بقلم:سالم مشكور
موجة غضب كبيرة تشهدها الساحة العراقية بسبب صفقة ترحيل مئات من ارهابيي داعش من منطقة القلمون اللبنانية على الحدود مع سوريا، الى مدينة البوكمال السورية القريبة من الحدود العراقية. ترافق هذه الحملة اتهامات لحزب الله، صاحب هذه الصفقة، بالخيانة للعراق وتفضيله مصلحته ولبنان والاضرار بالعراق.
في المقابل هناك حملة مضادة من جانب مدافعين عن حزب الله اللبناني وزعيمه انطلاقا من ثقة مبنية على مواقفه السياسية والعقائدية.
إنقسام سياسي اعتادت عليه الساحة العراقية، جديده أن كثيرا من الغاضبين والمتوجسين، هم ممن يشتركون مع أصحاب الصفقة مذهبيا وربما سياسيا أيضا، إضافة الى أطراف متباينة معهم على أكثر من صعيد.
بعيداً عن “المغرضين” و”المتصيدين” الذين يستغلون الظرف لشحن النفوس ضد ما يعرف بخط المقاومة، فان من غير الموضوعي أن نوجه اتهامات لكل من يعارض الصفقة ويتوجس من تبعاتها. هؤلاء يحركهم التاريخ القريب ومعادلاته التي تبدلت فيما بعد، والخوف من عودتها ثانية فيكونون هم الضحية كمايحدث دائما. يدفعهم الحرص على بلدهم وعلى حياة الشبّان الذين يحتاجهم الوطن للبناء بدل أن يضطروا الى الموت في الحروب ضد إرهابيين يجري ادخالهم في كل مرحلة بدعم من حواضن داخلية تكون لا حقا من الضحايا.
في المقابل ليس كل من يدافع عن الصفقة هو عميل، أو غير وطني، أو طائفي. أغلبهم ينطلق من حقائق التعاون على الأرض في العراق وغيره، مع صاحب الصفقة وثقة كبيرة بمواقفه تجعلهم لا يشكون أبدا بانه يمكن أن يضر بمصلحة العراق.
نحتاج الى تفسير هادئ لما جرى من خلال طرح بعض الملاحظات بينها أن الإرهابيين انتقلوا الى أرض سوريّة ليلتحقوا بآلاف الإرهابيين الموجودين في دير الزور والبوكمال وبالتالي فان وجودهم يفترض أن يزيد الخطر على سوريا قبل غيرها، فكيف يكون الجانب السوري طرفاً في صفقة تضرّه إذا لم يكن وراء ذلك حسابات دقيقة. قبل هذه الصفقة كان حزب الله نفذ صفقة أخرى نقل بموجبها مئات من ارهابيي النصرة من منطقة عرسال اللبنانية على الحدود مع سوريا الى مناطق سورية قريبة من الحدود التركية تنتشر فيها جبهة النصرة. قبل ذلك كانت الحكومة السورية عقدت صفقات مع الإرهابيين من اجل إخلاء مدن وقرى سورية ونقلهم بأمان الى مناطق أخرى تخضع لسيطرة ذات التنظيمات. هذا أيضا يعني، في التفسير المباشر، تقوية شوكة تنظيم إرهابي محارب للحكومة. لكن في السياسة كما في الحروب هناك تكتيكات واستراتيجيات وقد يضحي اللاعبون بمعركة أو أكثر من أجل كسب الحرب.
لا تقتصر أطراف صفقة القلمون على الجانبين اللبناني والسوري وارهابيي داعش. لا يمكن القبول بأن الجانب الاميركي كان رافضاً للصفقة. لو كان كذلك لقصف رتل باصات الإرهابيين وهي تقطع مئات الكيلومترات قبل وصولها الى البوكمال. قبل أسابيع كان زعيم حزب الله يقول إن الاميركيين يقومون بتجميع داعش على الحدود العراقية داخل الأراضي السورية واليوم هو يرسل عناصر داعش لينضموا الى من جمعهم الاميركيون. ربما كان تغيّر في القناعات أو دخول على المشروع لمصلحة ما. من الخطأ الانزلاق الى مسلك الاتهام والتخوين، بل المطلوب أن نفهم ان السياسة فن الممكن وأن السياسات تتغير بتغيّر المعطيات والقناعات. وما حدث يعطينا مؤشراً على توافقات بين أطراف الحرب، قد تكون مباشرة أو بالواسطة، أملتها التفاهمات الاميركية الروسية وانعكاسها على سوريا والعراق
والمنطقة ككل.
كل هذه المعطيات تجعلنا نترك هامشاً كبيراً للاعتقاد بان ما يجري ليس بالضرورة ضد مصلحة العراق، وليت العراق الرسمي- الذي أعلمه الجانب اللبناني بالصفقة قبل تنفيذها- تعامل بشفافية وصراحة مع هذا الامر، لكان وفّر على الساحة السياسية هذه الصدمة والجدل بين مندّد ومبرّر.