حجم النص
بقلم:طلال فائق الكمالي في منتصف القرن الماضي نضجت فكرة نظرية الصدمة التي عرض مفهومها (دونلد كامرون) والمتضمنة إمكانية صناعة إنسان جديد بتفكير وعواطف وأحاسيس جديدة عبر انسلاخ الشخصية القديمة وإلغائها، فقد ذهب كامرون إلى أنَّ الأفكار والمشاعر والأخلاق تأتي من مصدرين هما: ذكريات الماضي وإدراك الحاضر، ولكي يتم أعداد شخصية جديدة لأي إنسان يتوجب إلغاء شخصيته القديمة؛ لذا نجده عرَّض ـ عن طريق تجاربه ـ بعض الأشخاص لجلسات كهربائية وارغمهم على تعاطي عقاقير الهلوسة لكي يمحو خزين ذاكرتهم، ومن ثم سعى لتعطيل إحساسهم بمحيطهم وإدراكهم إليه، فكان يحجرهم في غرف مظلمة يسودها الصمت بغية تعطيل ذكريات الماضي ومدركات الحاضر، حينئذ سيكون هذا الإنسان الجديد طوع توجيهات العامل عليه يأتمر بأمره وينتهي بنهيه، من أجل ذلك نجد أنَّ الاستخبارات الأمريكية استفادت من فكرة هذه النظرية وطبقتها إجرائياً على معتقليها في غوانتنامو وأبو غريب للغرض نفسه. ولأن مفهوم نظرية الصدمة وفكرتها اغتيال لماضي الأشخاص وشل لحاضرهم وخنق مستقبلهم سعى (ميلتون فريدمن) إلى تطوير تلك النظرية من تطبيقها على الأشخاص إلى تطبيقها على الشعوب من أجل الهيمنة عليهم والسيطرة على مصادر قوتهم لتكون تلك الشعوب أسيرة لأميركا؛ بل جعلها أحد أدوات إمبراطورتيها السياسية وماكنتها الاقتصادية وسوقاً مستهلكاً لمنتوجات الشركات الرأس مالية التي لا تفهم إلا لغة المال فحسب حتى لو تلوّنت بلون الدم وتعطّرت برائحة البارود. ولتحقيق ما تقدم إجرائياً كانت ضحية أميركا دول متعددة كان من بينها العراق، فقد سعت تنفيذ (الصدمة) عبر أدوات كثيرة منها: إشاعة الفساد، الحرب الطائفية، ارتفاع الأسعار، انهيار المثل والقيم، أعمال شغب، مظاهرات غير منضبطة، خطف ونهب وقتل في الشوارع، هنا أُشيعت فوضى عارمة قادت البلاد نحو نفق مظلم لا يعلم كيف سيُسدل ستار مشهد ازماته، ومتى تكون نهاية خلاصه؛ لدرجة أنْ يأس الشارع من الحل واستسلم لواقعه القاسي وآل الحال به إلى أنْ يُشل تفكيره وتختلط الأوراق أمامه لينتهي إلى الصدمة المنشودة التي ينسى الشارع فيه تاريخ معاناته وآهاته لدرجة أن يترحم على الطغاة والجبابرة وأيام القحط والذل والمسكنة ليُعلن علناً أنه مستسلماً لكل طلبات صانعي الصدمة ولكل خياراتهم. إنها الصدمة التي يؤول الشعب فيها إلى اليأس عن النهوض بواقعه اقتصادياً، سياسياً، فكرياً، إداريا، أخلاقيا هنا تأتي الارادات الأجنبية لتقول قولتها وتنفذ خططها على أرض الواقع من دون عناء وجهد ومن دون أن يقلقها صوت الصحوة لا من قريب ولا من بعيد ويُسدل ستار تاريخ أمة. أقول: متسائلاً بعد أنْ تقبلنا الصدمة بمحض إرادتنا، وترحمنا على قاتلينا، واستسلمنا لأجندة صناع الصدمة... هل انتهى كل شيء في ضوء استسلامنا؟ هل فقدنا كل الحلول بلحاظ تشتت أفكارنا؟ أم اختلطت جميع الأوراق بما فيها أوراق أولوياتنا؟ أم اختلت الموازين فبات المعروف منكراً والمنكر معروفاً عندنا؟ أقول والقول لله تعالى): إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)