- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
تصريحات العبيدي ضد الفساد في العراق: كأنك يا بوزيد ما غزيت!
حجم النص
نجاح محمد علي جاءت إتهامات وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي بالفساد لأقطاب سنية عراقية، خصوصا رئيس مجلس النواب، بعد عام تماماً من اندلاع المظاهرات الاسبوعية المطالبة بالإصلاح، والتي ظلت تراوح مكانها لأسباب منها أن الجزء الأعظم المشارك فيها والذي ركب موجتها المدنية، وهو التيار الصدري، جزء أساسي من منظومة الفساد، ولا يمكن أن يتحول بين ليلة وضحاها إلى جزء من الإصلاح، فضلاً عن قيادته لهذا الاصلاح الذي لن يتحقق منه شيء ما دامت العملية السياسية باقية بـ»القيادات التاريخية» والأدوات نفسها. ما قاله العبيدي في جلسة استجوابه التي حولها إلى إستجواب مضاد بإلقاء الكرة في ملعب الخصوم، أكد من جديد أن منظومة الفساد في العراق باتت أكثر من مستحكمة، وأنها غيرت الكثير من منظومة القيم العقلية والدينية لدى العراقيين حتى بات تعريف الفساد يحتاج إلى إعادة صياغة، بما يجعل من إمكانية حصول تغيير ولو نسبي في هذا الصعيد، في غاية الصعوبة، يصل إلى درجة المستحيل. وبعيداً عن كل التفسيرات التي تميز بها الشارع العراقي، وهو في مثل هذه الحالات «يخوض مع الخائضين» منبهراً بلباس الوزير «العسكري» الذي حرص أن يظهر في جلسة الاستجواب، ممثلاً للمؤسسة العسكرية، وهو يصطحب معه قادة الجيش ورئيس الأركان، في مقابل ما حاول رئيس مجلس النواب إظهاره أن «مؤسسة البرلمان» تتعرض للهجوم، محتمياً بالشعب في معادلة سعى الجبوري بعد ذلك إلى تصويرها وكأنها محاولة «انقلاب العسكر على البرلمان»، فان ما حصل يوم الأول من آب/أغسطس لم يكن سوى فصل جديد آخر من فصول «التراجيديا» العراقية الطويلة التي بدأت منتصف كانون الثاني/ديسمبر 2002 في مؤتمر لندن الذي قاده للمعارضة العراقية آنذاك، السفير الأمريكي زلماي خليل زادة، وقسّمت العراقيين إلى «مكونات» حسب المذهب والعرق، بعدما كانوا مواطنين… والفيلم طويل طويل لن ينتهي بسهولة. نعم إن جلسة إستجواب وزير الدفاع العراقي المنتشي ببزته العسكرية، بعد تحرير الفلوجة، وانتصارات حُسبت للمؤسسة العسكرية، تحققت قبل ذلك في تكريت وبيجي، استعداداً لساعة الحسم في الموصل، مسقط رأس العبيدي، ومعقله ومعقل أنصاره وداعميه في العملية السياسية القائمة على نظام المحاصصة و»شيلني وأشيلك»، و»طمطم لي واطمطم لك»، لم تكن إلا مفردة واحدة تتكرر كل يوم في العراق الجديد الذي بشر به العراقيين والمنطقة، الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش!. وقبل الخوض في تفسير ما حدث ورصد تداعياته على العملية السياسة وما إذا كانت اتهامات العبيدي لرئيس مجلس النواب وآخرين بالفساد، ستفضي إلى إيجاد إصلاح ولو نسبي، يطيح برؤوس الفساد في العراق، وهو لن يتحقق لأن القضاء العراقي نفسه قائم على هذه المعادلة من المحاصصة (سنة وشيعة وأكراد)، كان لا بد من ملاحظة ردود الأفعال خصوصاً أثناء وبعد زيارة العبيدي لمرقدي الإمام أبو حنيفة النعمان في الأعظمية، والإمام موسى الكاظم في الكاظمية، و»استعراضه» هناك وفي كربلاء والشعارات التي أُطلقت تأييداً له خصوصاً