د.طلال فائق الكمالي
لا أبالغ إذا قلت إنني لم أخفِ مشاعري أمام رفرفة العلم العراقي وهو يعلو بيد سواعد رجالاتنا من أبناء العراق العظيم، لقد اُطلقت دموع الفرح من أعماقي من دون استئذان وطارت روحي فرحاً تفترش الشكر للباري سبحانه وتعالى على ما مَنَّ به علينا من نعمة النصر.
كان ذلك وأنا اترقب وأرى تلك المشاهد التي سيدونها التاريخ في مطلع صفحاته رغم انفه فخراً وعزاً واباء للعراق والعراقيين لتكون رمزاً حقيقياً لشعب أراد الحياة فكانت له على الرغم من تكالب الظروف لقهره.
وبينما أنا كذلك وسط زحام تلك المشاهد التي شغلت ناظري، واشبعت مشاعري نشوةً، فرضت في مخيلتي مقايسة طرفيها شباب حاملين راية العراق يجولون بها وسط مدنه معبرين من خلالها عن فرحهم وحبهم وولائهم لنصرة القيم الإنسانية والوطنية من جهة، وبين رجال آخرين غرسوا راية العراق مرفرفةً على ركام المعارك وأنقاض الحرب وجثث الغزاة من جهة أخرى، غرزوها من بين جثامين الشهداء الأباة، وأنين الجرحى، ورائحة الدم، وأزيز الرصاص، ودخان البارود، وحرارة الشظايا، وشدة القتال، ورباطة الجأش، وسط لوعة فراق الأهل والأحبة، والعطش، والجوع، والألم وغير ذلك.
هنا استوقفتني تلك المقايسة بين رفرفة العلم بيد فتية وشباب من احبتنا في مدن العراق وبين رفرفته بيد رجالاتنا الأشاوس في معارك القتال وميادينه، حينها علمت أن لكل منا دوراً، ولكل منا سبيل يعبر به عن حبه وانتمائه وولائه لهويته القيمية والوطنية؛ بل لكل منا مشروع يسعى الى تحقيقه.
كنت مستغرقاً في تلك المقايسة التي تلزم أن يكون دافع فتيتنا وشبابنا وهم يجولون براية العراق وسط مدنهم أن يكون دافعهم مثمثلا بتلك القيم الدينية والإنسانية والوطنية أولاً، فتظاهرتهم هذه تختلف كل الاختلاف عن فوز أحد أندية كرة القدم، أما الأمر الآخر الذي تلزم مراعاته، فهو أن تكون التظاهرة تثمينا حقيقيا لرجال (صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) رجال قالوا كلمة الحق وفعلوا، ورجال قدموا الغالي والنفيس لأعلاء كلمة الحق سبحانه، وكلمة الإنسانية والوطن، ورجال هم الآن تحت الثرى لينعم جيل الشباب بالعيش عزيزاً كريماً أبياً، وتثمينا لجراحات وأوجاع النساء الثكالى، ولأيتام أسرهم اليتم مدى الحياة، تثمينا لكل دعاء في ظهر الغيب، و للأعلام الصادق، ولكل قلم نبيل، ولكل المنابر الحرة، ولكل الحناجر التي صدحت بكلمة الحق وفي مقدمتها كلمة سيد الرجال وسط حرم سيد الشهداء التي دوت دعوته الى اعنان السماء وهزت الأرض من تحت أرجل الغزاة وقلبت الموازين والخطط الدنيئة.
أقرأ ايضاً
- الغدير بين منهج توحيد الكلمة وبين المنهج الصهيوني لتفريق الكلمة
- "والله لا يحب الفساد".. قراءة في كلمة الحاج "حامد الخفاف" بمهرجان الصادقين السادس 2023
- مقترحات محمد علاوي بتبني مبدأ (الكلمة السواء) للخروج من الازمة السياسية الراهنة