- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
مناظرة الامام جواد عليه السلام مع يحيى بن اكثم
بقلم: علي فضيله الشمري
روي أنّ المأمون بعدما تزوّج ابنته أُم الفضل أبا جعفر عليه السلام، كان في مجلس وعنده أبو جعفر عليه السلام ويحيى بن أكثم وجماعة كثيرة.
فقال له يحيى بن أكثم: ما تقول يا بن رسول الله في الخبر الذي روي: أنّه نزل جبرئيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: يا محمد! إنّ الله عزّ وجلّ يقرؤك السلام ويقول لك: سل أبا بكر هل هو عنّي راضٍ فإنّي عنه راض. (1)
فقال ابو جعفر عليه السلام: لست بمنكر فضل أبي بكر، ولكن يجب على صاحب هذا الخبر أن يأخذ مثال الخبر الذي قاله رسول الله صلى الله عليه وآله في حجّة الوداع: قد كثرت عليَّ الكذابة وستكثر بعدي فمن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار، فإذا أتاكم الحديث عني فاعرضوه على كتاب الله عزّ وجلّ وسنتي، فما وافق كتاب الله وسنتي فخذوا به، وما خالف كتاب الله وسنتي فلا تأخذوا به (2) وليس يوافق هذا الخبر كتاب الله، قال الله تعالى: (وَلَقَد خَلَقْنَا الاِنسانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بهِ نَفْسُهُ وَنَحنُ أقرَبُ إلَيهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ) (3) فالله عزّ وجلّ خفي عليه رضاء أبي بكر من سخطه حتى سأل عن مكنون سرّه ؟ هذا مستحيل في العقول!
ثمّ قال يحيى بن أكثم: وقد روي: أنّ مثل أبي بكر وعمر في الاَرض كمثل جبرئيل وميكائيل في السماء (4).
فقال عليه السلام: وهذا أيضاً يجب أن ينظر فيه، لاَنّ جبرئيل وميكائيل ملكان لله مقربان لم يعصيا الله قطّ، ولم يفارقا طاعته لحظة واحدة، وهما قد أشركا بالله عزّ وجلّ وإن أسلما بعد الشرك، فكان أكثر أيامهما الشرك بالله فمحال أن يشبّههما بهما.
قال يحيى: وقد روي أيضاً: أنهما سيدا كهول أهل الجنة (5) فما تقول فيه ؟
فقال عليه السلام: وهذا الخبر محال أيضاً، لاَنّ أهل الجنة كلّهم يكونون شباناً ولا يكونُ فيهم كهل، وهذا الخبر وضعه بنو أُمية لمضادة الخبر الذي قاله رسول الله صلى الله عليه وآله في الحسن والحسين عليهما السلام بأنّهما سيدا شباب أهل الجنّة. (6)
فقال يحيى بن أكثم: وروي: أنّ عمر بن الخطاب سراج أهل الجنّة. (7)
فقال عليه السلام: وهذا أيضاً محال، لاَنّ في الجنة ملائكة الله المقربين، وآدم ومحمد صلى الله عليه وآله وجميع الاَنبياء والمرسلين، لا تضيء الجنة بأنوارهم حتى تضيء بنور عمر ؟!
فقال يحيى بن أكثم: وقد روي: أنّ السكينة تنطق على لسان عمر. (8)
فقال عليه السلام: لست بمنكر فضل عمر، ولكن أبا بكر أفضل من عمر، فقال ـ على رأس المنبر ـ: « إنّ لي شيطاناً يعتريني، فإذا ملت فسددوني » (9).
فقال يحيى: قد روي أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قال: « لو لم أبعث لبعث عمر ». (10)
فقال عليه السلام: كتاب الله أصدق من هذا الحديث، يقول الله في كتابه: (وَإذ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّين مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمنْ نُوح) (11) فقد أخذ الله ميثاق النبيّين فكيف يمكن أن يبدل ميثاقه، وكلّ الاَنبياء عليهم السلام لم يشركوا بالله طرفة عين، فكيف يبعث بالنبوّة من أشرك وكان أكثر أيامه مع الشرك بالله، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: بعثت وآدم بين الروح والجسد (12).
فقال يحيى بن أكثم: وقد روي أيضاً أنّ النبي صلى الله عليه وآله قال: ما احتبس عنّي الوحي قط إلاّ ظننته قد نزل على آل الخطاب. (13)
فقال عليه السلام: وهذا محال أيضاً، لاَنّه لا يجوز أن يشكّ النبيّ صلى الله عليه وآله في نبوته، قال الله تعالى: (اللهُ يَصطَفي من الملائكة رُسلاً ومن الناس) (14) فكيف يمكن أن تنتقل النبوة ممّا اصطفاه الله تعالى إلى من أشرك به.
قال يحيى: روي أنّ النبي صلى الله عليه وآله قال: لو نزل العذاب لما نجى منه إلاّ عمر (15).
فقال عليه السلام وهذا محال أيضاً، لاَنّ الله تعالى يقول: (وَمَا كان الله ليُعذبَهُمْ وأَنتَ فيهم وَما كان الله مُعَذبَهُمْ وَهم يستغفرون) (16) فأخبر سبحانه أنّه لا يعذّب أحداً ما دام فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وما داموا يستغفرون الله (