في الكاظمية وأهمها في الوجدان الشيعي شعار «علي وياك علي « والمقصود طبعاً الإمام علي بن أبي طالب في دلالة إلى تأييد قطاع عريض من الشيعة ليس فقط لخطوة العبيدي في كشف الفساد، بل ولما يمكن أن يستثمرها في إيجاد كتلة جديدة غير طائفية تشارك في سباق الانتخابات المقبلة كمنقذ أو منقذة!. تحرير الموصل اتهامات العبيدي أوجدت شرخاً داخل «المكون السني»، وهي جاءت في ذروة الصراع «الشيعي الشيعي» الذي يقود أطرفه الأبرز سيد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري، بينما يستعد الرئيس الأمريكي باراك أوباما لتحرير الموصل من تنظيم الدولة فيما سمي (مفاجأة تشرين الأول/أكتوبر) أي قبل شهر من الانتخابات الأمريكية يوم 8 تشرين الثاني/نوفمبر. وتتحدث معلومات خاصة أن الخطة التي أمام أوباما مع كبار مساعديه تنص على محاصرة مدينة الموصل من كل الاتجاهات بوضع عناصر من الجيش العراقي، مع قوات من البيشمركه شمال المدينة وعناصر من الجيش العراقي الرسمي والحشد الشعبي (من الطائفتين) جنوبها ومن ثم اقتحام مركز المدينة في أوائل شهر تشرين الاول/أكتوبر المقبل والانتهاء من العملية في نهاية الشهر، أي قبل حوالي اسبوعين من الانتخابات الأمريكية لضمان فوز هيلاري كلينتون فيها. وبالتالي فان قرار تحرير الموصل العسكري له أهدافه السياسية في الولايات المتحدة لصالح الحزب الديمقراطي ومرشحته كلينتون، ولدعم بقاء حيدر العبادي رئيسا للوزراء في مقابل المنافس الأقوى نوري المالكي المدعوم أو المطلوب ـ حتى اللحظة ـ من إيران رغم أنها فرطت به نزولا عند رغبة مرجعية السيستاني، التي لا تتفق كثيرا مع ما تريده إيران بشأن الحشد الشعبي وفصائله الكثيرة المدعومة من إيران ولا تعترف بها المرجعية في النجف. ومع أن سجال العبيدي مع القضاء ولجنة النزاهة سيستمر، وقد لا يحسم بسهولة، أو على المدى القريب لأن القضاء نفسه يتعامل مع النزاعات الداخلية القانونية على أساس مراعاة المزاج العام، وحفظ التوازنات بعيدا عن المهنية القضائية، إلا أن معركة تحرير الموصل، ستعزز من موقعه في الكتلة العابرة للطائفية، ولا يهم أوباما الصراع ما بعد الموصل بين المتحالفين من الجيش والحشد الشعبي (الشيعي والسني) والبيشمركه، أي بين الكورد والمركز والسنة، لأن ذلك يحدث بعد الانتخابات الأمريكية. في البين تتحرك القوى الشيعية خصوصا حزب الدعوة بزعامة نوري المالكي، لأضعاف ورقة مسعود البارزاني في المعادلة السياسية تحضيرا للانتخابات المقبلة من خلال إيجاد تحالف مع «التغيير والاتحاد الوطني الكردستاني» ويملكان نحو 30 مقعدا في البرلمان الحالي، بينما يملك حزب البارزاني مع حلفائه الإسلاميين الأكراد نحو 24 مقعداً. من جانبه يتحرك المجلس الأعلى لايجاد كتلة مشابهة عابرة للطائفية، وسيتحالف بالتأكيد مع خصوم خصومه، والشيء نفسه يتحرك بموجبه التيار الصدري الذي»يريد لقمة قد يغص بها»، في معادلة تبدو مرتبكة لكنها تشير إلى وجود أطراف إقليمية عدة تتصارع حول الكعكعة، ومنها إيران التي ستتدخل بقوة هذه المرة وكأنك يا بوزيد ما غزيت!.
أقرأ ايضاً
- الصيد الجائر للأسماك
- ضمانات عقد بيع المباني قيد الإنشاء
- إدمان المخدرات من أسباب التفريق القضائي للضرر