حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ يمكن القول ولو مجازا إن الحراك المدني السلمي في العراق ومنذ أن انطلقت شرارته في آب من العام المنصرم ممكن أن نطلق عليه ربيع عراقي بعد أن اقترنت عبارة ربيع سياسي عربي مع عربة محمد البوعزيزي التونسي تلك العربة التي أفاقت الجماهير من سباتها الطويل وكسرت حاجز الخوف والرعب الممتد لعقود من الاستبداد والتخلف والفقر والتهميش والهزائم القومية المدوية وكانت عربة البوعزيزي الفيصل مابين عهدين مابين الخنوع والركوع وبين التحرر ورفض الظلم والفساد، وبغض النظر عن مآلات الربيع العربي المؤسفة والمخيبة للآمال والذي استحال الى صقيع عربي موحش لأسباب ذاتية منها وموضوعية أدت الى سرقة جهود وتضحيات الجماهير وانحراف بوصلة التغيير باتجاه اخر، فان الربيع العراقي ربيع حقيقي مازالت مآلاته في طور التبلور والنضوج فهو ربيع متحضر وعقلاني ومسالم لم ينطلق بشعارات رومانسية او زئبقية فضفاضة لايمكن تحقيقها على ارض الواقع او شعارات تخفي وراءها سيناريوها دمويا مدمرا لا يتحقق إلا بسفك الدماء كشعارات (يسقط) و(ارحل) التي نغصت عيش الطغاة الذين قاوموها بالحديد والنار وبما يشبه الحرب الأهلية كما حصل في ليبيا فلم يرفع الحراك المدني في العراق شعار (ارحل) رغم ماترسب في مخيال الشارع العراقي من سمعة سيئة اقترن بها الأداء الحكومي فضلا عن السمعة السيئة لعموم السياسيين المنضوين في العملية السياسية ولم تنفك متلازمة (سياسي / فاسد) عن اي سياسي عراقي طيلة السنين الـ 13 المنصرمة . فالربيع العراقي الذي تمخض في هذا الحراك المدني العفوي المستند على وعي جماهيري بضرورة التغيير السلمي وعدم الركون الى الفساد والظلم، لم يرفع شعارا انقلابيا او راية التسقيط وإلغاء العملية السياسية برمتها وتغيير الديكور السياسي بديكور أخر يتلاءم مع أمزجة البعض، كما لم يحدث بفواعل إقليمية مؤثرة بل كان ربيعا عراقيا خالصا طالب بإجراء إصلاحات حقيقية لهذه العملية، ورفع الاختلالات التي أصبحت داء عضالا (المحاصصة والفساد) من الجذور ولم يطالب هذا الحراك بعملية تجميلية او ترقيعية لما تشوه من العملية السياسية، الوجه الذي يفترض به ان يكون جذابا جميلا بعد سنين من التشوه والتشويه المتعمد بفواعل إقليمية / وداخلية وبعضها من صلب العملية السياسية نفسها مرتبطة بأجندات خارجية مريبة وبعد سلسلة مخاضات عاشها الشعب العراقي دفع ثمنها باهظا وقبل أن ترجع البلاد الى نقطة الصفر أي الى ماقبل هذه العملية التي تمأسست على قواعد تأسيسية متعثرة وخاطئة (فشل التأسيس الدولتي الاخير) رافقتها خطايا سوء الإدارة والتخبط الناتج عن قلة الخبرة وعدم النضوج السياسي الكافي لإدارة دولة مابعد التغيير النيساني، فلم يرفع العراقيون شعار (ارحلْ) بل شعار (أصلِح) و(اضرب) الفساد بيد من حديد ولاتخشَ في الوطن لومة لائم. الربيع العراقي ربيع الاستحقاقات التاريخية للِشعب العراقي تلك التي لم يحصل على الحد الأدنى منها، طموح الربيع العراقي كان ابعد من الشعارات التي رُفعت في ثورات الربيع العربي، طموحه تجسد في إقامة حكومة مؤسسات في دولة مدنية عصرية تتمتع بالحكم الرشيد وهو الحكم ـ حسب التعبير المبسط له ـ الذي يعزز ويدعم ويصون رفاهية الإنسان ويقوم على توسيع قدرات البشر وخياراتهم وفرصهم وحرّياتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ويسعى إلى تمثيل كافة فئات الشعب تمثيلا كاملا وتكون مسؤولة أمامه لضمان مصالح جميع أفراد الشعب وهو ذاته كان مطلب مرجعية آية الله السيستاني (دام ظله) قبل أن يعلِّق إبداء رأيه السديد في الشأن السياسي وبقراءة مقتضبة لهذا التعريف نجد أن الشارع العراقي الذي انتفض وطالب بالإصلاح لم يتمتع بالحد المقبول من الرفاهية التي تحفظ له كرامته كما لم يتم الاستثمار الأمثل لطاقاته في بناء دولة عصرية بعد أن احتكرت الطبقة السياسية التي جاءت على أنقاض الديكتاتورية، احتكرت كل الفعاليات السياسية والاقتصادية وحتى المجتمعية ولم يتمتع بحقوقه كافة كما ابتلع الفساد المالي والإداري الذي تفشى في جميع أروقة الدولة ماتبقى من هذه الحقوق فانتفض الشارع العراقي مطالبا بالإصلاح ومكافحة الفساد واسترداد الأموال العامة التي نهبت طيلة السنين المنصرمة وأدركت الجماهير ان الإصلاح الحقيقي يكمن في الآليات والأرضية التي انطلقت منها العملية السياسية وليس تغيير وجوه ومناقلة مناصب وإرضاء أمزجة أحزاب ورموز، وهو إصلاح ينقذ العملية السياسية من مآزقها ومطباتها لئلا يضيع المنجز النيساني كما ضاعت منجزات الربيع العربي وصارت من أرشيف الماضي الغابر. أقول:صحيح مايقال ان الجوع كافر فان اغلب الثورات التي اندلعت في التاريخ كان سببها يتمثل في حرمان الشعوب من مقومات المعيشة وانتهاك كرامة المواطن المغلوب على أمره إلا أن الربيع العراقي وان كان اندلع لأسباب تتعلق بمعيشة المواطن العراقي في حينها كملف الكهرباء في الصيف القائظ الذي أشعل فتيلة هذا الربيع فان المطالب الشعبية أضحت تنادي بوجوب إنقاذ العملية السياسية نفسها ووضعها على السكة الصحيحة وليس تحسين الواقع المعيشي فقط الذي قد يتعافى ولكن تبقى العملية السياسية تشكو من دائها العضال كما يحصل حاليا. كاتب عراقي