عامر حسن شنته
يعتبر حق التقاضي من الحقوق الأساسية التي نصت عليها دساتير الدول المختلفة، ومنها الدستور العراقي الذي عده من الحقوق المصونة والمكفولة للجميعأ وذلك لما يمثله هذا الحق من ضمانة أصيلة للأفراد تمكنهم من استحصال حقوقهم من خلال المنظومة القضائية،والأحكام الصادرة عنها، في رفع المنازعات وقطع الخصومات.
وتحرص العديد من الدول على أن يكون ذلك الحق متاحاً بأيسر السبل واقلها تكلفة، غير أن نجاح الدول في ترسيخ هذا الحق، يعتمد على مدى نجاحها في توفير البنى التحتية اللازمة لتطبيقه، وأعني بذلك قدرتها على تحقيق فكرة (الشمول القضائي)، من خلال إنشاء العدد الكافي من المحاكم التي تنتشر أفقيا في أرجاء الدولة،ومحاولة الوصول لأبعد نقطة فيها. ومايستلزمه ذلك من ضرورة توفير العدد الكافي من القضاة والموظفين القادرين على النهوض بمهمة إنفاذ القانون.فضلاً عن ذلك لايمكن لحق التقاضي أن يكون حاضراً في ظل غياب ثقافة الاحتكام إلى القانون في بعض المجتمعات،إذ يرتبط هذا المبدأ بعلاقة عكسية مع القيم السائدة في المجتمع،فكلما كانت القيم القبلية والثقافة العصبية سائدة في مجتمع ما، ضاقت دائرة حق التقاضي وتراجعت. وكلما تضاءلت قدرة الدولة في ضبط الأمن وتطبيق القانون، فضل الأفراد اللجوء إلى تكوينات مجتمعية أخرى غير الدولة (العشيرة،الحزب،المجاميع المسلحة) للحصول على ما يعتقدون بأنه حق لهم،وذلك مايؤدي في النهاية إلى سيادة شريعة الغاب ومنطق القوة.
وإذا ماسلمنا بأن الدولة استطاعت أن توفر كل مستلزمات تطبيق حق التقاضي المنوه عن بعضها آنفاً. فأن ذلك الحق لن يكون مطلقاً ومنفلتاً عن كل قيد. بل أن القانون رسم له طريقاً محدداً بغية منع الأفراد من التعسف في استعماله، إذ أوجب صيانة القضاء من العبث والإساءة،وألزم المتخاصمين بمبدأ حسن النية في تقديم الأدلة،كما هو منصوص عليه في قانون الإثبات.وإذا خالف المتقاضين تلك المبادئ جعلوا أنفسهم عرضة للعقاب. وقد اورد النص في قانون العقوبات على مجموعة من الجرائم التي يمكن أن يرتكبها الأفراد عند ممارستهم لحق التقاضي.فعاقب على الإخبار الكاذب،وتضليل القضاء وشهادة الزور وعلى اليمين الكاذبة. ويمكن للطرف الذي تضرر من عدم التزام خصمه بمبدأ حسن النية في تقديم الأدلة، أو الذي طالته الدعاوى الكيدية أن يطالب بالتعويض أمام محاكم البداءة..ولايمكن الاحتجاج على ذلك بالقول إن الطرف الآخر استعمل الجواز الشرعي عندما لجأ إلى المحاكم،وان الجواز الشرعي ينافي الضمان، حيث ورد النص في القانون المدني على ان من استعمل حقه استعمالا غير جائز وجب عليه الضمان.وفقا للتفاصيل المذكورة في محلها.ويلاحظ المتتبع لشؤون المحاكم والتقاضي في العراق،ان تلك المحاكم تعج بمئات الدعاوى الكيدية في شقيها المدني والجزائي والتي لايهدف من يقيمها سوى لجعل الطرف الآخر رهينة بين يديه،يبتزه كيف يشاء.ويمكن إيراد أمثلة عديدة لإساءة استعمال حق التقاضي، منها إقامة دعوى بدين سبق أن أنقضى أو تم الصلح بشأنه، أو إقامة شكوى أمام محكمة التحقيق عن واقعة غير صحيحة.كل ذلك بهدف إرهاق الخصم نفسياً، وجعله رهن أروقة المحاكم،ينفق وقته وماله. في سبيل الخلاص من حق موهوم يدعيه خصمه،وفي سبيل الحفاظ على سمعته من الإساءة والتشهير.ومن اجل قطع الطريق أمام من يتاجر بمصائر الناس ويسيء استعمال حق التقاضي،ينبغي للمحاكم أن تتشدد في فرض العقوبات على أصحاب الدعاوى الكيدية وإلزامهم بالتعويض.على أن يتم الاستدلال على إساءة استعمال حق التقاضي بشكل سائغ.منعاً من إفراغ هذا الحق من محتواه وإحجام الأفراد عن اللجوء إلى المحاكم.
أقرأ ايضاً
- التأهيل اللاحق لمدمني المخدرات
- دور الذكاء الاصطناعي في إجراءات التحقيق الجزائي
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!