حجم النص
يبدو أن الأمثال كانت قبل تحرير الفلوجة تضرب ولا تقاس لكنها الآن تغيرت وصار لها درجات على مقياس الغيرةالعراقية والنخوة الجنوبية. هذا ما أكدته حكاية ابن الشطرة "رياض" مع "أم خطاب"بنت الفلوجة وطفلها العليل، بعد فقدها الزوج والمعيل الوحيد وتخلي الأقارب والأصدقاء عنها في أحلك الظروف قرب جسر "بزيبز" مضرب الأمثال هو الأخر. تبدأ الحكاية ـ كما عرضتها "الحرة عراق" وتناقلتها بقية وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي ـ من اللحظة التي قررت "أم خطاب" فيها البحث في موبايل زوجها عن رقم صديقه الجنوبي"رياض" الرجل الذي لم تكن تعرفه أصلاً ولم يخطر ببالها أنها ستلتقيه ذات يوم!. في تلك اللحظة، كانت "أم خطاب" قد أوشكت حالتها النفسية على الانهيار بسبب الوضع الصحي المتدهورلابنها وتزايد حاجته إلى تناول العلاج بشكل مستمر، فضلا عن الظروف الصعبة والمواقف الحرجة التي واجهتها إثر فقدها زوجها في خضم العمليات العسكرية الجارية في مدينتها الفلوجة والتي تحررت من براثن "داعش" فيما بعد على أيدي أبطال الحشد الشعبي والقوات العراقية. أم خطاب وبعد أن أوصدت بوجهها كل الأبوابوتخلى عنها الأحباب لم تجد بداً من الاتصال بالرجل الجنوبي الغيور خاصة وأنها سمعت الكثير من القصص عن نخوة أهل الجنوب وشهامتهم التي يضرب بها المثل. وبالفعل تم الاتصال معه ولكن ليس من هاتفها أو هاتف زوجها وإنما من هاتف مستعار من بعض النازحين الآخرين وما أكثرهم، لأنها لا تملك الرصيد الكافي لإجراء المكالمة. على أي حال رد من الجهة الأخرى وتحديدا من الشطرة "رياض" وما كان من أم خطاب النازحة الفلوجية إلا أن تشكو الحال لصديق زوجها القديم مستغيثة به لا بسواه بعد رب العباد. وما كان من رياض إلا أن يجيبها "يا حيا الله" تبعاً لفطرته ونخوته وقد تحركت فيه الغيرة العراقية وجاء من فوره لينتشل أم خطاب وابنها من موت محقق أو ضياع مؤكد ويحملهما معه إلى مدينته الآمنة الناصرية ويستضيفهما في بيته وإن كان آيلاً للسقوط أو على وشك تصنيفه ضمن الآثار المندرسة. نعم رياض أو أبو مصطفى ـ كما يحب أن ينادى ـ يسكن وعائلته بيتا أو بقايا بيت في إحدى العشوائيات بمدينة الشطرة ويعاني الفقر وشظف العيش، لكن ذلك لم يمنعه من اقتراض مبلغ(200) ألف دينار ليحول(30) ألفاً منه كرصيد لهاتف تلك الحرة التي انتخت به ووثقت برجولته ومن ثم ليدفع أجرة السيارة التي استقلها لتوصله إلى جسر بزيبز حيث تنتظر أم خطاب زوجة زميله الفلوجي الذي تعرف عليه أيام كانا يعملان سائقين لشاحنتين في موانئ البصرة قبل حلول ظلام داعش على البلاد. قصة أم خطاب وأبي مصطفى كثيرا ما تتكرر في بلد كالعراق ونادرا ما تحدث في غيره من البلاد، لكن الإعلام لا يصطاد اللئالئ غالباً وإنما يكتفي بالصدفبالإضافة إلى أن العراقيين تعودوا على مثل هذه الأمور وباتوا يعدونها من القيم والأعراف والواجبات ويحجمون عن التكلم فيها لوسائل الإعلام خشية أن يحسبها الجاهل رياءً، رغم أنها في الوقت الحاضر تدعو الجميع إلى ضرورة نبذ الخلافات ورفض التفرقة وتلقن السياسيين درساً في الوحدة الوطنية الحقيقية بعيداً عن الشعارات الجوفاء التي اعتادوا على إطلاقها في الهواء كالعيارات النارية. التقرير التلفازي الذي رصد هذه التفاصيل ولملم شتاتها ليصوغ حكاية أم خطاب وبطلها الغيور أبي مصطفى استفز وزير التجارة "سلمان الجميلي" وحرك غيرته أيضا بحسب وكالات الأخبار فقرر أن يلعب دور بطولة ولو ثانوية إلى جانب رياض ودفع ما مقداره(مليونين وخمسمائة الف دينار) من حسابه الخاص مساعدة لأم خطاب تستعين بهفي تأمين متطلبات حياتها وتعهد بدفع بدل الإيجار لدار اختيرت لتسكنها وطفلها المريض الذي حظي أيضا برعاية الوزير وتأمينه العلاج اللازم لحالته المرضية إلى حين عودتهما إلى الفلوجة مع من سيعودون لمدينتهم المحررة من عصابات داعش الإرهابية. ولم يفت الوزير أن يكرم صاحب الدور الأساس رياض ويكافئه بمليونين وخمسمائة ألف دينار أخرى مع زي عربي كامل تقديراً لموقفه الإنساني والوطني النبيل وتمجيدا للمثل الذي جعله مقياساً لنخوة أهل الجنوب وتحديداً الناصرية. نون: حيدر السلامي
أقرأ ايضاً
- رغم المرض والشيخوخة "حبوبات" ثمانينيات يطعمن المشاية خبز "السياح" الجنوبي
- بعد تنامي حفر الآبار.. هل تنضب المياه الجوفية في الجنوب؟
- بدعم ممثل السيستاني :طفل يمني يلجأ إلى كربلاء معاقا ويعود إلى أهله ماشيا بساق صناعية..فيديو