حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ كسر الرئيس الجمهوري المنتخب ترامب جميع آفاق التوقع المفترضة من مرشح جمهوري وصل الى البيت الأبيض، ولأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة المنظور يلعب المزاج الشخصي والتركيبة السايكلوجية (غريب الاطوار) والخلفية المهنية (رجل أعمال) دورا فاعلا في وضع اللبنات الأساسية لمنظومة السياسات الاستراتيجيات الأمريكية سواء مايخص الأمن القومي الأمريكي منها او البنية التحتية للاقتصاد القومي الأمريكي أو مايخص ملف التسليح والأمن، وبقية الأمور التي دغدغ بها ترامب مشاعر وهواجس (وربما مخاوف) الناخب الأمريكي كملف الصحة والمهجّرين غير الشرعيين وبضرورة إعادة "هيبة" أمريكا وعظمتها وسيادتها للعالم التي فرّطت بها الإدارات السابقة له حسب وصفه، أو التي تخصّ المجال الإقليمي الحيوي الأمريكي في القارة الأمريكية الشمالية ومنها مايتعلق بالجدار الرابط بين أمريكا والمكسيك،والوعود التي تتعلق بالمجال الحيوي الأمريكي العالمي كعلاقة الولايات المتحدة بالناتو والعملاق الصيني والانسحاب من الشراكة عبر المحيط الهادئ ومنظومات التحالفات الأمريكية الواسعة (الناتو) مثلا وما الى ذلك. والاهمّ من ذلك مايخصّ السياسة الخارجية الأمريكية كمنظومة العلاقات الأمريكية مع حلفائها الإستراتيجيين التاريخيين كالعراق مثلا، ويجري كل ذلك بالرغم من وجود السياقات الدستورية والمؤسساتية المتعارف عليها أمريكيا(دولة مؤسسات) والتي تلعب دورا ليس في وضع كوابح لمزاج الرئيس فقط وإنما في تقويم سياساته التي قد تنحرف بعض الشيء عن بوصلة المصالح الحيوية للولايات المتحدة ومنظومة إستراتيجيّاتها التي تنبني وفق تلك المصالح فضلا عن رسم سياسات الرئيس المستقبلية وفق تلك المصالح ايضا. أسوق من هذه المقدمة لأبيّن أن الأهم بالنسبة للعراق والمنطقة من تلك "المعمعة" التي أثارت الكثير من اللغط والجدل هي تلك الوعود التي أطلقها ترامب في حملته الانتخابية أو في حفل التنصيب ومايتعلق بالحرب على "الإرهاب" وداعش أو من خلال مكالماته الهاتفية مع رئيس الوزراء العبادي، باعتبار أن الإرهاب شأن عالمي وأمريكي ايضا وليس شانا عراقيا فقط وان العراق مازال يقاتل (بالنيابة) عن العالم اجمع ومنه أمريكا، وهذه نُبذ من وعود ترامب فيما يخص العراق ومكافحة الإرهاب الذي يبقى الهاجس الأول للعراقيين والمنطقة: (إننا سنعمل سوية لدحر الإرهاب لان العراق حليف لنا)، و(العراق شريك إستراتيجي وتاريخي) و(علينا أن نتخلّص من داعش... ليس أمامنا من خيار آخر.)...الخ وكما وعد ترامب إنه وفور وصوله إلى البيت الأبيض سيطلب من إدارته إعداد خطة خلال 30 يوما للقضاء على تنظيم داعش الذي يتخذ من الموصل في العراق والرقة في سوريا معقلين رئيسيين له. فيما كان وعده إبان حملته الانتخابية بان سنواته الرئاسية الأربع القادمة ستشهد نهاية عصر التنظيمات الإرهابية المسلّحة وخصوصا تنظيم داعش الإرهابي من خلال حزمة من "الخطوات" التي ستتضمنها خططه لضربه والتي من بينها تكثيف العمل الاستخباري ونقل المزيد من القوات الأميركية والخبراء الى مناطق الصراع, فضلا عن الدعم اللوجستي، جاء هذا الوعد فاتحة أمل بان بوصلة سياسة الولايات المتحدة ستكون في الطريق الصحيح حيال العراق في حين بقيت التصريحات التي تخص الشأن السوري والإيراني غامضة بل يلفّها القلق من انزلاق الرئيس ترامب في مطبّ! (الفوبيات): فوبيا الاسد وفوبيا إيران وذلك تماهيا مع التوجه السيا /طائفي لحلفاء ترامب الخليجيين وهو توجّه احرق الشرق الأوسط برمته وامتد لهيبه المستطير الى أوربا والولايات المتحدة نفسها. وفي الواقع لا إستراتيجيةَ أمريكية واضحةَ المعالم لحد الان سوى تصريحات ووعود وتمنيّات وبعض التطمينات التي لاتُغني ولاتُسمن من جوع في وقت يستمرّ العراقيون في ماراثون إنهاء الملف الداعشي نهائيا في العراق،في حين مازالت سوريا تأمل الكثير من المجتمع الدولي أن يساندها في طرد ماتبقّى من العناصر الإرهابية من أراضيها ،ومافتئت إيران تنظر بعين الرَيبة والحذر القلق لتلميح ترامب بتعليق معاهدة (5+1) المبرمة معها ولهذا يبقى من الصعب التكهّن بملامح إستراتيجية الرئيس ترامب في الشرق الأوسط ـ والعراق الذي مازال يأمل بتفعيل اتفاقية الإطار الإستراتيجي المجمّدة منذ عهد سلفه الديمقراطي اوباما ـ وسط هذا الكم الهائل من فوضى التصريحات الصاخبة والوعود المتناقضة وتشويش الرؤى. أقول كان يجب على الرئيس ترامب أن يفي بوعوده تجاه العراق وسوريا ويتعاون مع روسيا ويتجاوز مناخ الحرب الباردة معها، وينفتح على إيران لمصلحة تامين الأمن القومي الأمريكي ومنظومة المصالح الأمريكية التاريخية في الشرق الأوسط ولكن الإحباط الكبير تجلّى حين اصدر ترامب أوامره بمنع رعايا سبع دول من دخول الولايات المتحدة منها العراق الضحية الأكبر من الإرهاب الذي تقوده بعض الدول الإقليمية التي كان على ترامب ان يبدأها بهذا المنع فضلا عن شمولها به . إن التخبط الاستراتيجي والتناكف الحزبوي مابين الجمهوريين والديمقراطيين وعدم وضوح الرؤية الستراتيجية الأمريكية في التعاطي مع ملفات الشرق الأوسط الإستراتيجية والساخنة، كل ذلك سيُخسر أمريكا الكثير من فرص السلام والأمان والاستقرار وقد يُعاد عليها سيناريو 11/ سبتمبر بشكل او بآخر بسبب هذا التخبّط غير المدروس. كاتب عراقي