- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
وليّ وليّ العهد السَعودي وإيران ومنطق معاوية المُنّحرف
حجم النص
بقلم د. أبو جعفر الحسيني كُلّنا يَتَذكَّر تلك الحادثة المريرة بل والجريمة الكبيرة التي ارتكبها جيش معاوية في صفين، وهي جريمة قتل الصحابي الجليل عمار بن ياسر الذي شهد له القرآن بأنَّ قَلْبَهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وقد شهد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وأله وسلم) بأنَّ مَنْ يقتله هو الفرقة الباغية، والنتيجة المنطقية هي أنَّ معاوية وجيشه اللذينِ قتلا عمارا (رضوان الله عليه) هما الفرقة الباغية على الأمام عليّ (عليه السلام)، إلّا أنَّ معاوية ادعى أنَّ قاتل معاوية هو الذي جاء به في جيشه ورماه أمام جيش معاوية فقُتل، وهو ادعاء غريب بلا شك لأنَّه يجافي المنطق ولا معقولية له، بل هو منطق مُنّحرف، ولكن الأغرب والأشد بُعداً عَنْ المنطقية تصديق بعض الناس لادعاء معاوية هذا. ومع غضّ النظر عمّنْ صدّق معاوية في ادعائه ذي المنطق المُنّحرف هذا ومَنْ لم يصدّقه كنّا نحن أبناء القرن الإنساني الأخير الذي أمتاز بالتطور العلمي والعقلي منقطع النظير وفي المجالات كافّة، كنّا نَظنُّ أنَّ ذلك المنطق المُنّحرف خاصّ بمعاوية ومعاصريه مِنْ السُذّج والجهلة والأميين الذين صلّى بهم صلاة الجمعة يوم الاثنين، ولنْ ينطلي على أحَّد في القرن الواحد والعشرين، كما أنَّه لنْ يستخدمه سياسي مثقّف لأنَّه لا سياسي يرضى بأنْ يوصم بالجهل وعدم المعرفة وضحالة الثقافة التي سيتّشح بها بالضرورة فيما إذا استخدم منطق مُنّحرف كهذا، ولكن الصدمة الكبرى استخدامه مِنْ أحَّد كبار المؤثّرين في العالم بشكل عام والعالم العربي بشكل خاصّ جزيرة العرب على الأخصّ وهو الأمير الحالي والملك المستقبلي للممّلكة العربية السَعوديّة "الأمير" محمد بن سلمان، وقد يستغرب القارئ ويثقل عليه تصديقُ أنَّ شخصا كهذا يمكن أنْ يستخدم منطقا مُنّحرفا كهذا أيضا، ولنتبيّن الحال اليك القصة كاملة: ظهر علينا "الأمير" المنوه إليه أعلاه على إحدى قنوات بلاده (بالوكالة) اليوم الموافق (3/5/2017) ليقول بأنَّه لا مجال أبدا للتفاهم مع إيران، ونحن نقول بأنَّه لا مانع مِنْ عدم رغبة دولة بالتفاهم مع دولة أخرى فهذا شأنها في السياسة الخارجية، وقد استشعر "الأميرُ" أنَّ عليه بيان سبب عدم قدرته على التفاهم مع إيران ليُقنع شعبه على الأقلّ لما لإيران مِنْ أهمية وتأثير في المنطقة وعدم التفاهم معها يمكن أنْ يؤدّي إلى نتائج سلبية للغاية عليهم، ولذا أبدى السبب فقال لأنَّ إيران قائمة على ايدلوجية مُتَطرِّفة منصوص عليها في الدستور الذي تبنّى المذهب الجعفري، وأضاف بسؤال استنكاري كيف نتفاهم مع مَنْ يؤمن بالمهدي المنتظر والذي يجب أنْ تُهيئ له ظروف الحضور! فجعل مِنْ المذهب الجعفري وهو مذهب مئات الملايين مِنْ المسلمين وقسم كبير مِنْ أبناء شعبه في المنطقة الشرقية صاحبة النفط والثروة، جعله مذهبا متطرّفا أولا، ولأنَّ إيران تتبنّاه فهي دولة متطرّفة ثانيا. واني لأعلم عزيزي القارئ أنَّك ستستغرب بشدّة هذا المنطق المُنّحرف لأنَّه مِنْ البديهي والذي يُعرّفه كلُ الناس بمختلف مشاربهم وثقافاتهم أنَّ إيران والشيعة والمنتسبين للمذهب الشيعي لم ينشروا الإرهاب في العالم أجمع ولم يقتلوا الأبرياء والآمنين في كل مكان ولا يخرجون على الناس في فرنسا وألمانيا وامريكا وغيرها مِنْ بلدان الغرب بسياراتهم يدهسون