حجم النص
في بادرة قلّ حصولها، انعقد في حاضرتي النجف وكربلاء في العراق ولأول مرة، في اليومين 16 و17 من شهر آذار مارس الجاري (2017م) "المؤتمر الدولي حول التجديد في المنبر الحسيني" دعت إليه العتبة العباسية في كربلاء المقدسة ومؤسسة بحر العلوم الخيرية في النجف الأشرف، بحضور المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة العلامة السيد أحمد الصافي، ورئيس ديوان الوقف الشيعي العلامة السيد علاء الموسوي، وأمين عام مؤسسة بحر العلوم الخيرية العلامة السيد محمد علي بحر العلوم، وجمع غفير من الخطباء والمرشدين والأدباء وأساتذدة الحوزات العلمية والجامعية وإعلاميين وأدباء ومثقفين من بلدان مختلفة منها: لبنان والبحرين وإيران والسعودية وبريطانيا وعُمان وكندا والكويت وأميركا وألمانيا وهولندا والسويد. دائرة المعارف الحسينية كانت حاضرة ضمن أعمال المؤتمر حيث قدّم الباحث الدكتور نضير الخزرجي مجموعة توصيات لتطوير المنبر الحسيني وتجديده، ومما جاء في كلمته التي قدمها في الجلسة الختامية لأعمال المؤتمر في كربلاء المقدسة: (إن لعنوان المؤتمر الدولي "التجديد في المنبر الحسيني" لحناً آسراً تحبذه الروح والنفس ناهيك عن الفكر والمعرفة، لما لكلمة "التجديد" من حيوية وفاعلية دالة على الاستمرارية والتحديث والإبتكار في كل جنبة من جنبات المنبر الذي تلخصت رسالته الأبدية في قول الإمام علي بن الحسين السجاد (ع) في مجلس يزيد بالشام: (أتكلم بكلمات فيهن لله رضا، ولهؤلاء الجالسين أجر وثواب).. كلمات فيها حياة النفوس إنْ أخذوا بها منسجمة تماما مع دعوات الرب الجليل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ). وأضاف الخزرجي: يأخذ البعض على المنبر الحسيني التكرار في مادته النثرية والشعرية، وقد استطاعت الموسوعة الحسينية أن تتجاوز هذه العقبة في المادتين، إذا بلغ مجموع أجزاء الموسوعة الحسينية أكثر من تسعمائة مجلد في ستين بابا من أبواب المعرفة التي تنتهي زوارقها عند مرفأ النهضة الحسينية، وهي مجلدات قائمة على التحقيق والتدقيق، فلو التزم كل خطيب في مجال النصوص النثرية أن يحاضر وبشكل دوري بالاعتماد على ما سطره المحقق الكرباسي، للزمه سنوات حتى ينتهي من بعض أبواب الموسوعة، أي أنها مادة بحثية خالصة يستطيع الخطيب أن يرجع اليها في مجالسه ويغوص فيها. كما ويمكن التجديد في المنبر الحسيني من خلال التجديد في القراءات الأدبية الشعرية، فقد صدر حتى اليوم من تحت أنامل المحقق الكرباسي أكثر من أربعين مجلدًا في الشعر الحسيني منذ القرن الأول الهجري وحتى القرن الثالث عشر الهجري، وكلما اقتربنا من القرن الذي نحن فيه تزداد القصائد، ولو تم الانتهاء من كل القصائد حتى القرن الخامس عشر الهجري فلا شك أن المجلدات قد تتعدى الثمانين أو اكثر، ولازلنا في النصوص الشعرية الحسينية باللغة العربية فقط. ولو ضممنا الى الشعر الحسيني، ما تم نظمه خلال خمسة عشر عاماً، في النبي الأكرم محمد (ص) والإمام علي (ع) وفاطمة الزهراء (ع) والإمام الحسن (ع) والأئمة التسعة من صلب الإمام الحسين (ع)، فإن المجلدات لاشك ستكون بالمئات، أي هناك وفرة وفيرة من الشعر الحسيني والولائي معًا في الأفراح والأتراح. هذا كله ناهيك عن الشعر الشعبي المتوزع على مساحات الولاء الحسيني بأنواعه من قبيل الأبوذية والموال والسريع. ودعا المتحدث إلى تجاوز شرط الحفظ عبر الاستعانة بالخطابة المكتوبة كلا أو بعضا، أو عبر وضع نقاط رؤوس لكل مجلس ومحاضرة، يحاضر بها الخطيب ويستحضرها آنيا وبسلاسة عبر لوحة أو رافعة ملتصقة بالمنبر، وهذه اللوحة أو الرافعة ستساهم بشكل كبير في منهجة المحاضرة وتنظيمها، فضلا عن التجديد في القصائد الحسينية حيث تعطي اللوحة فسحة كبيرة للخطيب لقراءة ما نظمه الشعراء دون ارهاق الذهن بالحفظ وتجاوز الخطأ أو النسيان أثناء القراءة. ومن نقاط التجديد التي قدمتها