حجم النص
بقلم اسعد عبد الله عبد علي الأحداث كانت تتسارع, بعد التدخل الأجنبي في العراق, الطاغية صدام يفر إلى جحره الأثير, وأجهزته القمعية تتلاشى, وتتماهى مع بعض الكيانات الجديدة, والمحتل يسعى لتوسيع الخراب, فيأمر بحل الجيش العراقي, بخطوة درسها جيدا, عندها كان رجوع السيد محمد باقر الحكيم, هو الحدث الأبرز, لما يمثله من رمزية كبيرة للعراقيين, وكان دخوله للعراق ومروره بالمحافظات, حدث كبير, وحفاوة الاستقبال الجماهيري, دليل على عمق الارتباط, والشعبية الكبيرة للسيد داخل العراق. قرر السيد أولا, أن يستقر في مدينة أجداده (النجف الاشرف), ويتفرغ لأمور المرجعية, فكانت صلاة الجمعة في مرقد الأمام علي عليه السلام, منبر هام لأهل العراق بكل أطيافه, ينتظرون ما يطرح من أراء وأفكار, حول مستقبل العراق, وكيفية علاج المشاكل الآنية, خصوصا أن البلد في ألأشهر الأولى, التي تلت زوال الطاغية وزبانيته, كان في فوضى كبيرة, وكانت خطابات شهيد المحراب تضع خطوط عريضة للساسة, وداعمة للوحدة الوطنية, لأنه كان يراها الحل الأمثل, للوقوف لما يراد للعراق, من مخطط مرعب يسعى إلى تفتيته. يمكن حصرا المتهمين, بعملية الاغتيال بأربع جهات, هي المستفيد الأول مما حصل, وهي: أولا: الإدارة الأمريكية: بعد أن تحول منبر شهيد المحراب, لأداة ضغط على السلطة الأمريكية التي جلست في قصور بغداد, لترسم ملامح الفترة المقبلة, فكان منبر السيد الحكيم, يمثل لهم وعلى مدار ثلاث أشهر, حالة متعبة جدا, خصوصا أن ما يقوله السيد الحكيم, تتلقفه القنوات والصحف المحلية والعالمية, لذا كان أمر قيامها بخطوة قذرة, في سبيل حماية مخططها من الزوال, أمر حتمي الوقوع. ثانيا: بقايا البعث: أما أيتام صدام, ففي تلك الأيام كانوا متماسكين سرا, خصوصا مع بقاء صدام حرا, وكان يعتبر شهيد المحراب, العدو الرئيسي لصدام والبعث, فعملية اغتياله هدف رئيسي, لن يتركها بقايا البعث تذهب عنهم, كي يدخل البلد في متاهة, وكي تعود الروح لتنظيمات البعث, باعتبار الخطوة ذات مكاسب معنوية كبيرة, ومع وجود القدرات الإجرامية, لما يحتويه تنظيمات البعث, من خبراء في عمليات الاغتيال, فكان أمر قيامهم بالخطوة, متوقع جدا. ثالثا: الجماعات الإرهابية: الطرف الثالث للجريمة, وهو الجماعات الإرهابية التي بدأت بالتشكل, لتكون الحربة التي يضرب بها الآخرون, من قبيل أمريكا والبعث, وهم يتحركون في كل مكان نتيجة غياب الأمن, وتفكك الدولة, وانتشار الفوضى في كل مكان, فكان من المتوقع أن يدفع البعث, بخلية وهابية للقيام بالعملية, وفي النجف بالتحديد, هذا الكلام كان غير خفي, على الطبقة القريبة من السيد الحكيم, لذا كان يجب أن يكون تحسب للأمر. رابعا: العامل الإقليمي: يمكن اعتبار العامل الإقليمي مثل السعودية أو إسرائيل, من العوامل المؤثرة في واقعة الاغتيال, خصوصا انه شخصية معروفة إقليميا, لما يملكه من علاقات كبيرة, مع الرؤساء والملوك والأمراء, وهذا يخيف بعض البلدان التي تريد عراق معزول بقيادة ضعيفة ومنبوذة, فكان القرار بتصفية الشهيد, وبما أن ارض العراق الرخوة جدا, نتيجة تفكك مؤسسات الدولة وانفتاح الحدود, وتمثل فرصة لا تعوض للبعض, لتصفية الحسابات. ومع متابعة التقارير, التي تلت عملية الاغتيال, كان يبدو إن التدابير الأمنية في النجف ضعيفة جدا, عن جهل أو عن قصد, بل إن خط سير السيد الحكيم, كان معروفا حتى لعوام الناس, من أين ينطلق, ومن أي باب يدخل لمرقد الإمام, ومن أي باب يخرج, مما يدلل على وجود خلل فاضح, في فهم طبيعة الظروف, حيث المعلومة الأمنية, وبرامج الحماية, كان يجب أن تكون أولوية, بالإضافة لوهن الدولة واختراق أجهزتها. عملية الاغتيال الآثمة حدثت, بترابط عناصر الشر الأربعة, بالإضافة لضعف القراءة لما يحصل, فكانت الخسارة الكبيرة, برحيل رجل كان العراقيون بأمس الحاجة لتواجده, في فترة مفصلية, لكن أرادة الشر كانت أقوى, بسبب تماهل وتكاسل الأخيار, ضاع علينا أكمال الحلم, ودخل البلد في متاهة, والى ألان نحن ضائعون فيها.