حجم النص
حسن الهاشمي ليعلم الانسان ان الله تعالى عندما يطلب منه الشكر انما يرجع نفعه اليه خاصة لا الى الله تعالى، لأنه غني عن العالمين وليس بحاجة الى شكر شاكر الا بمقدار حاجة الانسان الضعيف الى هذه الخصلة التي تقربه الى خالقه زلفة؛ ليزيده نعما جمة في الدنيا ويغدق عليه بأفضل منها في الآخرة دون أن يزيد الشكر أو ينقص العطاء في ملك الله تعالى شيئا، فيا عظمة الله ويا كرم الله ويا رحمة الله! من هذا العطاء المتدفق سخاء وجودا وكرما، فالنعم من الله، وتوفيق الشكر من الله، وعافية اللسان والعقل والقلب التي تؤدي شكر النعم من الله، وساحة قدسه تعالى غنى مطلق ليس بحاجة الى فقر مدقع، وبالرغم من ذلك فانه يزيد ويكرم ويبارك الشاكر المقر بنعمه وفضله وعطائه، هل طرق مسمعك ايها القارئ اللبيب كرما وسخاء وعظمة مثل هذا، انها العظمة الإلهية بأبهى صورها التي تطأطأ كل العطايا اصغارا واذلالا لها ولهيبتها ومقامها التي ينحدر عنها السيل ولا يرقى اليها الطير. اضافة الى انك تلهج بالنعم الإلهية العظيمة التي ترفل بها في حياتك اليومية، فإنك ينبغي ان تذعن بان تلك النعم كلها من الله تعالى، وأنه هو المنعم وهو مسبب النعم والأرزاق، فالتوقف على هذه الحقيقة لا يقتصر على القلب، بل يلزم تخطيه الى الجوارح والجوانح تسخرها وتذللها وتخضعها لهذا المنعم المتفضل الذي وهب كل تلك النعم لمخلوقاته وقسم أرزاقها، فالشكر اللساني والقلبي والجوارحي هو عرفان النعمة واظهارها والتحدث عنها، وبهذا الشكر يزداد الإنسان قربا الى معطي النعم، والذي يكون قلبه مفعما بالإيمان يتخذ من تلك النعم وسيلة للوصول الى القرب الإلهي، وعلى هذا ينبغي ان يطهر نفسه من الذنوب، حتى يلتقي الطهر بجوهر الطهر للمسانخة، ولذا فإن أعلى مراتب الشكر هو الاعراض عن المعاصي كما قال الامام الصادق عليه السلام: (شكر النعم اجتناب المحارم). (الكافي ج2 ص95 ح10). الأمور المعنوية هي الأدوم والأبقى والأقوى أثرا، وكيف لا وان الانسان بالأمور المادية يقوى لكي ينمّي الأمور المعنوية، لذلك نقرأ في دعاء كميل: (قو على خدمتك جوارحي) وتقوية الجوارح هي في الحقيقة للمساعدة في تأدية الطاعات واجتناب المحرمات، لأنه لا فائدة ترجى من شكر وطاعة مقرونة بالذنوب والمعاصي، فإن الأخيرة تلتهم فوائد الشكر كالتهام النار الهشيم، وهل الفجر بعد الهجر؟! وكما قال الشاعر: اذا كنت في نعمة فارعها*** فإن المعاصي تزيل النعم وداوم عليها بشكر الإله*** فإن الإله سريع النقم وعليه أين شكر النعم على ما يحصل الانسان عليه من سيارة فارهة وقصر فخم وأموال طائلة، وان كانت هذه الأمور مستوجبة للشكر، أين هذا الشكر من شكر المنعم على ما أنعم علينا من موجبات الهداية المتمركزة في الولاية والتي تتجلى بأبهى صورها بوجود الإمام المعصوم حيا كان أم ميتا والاستفادة المثلى من عطاءه الثر وبركاته العظمى وشآبيب رحمته التي تحوطنا من كل بلاء وآفة وفساد، أين الثرى من الثريا واين الحصا من نجوم السما.