ورقة المركز الحسيني للدراسات بلندن، استحداث مجالس الأدب الحسيني بخاصة يوم عاشوراء، إذ هناك في الشعر الحسيني قصائد مطولة في مائة بيت أو أقل أو اكثر تشكل أبياتها مقتلا كاملا وقصة لواقعة الطف ولكن بطريقة النظم، وهي أشبه بالمعلقات، ويمكن الاستفادة من هذه القصائد في تجديد المنبر الحسيني عبر خلق مجالس أدبية إلى جانب المجالس الحسينية لقراءة المقتل الحسيني بطريقة النظم وبصوت شجي، وهذه المجالس ستكون محل استقطاب لمتذوقي الأدب والشعر. وحول الرعاية الواجب تقديمها لخطباء المنبر، استحضر الدكتور الخزرجي في ورقته ما عرضه المحقق الكرباسي قبل ربع قرن كما هو مدون في الجزء الأول من معجم خطباء المنبر الحسيني، من مشروع متكامل لتأسيس نقابة عالمية خاصة بخطباء المنبر الحسيني من كل الجنسيات واللغات ترعى الخطباء في عاجلهم كما ترعى ذويهم في آجلهم، نتمنى أن ترى هذه النقابة النور، وما دوَّنه المحقق الكرباسي هو خارطة طريق لهذه النقابة. كما دعت الورقة إلى تأسيس معاهد وكليات خطابة ذات طابع أكاديمي معرفي، إلى جانب استحداث معاهد لتعلم اللغات الحية داخل هذه الكليات بحيث يلزم الخطيب أن يجتاز الإمتحان في واحدة من هذه اللغات، حتى تتكون لديه القاعدة الأساسية للغة التي يتعلمها يسهل التعامل والتعاطي معها وهو في ترحاله في البلدان التي يتحدث بها أهلها. وفي ختام الكلمة دعا الأديب الخزرجي إلى استحداث فن النقد المنبري، فكما يستخدم النقد الأدبي في مجال النصوص النثرية والشعرية، والنقد السينمائي في مجال الأفلام والتمثيليات والمسلسلات (الدراما)، كوسيلة لترشيد العمل الأدبي أو السينمائي والفني، حيث لا يستغني صاحب النص الأدبي أو السينمائي من كاتب أو مخرج أو منتج عن كتابات الآخرين ونقدهم في السلب والإيجاب، باعتبار أن النقد هو بمثابة المرآة الكاشفة. وعلى غرار النقد الأدبي والسينمائي، تساءل الخزرجي: فلم لا يتم استحداث فن النقد المنبري لترشيد الخطابة الحسينية مادة وخطيبًا، وشيوع مثل هذا الفن في الوسط المنبري يساعد بشكل كبير في تحسين الأداء وتنظيم الخطابة ومنهجتها بشكل سليم، فيساهم الخطيب في نقد آفة المجتمع وبيان سلامته ويساهم الناقد في سلامة أداء الخطيب وما يعرضه على الناس حتى يكون مصداقا لقول الإمام السجاد (ع) الآنف الذكر. هذا وفي جلسة الإفتتاح لليوم الأول من أعمال المؤتمر التي انعقدت في قاعة الشيخ الطوسي بمعهد العلمين للدراسات العليا في النجف الاشرف، والتي أدارها السيد زيد بحر العلوم وافتتحت بقراءة لآيات من الذكر الحكيم بصوت المقرئ الشيخ جاسم النجفي، استمع الحاضرون الى كلمات: المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة العلامة السيد أحمد الصافي، والعلامة السيد علاء الموسوي رئيس ديوان الوقف الشيعي، ومن العراق الخطيب الدكتور الشيخ إبراهيم النصيراوي، ومن السعودية العلامة الشيخ فوزي آل سيف، والقادم من كندا الأديب الشيخ عبد الله الخاقاني الذي أتحف المؤتمر بقصيدة عصماء، فيما كانت كلمة الختام لأمين عام مؤسسة بحر العلوم الخيرية العلامة السيد محمد علي بحر العلوم. وانتهت جلسة الإفتتاح الصباحية بتكريم ستة من خطباء المنبر الحسيني وهم: السيد كاظم النقيب، الدكتور محمد باقر المقدسي، السيد جاسم الطويرجاوي، الشيخ جعفر الهلالي، الشيخ مرتضى الشاهرودي، والشيخ شاكر القرشي. في جلسة العصر الأولى التي أدارها الشيخ علي الشكري، تم استعراض عدد من الموضوعات ذات العلاقة بالنهضة الحسينية وطريقة التطوير والتجديد في المنبر الحسيني، تناوب في عرضها الدكتور السيد مصطفى القزويني القادم من الولايات المتحدة، الأديب السيد مضر الحلو القادم من المملكة المتحدة، الأديب الأستاذ محمد نعمة السماوي القادم من الولايات المتحدة، والسيد محمد الحبوبي والدكتور ساجد صباح العسكري والشيخ يحيى السعداوي. وفي جلسة العصر الثانية التى أدارها