- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
عن دولة الاصلاحات الاقتصاديّة العظيمة و صناديقها المُفلِسة
بقلم: د. عماد عبداللطيف سالم
يُقال في معرض تبرير تشريع قانون التأمينات الاجتماعية المقترح، أنّ هذا القانون " سيُنقِذ صندوق التقاعد الحالي من الافلاس"!!!!!!.
نعم.. نعم. كلّ شيءٍ على وشك الافلاس.. ولكن لديّ الملاحظات الآتية :
أوّلاً: كيف يمكن القفزُ من الأسباب الموجبةِ الى النتائج المتوقعّة عند التطبيق ؟ وكيف نعرف مُسبَقاً إنّ هذا القانون سينقذُ صندوق التقاعد من الافلاس ؟
وهل يمكن أن نعرِف(مثلاً) لماذا يوجد لدينا الآن ما يُقارب الستة ملايين عامل في القطاع الخاص، لا يدفع منهم لصندوق الضمان الاجتماعي (حاليّاً) إلاّ ما يقرب من 250 الف عامل فقط (كاشتراكات)، بينما يتباكي "خبراء" دولتنا العظيمة على تقاعد القطاع الخاص، ولا تخشى ان يكون مصير صندوق التأمينات الاجتماعية حالهُ حال صندوق الضمان الذي سبقه، ويفلس الصندوقان معاً في نهاية المطاف ؟
ثانياً: كم قانوناً تمّ تشريعهُ من قبل مجلس النواب الموقّر، ولهُ مساسٌ مُباشرٌ بالشأن الاقتصادي، و هو نافذٌ منذ سنين، ولم يتمكن أحدٌ من وضعه موضع التطبيق بعد، بل ولا تجرؤ "دولتنا" العظيمة على تنفيذه على "منافذ" الواقع، وقد لا تجرؤ على فعل ذلك ابداً ؟؟.
ثالثاً: إنّ الكثير من "الصناديق" قد افلستْ بوجود سوء الادارة، و انعدام الكفاءة في تخصيص الموارد، وكلّها ستفلسُ قريباً، لأنّ من بيدهم أمرنا، وأولي الأمر منّا لا يستطيعون مِلْءَ الصناديق، بل يُجيدونَ تفريغها فقط.
رابعاً: لقد أفلس صندوق التقاعد لأنّ "دولتنا" العظيمة قد أرهقتهُ برواتب تقاعديّة ضخمة، قامتْ بمنحها لأشخاصٍ لم يدفعوا طيلة حياتهم فلساً واحدا (كتوقيفات تقاعدية) لصندوق التقاعد، ولم يكونوا يوما ما عاملين او موظفين في هذه "الدولة".. وأفضلهم تتراوحُ خدمتهم الوظيفيّة الكليّة بين بضعة أشهر، و بضع سنوات فقط.
خامساً: إنّ هذا القانون المُقترَح هو عبارةٌ عن حقٍّ يُرادُ به باطل. الحقُّ هو تقليل الفوارق الكبيرة بين رواتب المتقاعدين.
والباطل هو الاستقطاعُ ممن يستحّق، ومنح "الفوارق" لمن لا يستحّق. الحقُّ هو تقليل الفوارق بين "بعض" رواتب المتقاعدين، ورواتب غيرهم. والباطل هو عدم شمول جميع المتقاعدين بهذه القاعدة واستثناء بعضهم. فما يزال القانون المقترح مليئاً بالاستثناءات، وهذه الاستثناءات لا تُفلسِهُ (سبحان الله) بل تُفلِسهُ فقط "امتيازاتُ" شريحةٍ من المتقاعدين دون امتيازات "شرائح" أخرى.
سادساً: إنّ من قام بإفلاس صندوق التقاعد هم ليسوا أولئك الموظفين أصحاب الخدمة الفعليّة، الذين امضوا أكثر من أربعين عاماً في الخدمة، وبلغوا السن القانونية للتقاعد، ونالوا "امتيازات " تقاعدهم مقابل استمرارهم لأخر يومٍ من خدمتهم بدفع "توقيفاتهم التقاعدية". ولا قام بإفلاسه أولئك الذين خَدَموا، ودفعوا سنين طويلة أيضاً، و مع ذلك قامت "دولتنا" العظيمة بحرمانهم من حقوقهم التقاعدية (بل وحتّى حرمان أراملهم منها بعد موتهم)!!!.
فهل سأل نوّابنا يوماً عن "حقوق" هؤلاء، أم أنّ "افلاس الصناديق" وليس افلاس الأنفُس، هو ما يثير حفيظتهم الى هذا الحدّ ؟؟.
سابِعاً: لماذا لا تقوم دولتنا "العظيمة بفرض الكَمارك أيضاً على رواتب الموظفين والمتقاعدين، بعد أن فرضتْ عليهم المزيد من الرسوم والاستقطاعات والضرائب ؟؟ أهذا هو كلّ ما تستطيع هذه الدولة فعله ؟ كلّما عجزتْ وفشلتْ في شأنٍ من شؤون الاقتصاد، لم تجد في غير رواتب الموظفين والمتقاعدين، ذلك الحلّ السحريّ، و"المعجزة" الاقتصادية، لسياساتها "الاصلاحيّة" - الترقيعيّة - العقيمة.
هذا و دمتم لـ "النضال".. ولـ "أُمتّنا" العراقيّة.. و "دولتنا" العظيمة.. ولصناديقها المُفلِسة، الصبر والسلوان.