حجم النص
بقلم:حيدر السلامي مع هبوب اولى نسمات هذا الصباح، يحتفل المسلمون الشيعة بذكرى مولد بنت النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وآله التي عبر عنها بقوله(فاطمة بضعة مني). فيهنئ بعضهم بعضاً، سائلين الله ان يجعلهم من شيعتها وشفعائها الذين تلتقطهم يوم القيامة كما يلتقط الطير الحب الجيد وتفطمهم من النار ويقيمون الحفلات والمهرجانات ويرفعون الشعارات ويوزعون الحلويات الى كثير من الممارسات والطقوس الاحتفائية الدارجة في المناسبات والاعياد الدينية. وتلك لعمري، أمور راجحة وتقاليد جميلة تربط المرء بتاريخه وشخصياته ورموزه وتعيد للذاكرة الشعبية السير الوضاءة والمواقف الخالدة والحوادث العظيمة في التاريخ ليستضيء بها وتدفعه للسير في طريقها نحو الكمال البشري المنشود. انها العبرة اذن، ولكل وجهته وشاكلته في الاستذكار والاعتبار، الا ان ما يحز في النفس، قلة المعتبرين بالقياس الى عدد الغافلين والشكلانيين البعيدين عن روح المناسبة ومضمونها. فما اكثر اولئك السطحيين القشريين في كل شيء حتى في تعاطيهم مع دينهم وتاريخهم. كثير من الكتاب والادباء والمؤرخين والخطباء يتحدثون ويقدمون العظات لكن الناس في سبات وغفلة عن إحياء القيم أو استحضارها عمليا، مكتفين باحياء مناسباتها قولياً. ينبغي للجميع ان يتخذوا من الزهراء عليها السلام قدوة ومثلا اعلى في مقام العمل فيبدأ بنفسه ويستلهم الدرس الفاطمي ويستخلص العبرة من حركتها الاصلاحية التصحيحية بعد رحيل ابيها النبي صلى الله عليه واله. لنتمثل يوم الزهراء الباذخ الشرف ونسترد تراثها الشامخ المهدور ولا نكتفي بسرد قصتها من الالف الى الياء دون تحريك للمبادئ السامية التي ناضلت من اجلها داخل مجتمعنا. لنعدل سلوكنا قليلا فلا نسمح لانفسنا ولغيرنا بالتعامل مع قادتنا وقيمنا وكانها دمى جامدة بلا روح أو قطع متحفية مهملة لا تصلح لشيء سوى التقاط سيلفي بجوارها. تعالوا نفكر كيف نجعل الزهراء روحا تحلق في عقولنا وضمائرنا مع كل معاملة بيع وشراء، مع كل سفر وكل حضر، ومع كل مجلس عام وخاص تذكر فيه محاسن قوم ومعائب اخرين، مع كل خاطرة نكتبها وكلمة نخطها، مع كل فكرة ينوء بحملها الذهن شاردة كانت ام واردة، مع كل حركة وكل سكنة، دعونا نرى الزهراء في انفسنا ونريها كيف نكون زينا لها كما هي دائما زين وموضع فخر واعتزاز. ان معنى استحضارنا للزهراء هو استحضار للمثل العليا التي نادت بها السماء ودعا اليها الانبياء وائمة الهدى. تعالوا ايضا نعلم ابناءنا وبناتنا كيف هي الزهراء ولماذا؟! ونحفظهم كلام الزهراء خطبها واحاديثها حركتها داخل المنزل وفي الجامع والشارع، كيفية تعاملها مع ابيها وزوجها وابنائها والخادم والجار ذي القربى والجار الجنب والفقير المتعفف والسائل والغني الباذل والسلطان الجائر والمسلم وغير المسلم والطفل الصغير والرجل الكبير والمراة.. لنقرا ونتعلم ونطبق الرفق بالحيوان وحماية حقوق الانسان والكثير الكثير مما افاضت به ام ابيها خلال شوط حياتها القصيرة الوامضة. تعالوا نطالب بادخال خطب واقوال الزهراء في مناهجنا الدراسية والنصوص الادبية كنماذج عالية المضامين راقية الشكل هي القمة في البلاغة والفصاحة والفكر الثاقب والراي السديد والخلق العظيم. لتكن تلك الكلمات التي اذعن لها وشهد بحسنها ابرع الادباء والمؤلفين من الخصوم الالداء قبل المحبين والاوداء حتى ان ابن طيفور المعروف بميوله لم يجد بدا من التسليم والبخوع وايراد خطب الزهراء في كتابه الموسوم بلاغات النساء ناقلا عن أبي الحسين زيد بن علي بن الحسين قوله: "رأيت مشايخ آل أبي طالب يروونه عن آبائهم ويعلمونه أبناءهم". اين نحن من هذا المنهج الطالبي واين نحن من الزهراء اليوم وغدا وما بعده؟ أننتظر حتى يستفيد الغربيون من كنز الزهراء فيستنبطون منه ويستخرجون الدرر واللئالئ ثم اذا نشروها على الملأ جئناهم لندعيها لنا من دون سائر الامم؟! كما هو الحال دائما مع ما ورثناه عن ائمتنا من فتوح واكتشافات وعلوم ومعارف وفضائل وسنن يستخرجها الاخرون من تراثنا بينما نحن غافلون عنه جاهلون به حتى اذا اخرجت للناس تبجحنا بانتسابنا لاصحابها وانها منا ولنا.
أقرأ ايضاً
- كيف تكفي 10 دولارات احتياجات المواطن؟
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟ (الحلقة 7) التجربة الكوبية