بها الأبرياء مِنْ السائرين في الطرقات ولا يشهرون سكاكين المطابخ ليطعنوا بها العزّل في القطارات ومحطاتها والأماكن العامّة وغيرها مِنْ الوسائل الإرهابية، بل قاموا بذلك الوهّابيون الذين تَنّتمي إليهم جناب "الأمير"، ولم يقم الإيرانيون والشيعة والجعفريون بذبح المسلمين في بلدانهم المختلفة وتفجيرهم والخروج عليهم مِنْ كلِ حدب وصوب يفجّرونهم بأحزمتهم الناسفة لا لسبب إلّا لمخالفتهم لهم في المذهب بل يقتلون أهل مذهبهم أيضا لاختلافهم معهم في الرأي، بل قاموا بذلك الوهّابيون الذين تَنّتمي إليهم جناب "الأمير". يطلع علينا سموه بطرح يصوّر إيران كدولة مُتَطرِّفة وكأنَّها هي التي تتبنّى المذهب الإرهابي الوحيد اليوم على الأرض وهو المذهب الوَهّابي الذي فرّخ جميع الحركات الإرهابية السُنّية ابتداء مِنْ القاعدة وانتهاءً بالنصرة وداعش، فَيا أَيُّها "الأمير" هل أنَّ داعش شيعية أم أنَّها مِنْ انتاجك وإنتاج بلادك؟! هل هي جعفرية أم وَهّابيّة تنتمي إليها بمذهبك الذي تُدين الله به وتُدين به بلادُك؟ وهل أنتَ وبلادك مَنْ يحاربها أم أنَّ إيران هي التي تضحّي بخيرة أبنائها مِنْ الشيعة الجعفرية وتبذل أموالها مِنْ أجل محاربتهم وإبعاد شبح إرهابهم عَنْ شعوب الأرض كافّة سواء أكانوا شيعة جعفرية أم لم يكونوا، بل سواء أكانوا مسلمين أم لم يكونوا؟ وهل أنَّ إيران هي التي تَتّخذُ مِنْ السيف (علامة الإرهاب الوَهّابيّة) اليوم شعارا لها أم أنَّها تتّخذُ مِنْ لفظ الجلالة المُقدّس شعارا لها في عَلَمِها والله جَلَّ وعلا هو السلام وهو الذي دعا عباده إلى الوسطية، أم أنَّ الذي يتّخذه أنتَ أَيُّها "الأمير" وبلادك، فهذا دستوركم ينصّ على أنَّ "شعار الدولة سيفان متقاطعان" ويبدو أنَّ المراد هو تقاطعهما في رقاب الناس سوى أهلك الوَهّابيّة الإرهابيين، يا أَيُّها "الأمير" يقول المثل للعقلاء إنَّ كان بيتك مِنْ زجاج فلا ترمي الأخرين بالحجر، وبيتك مِنْ زجاج وهو ضئيل السُمّك جدا وضعيف القوّة جدا فما بالك ترمي الناس بالحجارة؟! ثُمَّ إنَّنا ربَّما لا نستغرب جدا صدور هذا المنطق المُنّحرف عَنْ مثل سمو "الأمير" فآبائه وأجداده مِنْ الملوك بدواً صحراويين بسيطي الثقافة بالكاد يعرفون القراءة والكتابة (بالكاد يفكّون الخط كما يُعبّر الاخوة المصريون) ولذا تمرّ الممّلكة "الغراء" بالحرج الشديد ولأيام طوال وتسمع الفكاهة والتَندُر على شبكات التواصل، عنّدَما يتحدّث الملك (وهذا يشمل ملوك السَعوديّة جميعا) والأسواء عنّدَما يُلقي خطبة أمام قادة المجتمع الدولي، فَأنتَ يا عزيز ابن هؤلاء ولنْ تتعدّى ثقافتك ثقافتهم مهما حاولتَ أنْ تعكس صورة غير هذه الصورة الحقيقية وتتبجح ببعض الكلمات الإنگليزية التي تلفظها بطريقتك البدوية بين الفينة والأخرى، أقول لا غرابة شديدة في استخدام "جنابك" لهذا المنطق المُنّحرف أو قُلْ لمنطق معاوية المُنّحرف، إلّا أنَّ الغرابة الشديدة تظهر عنّدَما يُصدّقكَ بعضهم، وإنْ كان مَنْ يُصدّقكَ لا يَعّدو عَنْ أنْ يكون بدويا صحراويّا لا يُحسن سوى السعي وراء ناقته أو وَهّابي إرهابي يَنّتمي إلى ما تَنّتمي إليه مِنْ مذهب وعقيدة ترمي وصفها على الأخرين على حدّ المثل رمتني بدائها وانسلّتْ.
أقرأ ايضاً
- فلم هندي بين اسرائيل وإيران!
- المرجِعُ الأَعلى يُحمِّلُ المُجتمع الدَّولي مسؤُوليَّة نسف التَّعايُش:حرقُ القُرآنِ الكريم ليسَ من [حُريَّة التَّعبير]
- العائلة والدولة والمسؤوليّات الميّتة في التربية والتعليم