بقلم:نـــــــــزار حيدر
إِنَّما يُضحِّي المرءُ ليحمي مصالح! عامَّةً كانت أَو خاصَّة! سياسيَّةً كانت أَو إِقتصاديَّة أَو ثقافيَّة وفكريَّة أَو عقَديَّة! والفاشِلون فقط همُ الذين يضحُّون ولا يعرفونَ لماذا؟! وعلى ماذا؟! أَمَّا المُغفَّلون فيُضحُّون بالنِّيابة! فاذا ضحَّى شعبٌ من الشُّعوب بِلا علمٍ ولا هدىً ولا كتابٍ منيرٍ فتلك هي العبثيَّة وفوضى التَّضحيات! ولذلك فانَّ العاقل يحسب للتَّضحيةِ حسابها كما يحسب للهدفِ وقيمتهِ حسابهُ!.
وإِذا تتبَّعنا سيرة أَئمَّة أَهل البيت (ع) بعواطفِنا المجرَّدة فسنقع في أَحدِ محذورَين؛
فامَّا أَن نستنتج أَنَّها مجموعة مُتناقِضات لا يشبهُ بعضها بعضاً! وإِلّا ماذا يعني أَنَّ إِماماً يُضحِّي فيستشهد في كربلاء هو وأَهل بيتهِ وأَخلص أَصحابهِ وهو يواجهُ الطَّاغوت! وآخر يقبل بولايةِ العهد [الامام الثَّامن من أَئمَّة أَهل البيت (ع) علي بن موسى الرِّضا (ع) الذي تُصادف اليوم ذِكْرى ولادتهِ الميمونة] وهو يواجه الطَّاغوت! وثالثٌ يتحمَّل مُعاناة السِّجن والاعتقال مُدَّة مديدة وهو يواجهُ الطَّاغوت! ورابع [يُصالح] السُّلطة وهو يواجهُ الطَّاغوت!.
أَو أَنَّنا نُفسِّر كلَّ شيءٍ في سيرتهِم الأُسوة بالبُعدِ الغيبي للتهرُّب من وعي السِّيرةِ وفهمِها واستيعابِها بما ينفعنا كمنهجٍ في حياتِنا!.
طبعاً؛ كِلا الاستنتاجَين خطأٌ في خطأ ولقد حذَّر منهُما الامام أَميرُ المؤمنين (ع) بقولهِ {هَلَكَ فِيَّ رَجُلاَنِ: مُحِبٌّ غَال وَمُبْغِضٌ قَال}.
فالمُحبُّ الغالي هو الذي لا يستوعب السِّيرة بشَكلٍ صحيحٍ فيجنح الى التطرُّف في التَّفسير والذي يقودهُ الى الغيب على كلِّ حالٍ!.
أَمّا الثَّاني فلأَنَّ في قلبهِ مرضٌ ولذلك لا يُحاولُ أَن يقرأَ السيرة بشَكلٍ صحيحٍ فيفهم منها التَّناقض والتَّعارض والتَّضاد وبالتَّالي تكون محصِّلة ما يفهمهُ منها يُساوي صفراً!.
أَمَّا الصَّحيح؛
أَوَّلاً؛ يجب قراءة سيرة أَئمَّة أَهلُ البيت عليهِم السَّلام كوحدةٍ واحدةٍ [تختلف وتتبدَّل الظُّروف أَمّا الهدف فثابتٌ لا يتغيَّر] لا يجوزُ تقطيع أَوصالها وفصل بعضِها عن البعض الآخر! بالضَّبط كما نقرأ سيرة الأَنبياء والرُّسل! فانَّ أَيَّ تقطيعٍ لوحدةِ مسارها وانسجامِها يعرِّضنا للجهل المُركَّب في فهمِها ووعيِها!.
