بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ
رغم التشكيك الصارخ و"الادلة" النقلية والعقلية التي يقدّمها المشكّكون على عدم وجود حرب نظيفة البتة متحجّجين بأن الحرب هي حرب وليست نزهة ـ وكما تعرّفها الموسوعة الحرة: هي صراع يتضمّن استخداماً منظّماً للأسلحة والقوة البدنية، من قبل الدول او المجموعات الكبرى الاخرى، وتحتلّ الفرق المتحاربة الاراضي، غالبا التي يمكن ان تربحها في الحرب او تخسرها ولكل حرب قيادتها يمكن ان تستسلم او تنهار بانهيار قواتها وتكون نهاية للحرب فينتج عن ذلك ضحايا ـ ولاسيما اذا تعلّق أمر حسمها او تحقيق نتائج سوقية تؤدي الى الحسم الذي يعنى الانتصار وبأي ثمن كان، وعندها تسقط الأولويات كوجود مدنيين عزل لا شأن لهم بالنزاع ومن يفوز به او يخسر، وتندحر الاخلاقيات معها كاحترام حقوق الانسان وبحسب مانصّت عليه المواثيق الدولية والقوانين الوضعية والشرائع الدينية أيا كان مصدرها فضلا عن مراعاة البنى التحية خاصة الاستراتيجية او التراثية منها .
فكل هذه الامور لاقيمة لها إزاء تحقيق نتائج سوقية تفضي الى ترجيح كفة طرف على كفة طرف اخر كما هو معتاد في جميع الحروب فالحرب العالمية الثانية مثلا اودت بحياة مايقرب من 60 مليون انسان مع تخريب شمولي لجميع الشواخص المعمارية والمرافق العامة لأغلب الدول التي تقاتلت فيما بينها آنذاك.
ولكنِ العراقيون وفي حربهم المقدسة ضد الارهاب الذي تمثّل بداعش واخواته، كسروا كل آفاق التوقّع المريب بعدم وجود حرب نظيفة ودحضوا كل دواعي التنظير بوجود هذه الحرب، فالمتابع لمجريات حرب العراق ضد الارهاب منذ انطلاقتها في صيف 2014 ولحد الان، وبعد انِ اكتملت جهوزية القوات الأمنية بتشكيل هيئة الحشد الشعبي وإلحاقها بالقائد العام للقوات المسلحة رسميا، والعراق يخوض المعركة الشرسة لطي الصفحة الأولى (العسكرية) من سيناريو داعش يجد أن التاريخ سيسجل لهذه السنوات الثلاث من عمر الحرب ضد داعش أنها قد حفلت بما لم يستطع ان يسجل ولو "صفحة" واحدة مشرّفة لأي حرب خيضت بين طرفين مهما كانت حتى حروب التحرير الوطنية والثورات وهي كثيرة وشرسة ايضا لكنها لم تكن حروبا معقّدة كالحرب المقدسة التي مازال يخوضها ابطالنا من القوات الامنية والحشد الشعبي وقوات الرد السريع ومكافحة الارهاب والمتطوعين وغيرهم ضد عدو محتل لم يتوان َ عن استخدام اقذر وابشع الاساليب واكثرها جبنا في القتال، وهي اساليب لم تشهدها الحروب السابقة مثل استخدام العدد الهائل من المفخخات والعبوات والالغام، ووضع المدنيين الابرياء والذين لاحول لهم كدروع بشرية لإعاقة تقدّم قواتنا، فضلا عن التدمير الهائل الذي يحصل للبنى التحتية جراء القتال بسبب وجود هؤلاء الارهابيين بين السكان وجرّاء استهدافهم من قبل قواتنا وسلاح الطيران الجوي الذي لم يدّخر جهدا في ضرب تجمعاتهم، علما أن أغلب المعارك التي خاضتها قواتنا الأمنية البطلة كانت في مناطق مكتظة بالسكان، ومع هذا فقد حافظت قواتنا على نظافة معركتها المقدسة ضد الارهاب الداعشي المتوحش تنفيذا للهدف الانساني الاستراتيجي الذي طرحه القائد العام للقوات المسلحة د. حيدر العبادي (سلامة المدنيين اولا) وهو يتطابق مع التوصيات العشرين التي أطلقها آية الله السيستاني (دام ظله) بعد اعلانه