزحوا من الحد الجغرافي للوطن بعد الانتفاضة ولكن اغلبهم بقي داخل المعاناة بسبب الجذور المهددة داخل الوطن.. والاتجاه الثاني الذي تمحور فيه أدب الانتفاضة هو ما بعد سقوط النظام.. الذي حمل سمات الرؤى الفكرية والتأريخية لهذا الحدث.. هذه السمات التي لابد ان تكون انضج واعمق بعد ما سقط الرقيب الأمني بلا رجعة.. فأدب الانتفاضة العراقية الآن عليه مهمة تكوين سمات الأنتفاضة فهي لم تكن سد شاغر وظيفي أو شعوري بل الانتفاضة كانت حاجة تأريخية لابد منها لأثبات الهوية الوطنية والايمانية.. الانتفاضة قضية كبيرة لابد ان نقف امامها طويلا وقد آن الاوان ان نقف بصلابة وايمان امام قضيتنا كي لانهمش ثانية داخل الحدود او من خارجها وخاصة بعدما اصبحت الانتفاضة الشعبانية الاذارية العراقية عام 1991م هي النبراس الذي قاد ويقود جميع انتفاضات الوطن العربي الآن، حيث يرى العالم المتمدن ان الانتماء بعضا من التخلف وما هو الا عادة فكرية تعبيرية مترسخة فينا... ويعتبر القضية مجرد تصور ضيق حصري..... لكونه يرفض ان تختزل الهوية كلها في الانتماء وحين يرى التمدن ان الصلابة والانتماء والقضية هي عرضة للتغيرات حسب معايير سلوكية فهو يتجنى على التأريخ اولا.. الانتفاضة انتهت واصبحت جزءا من تأريخ فلابد لهذا الجزء ان يعبر عن مفهوم هذه الامة، ورؤاها المستقبلية.. حقيقة الانتفاضة من حيث الولادة والنشأة.. على الأديب العراقي ان يدخل التأريخ من خلال توثيق الرؤى بنظرة متأنية و بحذر من تقلبات ما صرنا نخشاه من (الهوية المركبة) فعندما يحاول البعض ان يرسم لنا هويتنا الفكرية والفلسفية بابعاد غريبة عن واقعنا يجب ان يواجه بالرفض ومثل هذه المحاولات الآن تعمل جادة لتدجين الانتفاضة و لابد ان ترد لأنها باطلة وذات هشاشة واضحة تغذيها بعض الدوائر المخابراتية لدول الجوار... هي انتفاضة شعبية ساهم بها، الشعب العراقي بكافة فئاته السياسية والأجتماعية على مختلف عقائدهم الفكرية والسياسية لأن الكبت والحرمان الذي مارسه النظام ضد ابناء العراق أدى الى قيام انتفاضة عراقية مائة بالمائة... وللمواقف قيمتها وسماتها وانسانيتها.. الانتفاضة ليست مؤسسة لتوضع عليها اللافتات بغية الحصول على مكاسب ذاتية بل ان القيم والمبادىء التي قامت من اجلها الانتفاضة ستبقى تنير الدرب للآجيال القادمة وعلى الحكام الطغاة والجلادين ان يعرفوا أنه مهما مارسوا من القسوة لابد للشعب ان ينتفض ويحاسبهم على ما اقترفوه بحق شعوبهم..