ثانِياً؛ يجب أَن نضع في الحسابِ دائماً الهدف الأَسمى لهم لنميِّزَ الاستراتيجي منها عن التَّكتيكي! ولقد حدَّد أَميرُ المؤمنين (ع) إِستراتيجيَّة المنْهَجِ بقولهِ {اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الَّذِي كَانَ مِنَّا مُنَافَسَةً فِي سُلْطَان، وَلاَ الِْتمَاسَ شِيء مِنْ فُضُولِ الْحُطَامِ، وَلكِنْ لِنَرِدَ الْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ، وَنُظْهِرَ الاِْصْلاَحَ فِي بِلاَدِكَ، فَيَأْمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ، وَتُقَامَ الْمُعَطَّلَةُ مِنْ حُدُودِكَ}.
إِنَّهُ الهدف الرِّسالي الأَسمى من كلِّ ما فعلهُ وتعرَّض لَهُ أَئمَّة أهلُ البيت (ع)! والذي يمكن تلخيصهُ بكلمةٍ واحدةٍ هيَ [الحِماية] حِمايَةُ الدِّين من تحريفِ علَّتهِ الغائيَّة وتحويلهُ الى مَطيَّة تركبها السُّلطات والحُكَّام والسياسيِّين الفاسدينَ والفاشلينَ لتحقيقِ مآربهم الشَّخصيَّة المريضة! وحمايةِ البلادِ والعبادِ والقانون العام!.
وبقراءةٍ متأَنِّيةٍ لسيرتهِم العَطِرة فسنكتشف هذه الأَهداف بشَكلٍ كبيرٍ وواضحٍ! فكلُّ تضحيةٍ أَقدم عليها إِمامٌ إِنَّما كان هدفُها تحقيق [الحِماية] وهذا هو الدَّرسُ العظيم والمنهج القويم الذي يجب أَن نتعلَّمهُ لتحقيقهِ بتضحياتِنا سواءً على الصَّعيد الفردي أَو المُجتمعي!.
وإِنَّ أَيَّ حزبٍ من الأَحزاب [التي كانت إِسلامية] لا يتحقَّق في منهجِها و [تضحياتِها] مبدأ [الحِماية] للبلادِ والعِبادِ والقانون العام! فهو حزبٌ أَو تيارٌ لا معنى لَهُ! ولا يستحقُّ الهتافَ باسمهِ! مهما رفع من شعاراتٍ [دينيَّةٍ أَو مذهبيَّة]!.
حتَّى مساعيها التي تبذلها لحمايةِ نفسِها، فانَّما هي تَكُونُ مشروعة بمقدارِ ما تُحقِّق من مبدأ الحماية! أَمَّا إِذا صبَّت كلَّ جُهدها لحمايةِ نفسِها حصراً، كما تفعل اليوم أَحزاب العِصابة الحاكِمة [القائد الضّرورة والزَّعيم الأَوحد والمُختار الذي لا مثيلَ لَهُ والسيِّد الذي تحلو لَهُ القيادة!] فهذا يؤشِّر الى أَنَّهُ حزبٌ يحمي نَفْسهُ على حسابِ الوطن والمُواطن! أَي أَنَّهُ حزبٌ يسخِّر كلَّ شيءٍ من أَجل حمايةِ ذاتهِ وليس العكس!.
وهذا هو الفرق الجوهري بين أَئمَّة أهلُ البيت (ع) وبين مَن يدَّعي أَنَّهُ يلتزم بنهجهِم! فبينما يُبادرُ الامام الى التَّضحيةِ بنفسهِ لحظة أَن يحسَّ أَنَّها الطَّريق الوحيد لتحقيقِ مبدأ الحِماية! لم يُبادر المُدَّعون الى ذلك أَبداً وإِنَّما العكسِ هو الصَّحيح! فَهُم يُضحُّون بكلِّ شيءٍ لحمايةِ أَنفسهِم وزُعمائهم لحظة الخطر! والذين تظلّ الأمَّعات تهتف لهُم [بالرُّوح بالدَّم] و [نعم نعم] و [علي وْياك علي] وليذهب الوطن والمواطن إِلى الجحيم!.
فما قيمةُ وطنٍ لا ينتحر لحمايةِ القائِد الضَّرورة والتَّاريخي؟! وما قيمةُ مواطنٍ لا يموتُ ليحيا الزَّعيم الأَوحد؟!.
٥ آب ٢٠١٧
لِلتّواصُل؛
E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com