فتوى الجهاد الكفائي من على منبر الجمعة من الحضرة الحسينية الشريفة وهي توصيات حفلت بالمبادئ والاخلاقيات الانسانية والاسلامية وخارطة طريق في التعامل مع سكان المناطق المحررة والمدنيين المغلوب على أمرهم بل وحتى مع الاعداء الذين قاتلوهم وهي طرائق واساليب لم تعهدها كل الحروب من قبل، اذ لا توجد قوات عسكرية في العالم تحمل السلاح بيد والطعام للمدنيين في اليد الاخرى مع قيام الحشد الشعبي بتسهيل وتأمين مرور مئات القوافل من المساعدات والمؤن الانسانية للمناطق المحررة رغم المخاطر الامنية، ما ادى الى اعتراف الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي بأن القوات الأمنية العراقية تطبّق معايير حقوق الانسان وتحافظ على المدنيين بكل مهنية وحيادية كون الحرب التي تخوضها قواتنا الامنية حربا نظيفة سعت من خلالها الى انقاذ الانسان قبل تحرير الارض، ورغم أن المعارك كانت صعبة ومن بيت الى بيت، الاّ ان قواتنا حرصت على سلامة الدور السكنية للمواطنين والبنى التحتية والمنشآت الحكومية .
المعروف ان مبدأ الحفاظ على سلامة المدنيين وجعل هذا المبدأ أولوية قصوى تتقدم على جميع الاولويات التكتيكية واللوجستية، ساهم كثيرا في تغيير مسارات الخطط المعدّة للتحرير او تلكؤ بعضها كما حصل في معركة تحرير الموصل ما اثّر على الجدول الزمني المعدّ لحسم المعركة احترازا من وقوع اصابات مؤسفة وغير مبرّرة بين المدنيين العزل وكان بالإمكان اختزال مدة المعارك الى النصف لولا الحرص الانساني على سلامة المدنيين الابرياء، ولكن المهارة والخبرة والاحتراف العالي التي اكتسبتها قواتنا الامنية اضافة الى التزامها بتوصية القيادة بتوخي الحذر في التعامل مع الاهداف الارهابية ناهيك عن المستوى الخلقي والإنساني العالي لمقاتلينا الأشداء، ومع هذا لم تتوانَ بعض وسائل الاعلام الاقليمية المغرضة، والتي تصطف معها منظمة (هيومن رايتش ووتش) وبأسلوب مفبرك رخيص، عن التطرق الى جملة "انتهاكات" و"تجاوزات" تقوم بها القوات الامنية العراقية ومعها "ميليشيا الحشد الشعبي الشيعية " في المناطق السُنية بهدف الانتقام والثأر و"سرقة" ماتقع ايديهم عليه وفي تقاريرَ تنقصها المهنية الاعلامية والبيانات الدقيقة ويشتدّ أوار تلك الفبركات الركيكة والتسقيطية كلما لاحت في الأفق بشارة نصر مؤزر على داعش وحواضنه ومشتقاته، ولكنها لم تلتفت يوما ما الى الصورة الحقيقية للمعركة التي يخوضها ابطال العراق وهي صورة تحتوي على مالايحصى من الحالات الانسانية لتعامل أبطالنا الأشاوس مع سكان المناطق المحرّرة والهاربين من جور داعش والنازحين و،حتى مع عناصر داعش بمايصلح لكل حالة ان تبثّ على شكل تقرير يوضّح الحقيقة النظيفة للقوات الامنية العراقية وهي تخوض حربها الشرسة ضد أقذر عدو عرفه التاريخ، اذ تكشف مواقع التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الاعلام المنصفة والمهنية عن حالات يجب ان تُأخذ كمعطيات يجب ان تعدّ اول حرب نظيفة في التاريخ الحربي الحافل بالفواجع والمآسي والكوارث كنتائج عرضية للحروب ، بل وتدرّس في الأكاديميات العسكرية ومراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية وتوثّق في بيانات الامم المتحدة لتكون شاهدة على شعب مفعم بالإنسانية.
كاتب عراقي