قد يكون عام 2008 محطة فاصلة في تاريخ قضية الحجاب في تركيا. فالإشارات التي صدرت مؤخرا عن بعض القيادات السياسية خارج حزب العدالة والتنمية مؤشر مهم جدا على إمكانية ايجاد حل جذري لقضية منع المحجبات من متابعة تعليمهن الجامعي.
فبعد ست سنوات في السلطة, اصبحت الحکومة الترکية بفضل تحالفها مع احد احزاب المعارضة, قادرة على الوفاء بوعدها الانتخابي بالسماح بارتداء الحجاب في الجامعات.
ففي ختام مناقشات طويلة, توصل حزب العدالة والتنمية بزعامة رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان وحزب الحرکة القومية اللذان يملکان الاغلبية البرلمانية المطلوبة, الى اتفاق على تقديم تعديل دستوري يسمح بوضع الحجاب في الجامعات.
وقبل وصوله الى الحکم عام 2002 کان اردوغان وعد الطالبات المحجبات بـ\" الغاء هذا الظالم \", وهو الان مستعد لتغيير الدستور للسماح بالحجاب في الجامعات رغم الاعتراض الشديد للاوساط العلمانية.
واستنادا الى هذا الاتفاق, سيتم تغيير مادتين في القانون الاساسي, الاسبوع المقبل على الارجح, حتى تتمکن الطالبات المحجبات من اکمال تعليمهن العالي دون الاضطرار الى وضع باروکة شعر مستعار.
ويؤکد اردوغان, وهو اسلامي سابق تضع زوجته وبناته الحجاب, انه لا ينظر الى هذه القضية سوى في اطار احترام الحقوق الاساسية.
وقد تم حظر ارتداء الحجاب في الجامعات لأول مرة عقب الانقلاب العسکري عام 1980 ، الا انه لم يتم تطبيق الحظر بصرامة الا في أواخر التسعينيات من القرن الماضي.
وبدلا من خلع الحجاب, رفضت العديدات من النساء المسلمات التقيات الذهاب الى الجامعات، وقام بعضهن ومن بينهن بنات أردوغان بالدراسة في الخارج لتجنب الحظر المفروض على ارتداء الحجاب في ترکيا.
ويسعى الاقتراح الذي قدم الى البرلمان الى تغيير فقرتين من الدستور وتعديل أجزاء من قانون التعليم العالي.
فقبل أيام خرج حزب الحركة القومية بزعامة دولت باهتشلي بتصريح يؤيد فيه إلغاء حظر الحجاب. ورحب حزب العدالة والتنمية بموقف الحركة القومية، وبدا ان بابا واسعا للحل قد انفتح. فحزب الحركة القومية له سبعون مقعدا في البرلمان، بينما يملك حزب العدالة 340 مقعدا، وغالبية الثلثين المطلوبة لتعديل الدستور هي 367 أي انه بأصوات نواب الحركة القومية يمكن بلوغ العدد المطلوب لتعديل دستوري.
الالتباس الذي حصل هو ان حزب الحركة القومية اقترح تعديل المادة العاشرة من الدستور بإضافة فقرة تمنح المساواة في الحصول على الخدمات العامة في الإدارات والمؤسسات العامة، لكن حزب العدالة والتنمية اعتبر ان هذه الفقرة غير كافية لحل المشكلة، لأن قرارات المحكمة الدستورية في حظر الحجاب تربط حظر الحجاب بمبدأ العلمانية وليس بمبدأ المساواة.
وعلى هذا اقترح حزب العدالة والتنمية تعديلا دستوريا يعبر بوضوح عن قضية الحجاب. لذا اقترح تعديلات تطال المادتين 13 و42 اللتين تشيران الى انه لا يمكن حرمان أي إنسان من حق الحصول على تعليمه العالي بسبب الزي. وإلى انه لا يمكن الحد من الحريات والحقوق بموجب قانون.
مقترحات العدالة والتنمية تهدف إلى سد اي ثغرة قانونية يمكن ان تنفذ منها القوى المتشددة، ولا سيما المحكمة الدستورية. ويقول رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان ان المشكلة في قضية الحجاب هي وجود ثغرات قانونية ولا بد من سدها.
التباين بين الحركة القومية والعدالة والتنمية لم يقفل باب الأمل في حل هذه القضية. فأردوغان يريد حل هذه القضية اليوم قبل الغد، وعبر تعديل دستوري أو قانوني، واعرب عن إيمانه بانهم سيجدون حلا لهذه القضية، وعلى هذا الأساس بدأت اجتماعات مشتركة بين الحزبين بهدف الوصول إلى مقترح مشترك.
التفاؤل ربما يكون في محله، فللمرة الأولى يعلن حزب الحركة القومية تأييده لمبدأ تعديل الدستور للسماح للفتيات المحجبات الدخول الى الجامعات، وهذا يذكر بموقف الحزب بعد الانتخابات النيابية في 22 يوليو/ تموز الماضي الذي قال انه سيحضر جلسات انتخاب رئيس الجمهورية. وبذلك وبفضل نواب حزب الحركة القومية توفّر نصاب الثلثين وتمكن حزب العدالة والتنمية من انتخاب مرشحه عبدالله غول رئيسا للجمهورية.
اليوم يتكرر السيناريو نفسه مع قضية الحجاب إذ يعلن حزب الحركة القومية تأييده لتعديل دستوري لحل قضية الحجاب ويفتح بذلك بابا واسعا لحل المشكلة.
لم يكن حزب الحركة القومية الوحيد الذي ينضم إلى جبهة مؤيدي حرية ارتداء الحجاب، حزب المجتمع الديمقراطي الكردي الذي له عشرون نائبا أيد أيضا إلغاء الحظر من منطلق انها قضية حرية.
مع اجتماع ثلاثة احزاب رئيسية تجمع حوالي 430 نائبا من أصل 550 نائبا يكون شبه الاجماع الذي كان أردوغان يسعى اليه قد تحقق وتبقى العبرة بالتنفيذ.
مع ذلك لا يبدو ان عام 2008 سيمر من دون حل قضية الحجاب. فإذا لم تنجح الجهود المشتركة الحالية فستكون المواجهة في مشروع الدستور الجديد الذي سيقدم الى استفتاء شعبي خلال العام الحالي، وعندها لن تكون هناك كلمة لأحزاب، بل ستكون الكلمة الفصل للشعب. وكما هب الشعب في 22 يوليو/ موز الماضي دفاعا عن الديمقراطية، فسيهب أكثر دفاعا عن الحريات، ومنها قضية الحجاب.
أقرأ ايضاً
- هل "أهدى" السوداني دهوك لتركيا مقابل أمن طريق التنمية؟
- توغل تركيا في العراق.. اتفاق أم احتلال؟
- تركيا "تحتل" أراضي عراقية.. والحكومة "غير مبالية"