حجم النص
بقلم:عبدالزهرة الطالقاني منذ ان اعلن السيد مقتدى الصدر ورقته الاصلاحية رداً على ورقة رئيس مجلس الوزراء الاصلاحية تبين أن الغاية منها أن تكون بديلة لورقة العبادي، وهذا أمر لم تطرحه أية كتلة سياسية اخرى الا بعد حين.. ولعلها اشارة خفية الى (اننا في كتلة الاحرار) سوف لن نأخذ بما ورد بورقتكم ايها الرئيس مالم تعتمدوا ورقتنا الاصلاحية.. ثم تطورت الاوضاع السياسية وأتخذت مجموعة اجراءات منها اختيار وزراء جدد قسم منهم ممن رشحتهم كتلة الاحرار، الا أن البرلمان العراقي لم يصادق على تعيينهم.. ولأن الاجراءات الحكومية والبرلمانية تسير ببطء صار التوجه للضغط عن طريق الشارع وهكذا فُعلت التظاهرات.. وبدأت الضغوط تزداد وتحولت الى اعتصامات.. وعبر المتظاهرون الجسور ليخيموا قرب بوابات المنطقة الخضراء. وكل ذلك كان بفعل فاعل.. كانت الامور منضبطة الى حد ما في الفترة الاولى لكنها تحت ترقب مشوب بالحذر، لذلك تغير مجرى الاحداث في الاسابيع التي تلتها، حيث دخل السيد مقتدى الصدر المنطقة الخضراء واعتصم داخلها.. وخاطب جمهوره باني أمثلكم وقد اعتصمت داخل المنطقة أما أنتم فابقوا في أماكنكم.. ثم جاء التوجيه بفض الاعتصامات بعد تقديم قائمة بالتغيير الوزاري.. ولأن البرلمان لم يصوت على القائمة الجديدة عادت التظاهرات الى الشارع. ودخل المتظاهرون الى المنطقة الخضراء لاول مرة، وفقدت القوات الامنية السيطرة، ولم يكتف المتظاهرون بذلك، بل دخلوا مبنى البرلمان وسط استهجان واستنكار المواطنين والكتل السياسية ورئاسة البرلمان والحكومة.. وتطورت الاحداث بسرعة واخذت منحى آخر عندما بدأ بعض المتظاهرين العبث بالاموال العامة، حيث تم تخريب المركز الصحفي لمجلس النواب العراقي، ودخل المتظاهرون الى معظم الاقسام والقاعات والمكاتب في المبنى ما ادى الى تصاعد الغضبة ضد هذا التصرف الفردي من كتلة سياسية هي أصلا مشاركة بالحكومة والبرلمان من خلال وزراء ونواب. وبعد اسبوع من هذه الحادثة عاد المتظاهرون الى المنطقة الخضراء ولكن هذه المرة ليس من الباب بل من الشباك حيث أسقطوا بعض الحواجز الكونكريتية ودخلوا من خلالها ووصلوا الى مكتب رئيس مجلس الوزراء.. هذه الاحداث طالما شغلت القوات الأمنية التي كانت اصلا مشغولة بتحرير محافظة الرمادي ومدنها حيث تدور المعارك ضد تنظيم داعش الارهابي.. وتسبب تردي الوضع الامني في بغداد الى سحب بعض القطعات العسكرية الفاعلة من جبهات القتال لحماية الجبهة الداخلية من عبث العابثين.. بعد هذه الاحداث أعلن السيد مقتدى الصدر اعتزاله السياسة ودخوله في سبات جديد يضاف الى حالات السبات السابقة، وهي حالة احتجاجية طالما لجأ اليها السيد، الا أنه لم يتبرأ علناً من أتباعه الذين اعتدوا على عضو البرلمان من كتلة الفضيلة بغير وجه حق، وتخريب المركز الصحفي في مبنى البرلمان.. ويبدو أن توجهات خفية كانت تتسرب الى المتظاهرين ليستمروا بالتظاهر والضغط على الحكومة والبرلمان حتى ساءت الامور عندما هاجم المتظاهرون وبهمجية مقرات الاحزاب السياسية في ميسان والمثنى وواسط بدعوى انها مقرات لأحزاب فاسدة، واستثنيت من ذلك مكاتب كتلة الأحرار، وكأنها منزهة من الفساد الذي تلقي بتهمته على الآخرين وهي شريكة بالحكومة والبرلمان اللذين تنعتهما بأنهما فاسدان.. ان هذه الأخطاء التي رتكبت بحق شركاء سياسيين مشاركين في الحكومة والبرلمان لها أبعاد خطيرة جداً، فأيُ ردة فعل يمكن أن تجر البلاد الى بحر من الدماء واقتتال أهلي بين أتباع الكتل السياسية واضطراب الوضع الداخلي بشكل غير مسؤول، ولولا حكمة البعض لامتد طيش المدفوعين للتظاهر الى نشوب صراع نفقد فيه الكثير من الطاقات والموارد البشرية والمادية في وضع حساس جداً نحن أحوج فيه بأن يكون هادئاً ومستقرا لغرض توحيد الجهود اتجاه المعركة ضد داعش. ومع أن خطاب السيد مقتدى الصدر قد وجه أتباعه بأن تكون تظاهراتهم سلمية وعدم التعرض الى مقرات الاحزاب، الا أن هذا الخطاب جاء متأخرا.. فكتلة الاحرار اليوم وزعيمها امام مسؤولية قانونية وأخلاقية واجتماعية جراء ماحصل وما يحصل، وهي بحاجة الى مراجعة النفس واصلاحها، وان أي تدهور في الوضع الامني سيكون نتيجة لتأجيج الشارع واستخدام الحشود البشرية في وقت تقوم به القوات المسلحة بواجبها الوطني في مقارعة الارهاب.. ومع أن الكتل السياسية التي تعرضت مقارها الى الاعتداء والتخريب لم تلجأ حينها الى القضاء لتجريم الفاعلين، والمحرضين لهم... وتحميلهم مسؤولية ماحدث وتبعات ذلك المادية والمعنوية وهذا هو العدل المطلوب.. الا ان الامور قد لا تبقى سائبة غير منضبطة الى ما لا نهاية، لان ذلك قد يؤدي الى احتقان لا تحمد عقباه.