الأكاديمي الدكتور ستار الأعرجي، تناوب على استعراض الموضوعات ذات العلاقة بعنوان المؤتمر عدد من الخطباء واساتذة الجامعات وهم: السيد محمد الحسني، الشيخ اسامة العتابي، والقادم من دولة الكويت الأستاذ عمار كاظم، والاستاذ نذير هارون الزبيدي، والسيد هاشم المحنك، والقادم من جمهورية إيران الإسلامية الدكتور حسين الساعدي. وتخللت الجلسة الأولى والثانية مجموعة كبيرة من الحوارات والنقاشات تداخل فيها عدد غير من خطباء المنبر الحسيني واساتذة الجامعات من بلدان مختلفة. وانتقلت أعمال المؤتمر في اليوم الثاني والأخير الى مدينة كربلاء المقدسة حيث انعقدت جلسات المؤتمر الصباحية والمسائية في قاعة الإمام الحسن (ع) داخل العتبة العباسية المقدسة، إذ قُدمت في الجلسة الصباحية الأولى التي أدارها الدكتور عباس الدده عدد من الأوراق البحثية للأفاضل: الدكتور الشيخ صاحب نصار، الدكتور بدر ناصر السلطاني، الدكتور الشيخ فيصل الكاظمي، الشيخ محمد عبد الرضا الساعدي القادم من هولندا، والدكتور علي القريشي. وواصل المؤتمر أعماله في الجلسة الصباحية الثانية بإدارة الدكتور سرحان جفات ببحث مقدم من السيد فاضل بحر العلوم الذي تعرض الى طبيعة العمل الإسلامي في المملكة المتحدة وتجربة مجالس المنبر الحسيني باللغة الإنكليزية حيث يعد المتحدث من السباقين الى عقد مثل هذه المجالس لجيل الشباب والشابات في لندن. وفي الجلسة الختامية التي أدارها الدكتور عادل نذير الحساني قدمت مجموعة أوراق بحثية، منها ورقة الدكتور صلاح الأعرجي، الأديب السيد غياث جواد طعمة القادم من المملكة المتحدة، المحقق السيد محمد رضا الجلالي، السيد محمود الطباطبائي القادم من جمهورية إيران الإسلامية، الدكتور علي الحجي، الدكتور كريم حمزة حميدي، فيما قدّم الأديب الدكتور نضير الخزرجي ممثل دائرة المعارف الحسينية في لندن مجموعة من التوصيات المعرفية والفنية والعملية على طريق التجديد في المنبر الحسيني. واختتمت أعمال "المؤتمر الدولي حول التجديد في المنبر الحسيني" بكلمة اللجنة التحضيرية ألقاها الشيخ محسن الخزاعي، وتكريم عدد من المؤلفين والموسوعيين، حيث حظي المحقق آية الله الشيخ محمد صادق الكرباسي صاحب دائرة المعارف الحسينية بتكريم من لدن المؤتمر الدولي، إذ أهدي إليه "درع الإبداع" عرفانا بعظيم نتاجه المعرفي الذي صدر منه حتى الآن (110) مجلدات، تفضل بتقديمه المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة العلامة السيد أحمد الصافي وأمين عام مؤسسة بحر العلوم العلامة السيد محمد علي بحر العلوم وتسلمه بالنيابة الدكتور نضير الخزرجي، كما تم تكريم الباحثين والمتحدثين في الجلسات البحثية والنقاشية في النجف وكربلاء بشهادات تقدير. والمفيد ذكره أن اليوم الأول من المؤتمر تخلله إقامة معرض لعدد كبير من المؤلفات الحسينية لكتاب وباحثين راحلين ومعاصرين، ومعرض للفن التشكيلي، كما تصدرت منصة الخطابة سلسلة من أجزاء دائرة المعارف الحسينية إلى جانب سلسلة مؤلفات العلامة الشيخ محمد رضا المظفر الذي كان مدار أبحاث ومداولات المؤتمر الدولي الذي عقدته بشأنه مؤسسة بحر العلوم الخيرية في العام 2016م. هذا وكان مدير المؤسسة الإعلامية العراقية الأستاذ فراس الكرباسي قد أجرى مع الباحث في دائرة المعارف الحسينية بلندن الدكتور نضير الخزرجي سلسلة من الحوارات الصحفية والإذاعية لعدد من الوكالات والصحف والإذاعات منها إذاعة المعارف واذاعة الأمل وإذاعة الرميثة وإذاعة الكوثر وإذاعة سبل السلام.
أقرأ ايضاً
- يدخلان العراق لاول مرة العتبة الحسينية توفر جهازي الروبوت الجراحي والرنين المفتوح
- تركز على الحاسوب والرياضيات والهندسة العتبة الحسينية: خريجو مدارس "STM" سيصبحوا بصمة سوق العمل في العالم
- كربلاء: متحف العتبة الحسينية يقيم معرض مقتنيات الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)