حجم النص
بقلم: حسن كاظم الفتال شهر رمضان: مدرسة الثلاثين يوما، محطة الرياضة الروحية والنفسية والجسدية والأخلاقية. هذه المدرسة التي ما أن يتهيأ الصائم بالتطوع للإلتحاق بها حتى يبدأ تمرينا طوعياً لتهذيب النفس وتزكيتها وتزكية الجسد وتهذيبه أيضا. لقد احتوت منهجية مدرسة هذا الشهر دروسا عميقة في مضامينها، لو تلقاها المسلم بما ينبغي أن يفهمها ويستلهم من مضامينها وبما يتلائم مع تلك البلاغة والعظمة، عند ذلك سيتخرج من هذه المدرسة متفوقا يحرز شارة التنزه والتزكية والتنقية من كل رجس ودنس مما تخلفه الموبقات والمعاصي، فيتجه بأمان واطمئنان لسلوك صراط مستقيم مؤداه إلى الجنة حيث ربٍّ غفور رحيم. لقد وضع القرآن الكريم شروط الإنتماء لهذه المدرسة الإنسانية العظيمة وحدد ضوابط التقييم وثبت النتائج التي لابد من إحرازها وذلك للإلتزام بتطبيق الشروط والضوابط والتفوق في استلهام الدروس الإنسانية. فمن أجل أن تسقط الذرائع والأعذار الواهية التي اختلقها البعض لتكون حواجز تُحجبُه عن أداء الواجبات، فإن البعض يحاول بشتى الوسائل أن يبتكر حججا وهي واهية بالحقيقة.ويحاول أن يستخدمها استخداما بارعا في تنحية بعض الناس عن الصواب وعن الطريق القويم والمستقيم. ولكن كي لا يفلح مثل هؤلاء وقف رسول الله صلى الله عليه وآله في آخر جمعة من شعبان ليبين شروط الإنتماء ويحدد عناصر التقييم وضوابط إحراز النتائج الإيجابية وبشَّر بالنجاح المؤكد عند الإلتزام بالشروط. بخطبته المعروفة القاها في آخر جمعة من شهر شعبان المعظم. وختمها قائلا صلى الله عليه وآله: أيّها الناسُ: إنّ أبوابَ الجنانِ في هذا الشهر مفتحةٌ، فاسألوا ربَّكم أن لا يغلِقَها عنكم، وأبوابَ النيرانِ مغلقةٌ فاسألوا ربَّكم أن لا يفتَحها عليكم، والشياطينَ مغلولةٌ فاسألوا ربَّكم أن لا يسلِّطَها عليكم. فقال أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه : فقمتُ فقلتُ: يا رسولَ اللهِ ما أفضلَ الأعمالِ في هذا الشهرِ؟ فقال: يا أبا الحسن أفضلُ الأعمال في هذا الشهرِ الورعُ عن محارِمِ اللهِ. الورع وقاية ـــــــــــــــــــ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه منبع الورع والتقوى وسبيل الهداية يسأل النبي الكريم صلى الله عليه وآله عن أفضل الأعمال فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله الورع عن محارم الله. إجابة رسول الله صلى الله عليه وآله هذه تستحق الوقوف عندها والتأمل كثيرا. فنتساءل: لماذا الورع ….؟. ربما لو أتيح لنا أن نحصل على إجابة وافية لأحتجنا إلى تفصيل طويل ووقت كثير. ولكن يمكن أن نختصر كل ذلك ونقول: إنه دليل من أدلة التقييم وشارة تؤهل للدخول لمدرسة الصوم الثلاثينية، ومثلما هو الشرط الأول للقبول فهو أيضا سبيل للوصول إلى عالم الملكوت الروحي العلوي، يرقأ به المتورع ليكون في كنف رحمة الله عز وجل وضيافته، وكذلك هو الدرس الأول وبه يتم اجتياز الإختبار في هذه الدنيا. هذا الورع الذي هو عنصر من عناصر تطهير النفس: إذ هو الحمية التي يتقي بها المرء شر كل داء تسببه الغفلة والجهل والإنشغال بحب الشهوات ثم الإبتعاد عن الله عز وجل. فلكل داء علاج بدواء وحمية ووقاية. فعند ذهاب أحدنا إلى الطبيب حين يمرض يحدد له الطبيب المعالج طريقين عليه أن يسلك أفضلهما، استخدام العلاج التقليدي المكون من المواد الكيمياوية بشكل مباشر، والطريق الثاني وهو الأفضل والأهم والأكثر إيجابية وذو جدوى بتطبيقه العملي وهو الحمية والوقاية التامة بالإمتناع عن تناول الأطعمة الضارة. وكنا نسمع بالسابق المثل المشهور: مثقال وقاية خير من درهم علاج والوقاية أيضا تقينا عناء وتكاليف العلاج نتوقى لكي لا نحتاج إلى علاج.. والوقاية هي الحمية والحمية في موضوعنا هذا يمكن أن تستبنط من تشريع (صوموا تصحوا). ولا يفوتنا عند تطبيق هذا التشريع أنه ليس الصوم هو الإمساك عن الطعام والشراب فقط، وليست الصحة للجسد حسب، بل للروح وللخلق وكل الصفات والسجايا والخصال. لذا أكده رسول الله صلى الله عليه وآله إذ ألحق ذلك التشريع بمنهج آخر حين قال صلى الله عليه وآله: (من صام صامت جوارحه). إذن الوقاية هنا تعني التورع وطالما يكون المرء متحليا بالورع والتورع والعفة والسداد وذلك ما يوصي به أمير المؤمنين صلوات الله عليه حين يقول أعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد