- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
ركبوا المنابر وارتكبوا المجازر
حجم النص
بقلم:حيدر السلامي ليعذرْني علماء العربية والمهتمون بشؤونها والناطقون بها على استعمالي لفظ الركوب للمنبر بدل الاعتلاء أو الارتقاء وأمثال ذلك مما هو شائع في التداول ذائع في الاستعمال. أما سبب اطلاقي كلمة الركوب، فلأني أريد المقابلة بين السفينة والمنبر من جهة وبين ما استبطنته الكلمتان من معانٍ ودلالات في تراثنا العربي الإسلامي من جهة أخرى. فلربما كان المنبر سفينة ضخمة فخمة تقلك إلى ساحل النجاة والهدى أو كان جملاً أحمر أعور يزل بك إلى مهاوي الهلاك ويضلك في مفاوز الردى. وكم من واعظ بليغ الوعظ لغيره، يركب صهوة المنبر اللينة الطيعة وقد اسلمته زمامها لساعة أو ساعتين أو أكثر، ليزن الكلام ويزيل الإبهام فيبهر الجلاس تحت قدميه وبين يديه وحواليه. يورد الشواهد ويسوق الأمثلة ويقيم الأدلة ويأتي بالبراهين ويفجر بعصا حكمته وفصاحته البراكين بيد أنه وما إن يكمل القول يبادر إلى نقضه بالفعل، فإذا هو كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً. ما أكثر هؤلاء في بلادنا؟! وما أكثر المخدوعين بهم؟! سرح النظر طويلا، يمينا وشمالا، تجد العشرات بل المئات بل الألوف ممن حملهم شوق الاطلاع وتوق الاستماع إلى الموعظة الحسنة يفترشون التراب. وليت الأمر توقف عند هذا الحد بل إن كل واحد من الحضار قد جاء حين جاء حاملا هاتفه الذكي ليصور المقاطع ويسجل الكلمات ثم لينشرها في المواقع ويبثها هنا وهناك عبر شبكات التواصل فيزيد التفاعل ويكثر التناقل والأدهى منه أن كلاً من المتداولين يقسم على الآخر بوجوب النشر والنقل والتعليق الإعجاب لئلا تقف عنده فلا تعم الفائدة وينقطع النفع ويقل الأجر. نعم.. لو عدنا إلى أصل الموضوع لوجدنا فيه خيرا كثيرا، فأين المشكلة؟! تكمن المشكلة في أننا نقع دائما وبشكل متكرر ومستمر في الوهم ونجلب لأنفسنا الوهن من حيث لا نشعر فنصنع للخطيب دعاية ما كان ليحلم بها أقرانه ونطوقه بهالة من القداسة تصل إلى درجة العصمة بل تفوقها أحيانا، وبذلك نمنحه على مرً الأيام حصانة تصد عنه سهام النقد وتحرم حق الرد فيصبح هو المتن والهامش كليهما فلا يتجرأن أحد على الخوض في التحقيق والمناقشة والتدقيق، وهل بعد عبادان قرية؟! هكذا وبفعل الببغاوية وسيادة العقلية النقلية غير النقدية، الفاقدة للقدرة على الاختيار والاختبار والنقد والتحليل والربط والاستنتاج، لا القص واللصق والاستنساخ، إلى جانب عوامل أخرى، يتحول الرجال إلى رموز و(أيقونات) وأصنام وآلهة أو أنصاف آلهة. بالطبع نحن هنا لا نعمم إذ ليس جميع الخطباء والوعاظ يتصفون بما ذكرناه من الصفات وليس كلامنا موجها إليهم أو يستهدفهم بأنفسهم أو يعنيهم أصلا، وإنما نحن نقصد الظاهرة عينها ولكل قاعدة شذوذ كما نعلم. الخطورة في تعاملنا نحن مع المتكلم الواعظ وليست الخطورة في تعامله هو مع نفسه ومعنا. فنحن من يصنعه تمثالا وننكب عليه، لأقدامه مقبلين ونقع له ساجدين، من دون سابق طلب منه أو أمر من الله تعالى ورسوله. روي عن الإمام الجواد عليه السلام: (من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق عن الله فقد عبد الله، وإن كان الناطق ينطق عن لسان إبليس فقد عبد إبليس). هذا يدعونا إلى إنعام النظر والفحص والتدقيق والتمحيص الشديد في اختيار (ما ومن) نصغي إليه، فلعله لا ينطق عن الحق جل وعلا وبالتالي نعير سمعنا للشيطان. بعض الناس وصلت معهم الحالة إلى مستوى أنك تقول له قال الله تعالى أو رسول الله تعالى أو تقول له قال الإمام أو المرجع فيرد عليك ببرودة أعصاب قائلا: قال فلان أي الخطيب الكذائي. إذاً.. فمسؤولية راكب المنبر جسيمة جدا وعليه ألا ينطق عن الهوى والسياسة والمتغيرات الأخرى وينبغي له اتباع الهدى واقتفاء الأثر والأخذ من المنابع الصافية والمناهل النقية فلا يلجأ إلى الأنهر والترع المتفرعة عنها بعشوائية من دون غربلة. ينسب لعلي عليه السلام القول: "ليت لي رقبة كرقبة البعير لأزن بها الكلام قبل خروجه". فأمير المؤمنين عليه السلام وهو من هو يتمنى لو يتأخر في الكلام قبل أن يلفظه. ذلك أن الله تعالى يقول(ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) ويقول(ولا تقف ما ليس لك به علم). هذه النصوص وكثير غيرها بينت لنا مسؤولية الأقوال فضلاً عن مسؤولية الأفعال والأخيرة على خطورتها لا تمثل إلا نتيجة للأولى فالقاعدة في معظم الأوقات (لولا القول لما وقع الفعل). من هنا نلحظ تأثر الشباب المسلم بفتاوى التكفير والتفجير والذبح والقتل واغتصاب النساء وسائر الأعمال الإجرامية في الدول والممالك المتورطة بالإرهاب أو الممولة لأنشطته. تلك الفتاوى تسحر عقول الشبيبة وتغسلها وتستحوذ عليها بالكامل فتمحو وتقتلع قيماً وعقائد وتستنبت أخرى جديدة فتؤدلج الشباب وتبرمجه وتهيمن عليه روحيا وفكريا فتجعل منه وسيطا في دائرة ما بات يعرف مؤخراً بـ(التوحش). إن ركاب المنابر من هذا النوع وبخطابهم التحريضي الفتنوي ارتكبوا المجازر وتسببوا في هلاك الأمم والشعوب وزرعوا الفتنة ووزعوا جناها وحصيدها على الجميع وبالتساوي ومنعوا من ركوب السفن الناجية في عملية تدوير وإعادة إنتاج لما أحدثه أسلافهم الأمويون ومن لف لفهم. ومع ذلك كله نرى ونسمع نوحا والحسين وأضرابهما يلوحون وينادون آناء الليل وأطراف النهار بصوت لا أحنى منه ولا أبهى(يا بني اركب معنا) وبين منبرهم ومنابر القوم كفاصلة السماء عن الأرض.
أقرأ ايضاً
- ارتكاب المجازر عقيدة حرب صهيونية !!
- قائمة بأسماء الذين ركبوا موجة التظاهرات
- بعدَ مرور خمسة وثلاثينَ عاما الرادود الملا حمزة الصغير لا زال شدا المنابر