- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
أُسُسُ الحَرْبِ النَّفْسِيَّةِ في الخِطابِ الزَّيْنَبِيِّ (٧) وَسَيَعْلَمُ مَنْ بَوَّأَكَ وَمَكَّنَكَ!
حجم النص
بقلم:نـــــــــــــــزار حيدر المُلاحظ في خطابات أهل بيت النبّوة والرّسالة والإمامة، أهل البيت عليهم السلام، ما يلي؛ الف؛ لم ينجرّ الى الواقع المر ابداً وانّما يسعى لانتشالهِ وتنميته والارتفاع به، قد يسمِّيه ويعترف به، ولكنّهُ ابداً لم يستسلم له. باء؛ لم ينشغل بالتّوافه من الامورِ وانّما همُّهُ الاستراتيجيات، البحثُ فيها والتّنبيه اليها والدّعوة لها. جيم؛ نظرتُهُ مستقبليّة دائماً وهو يمرُّ على الماضي كمدرسةٍ يذكّر بها الامّة ليعلّمها بها لتكرّر الصّحيح وتتجنّب الخطأ. دال؛ وأخيراً، فهو يُعالج الأسس ولا يكتفي بوصف الواقع. هذا النّوع من الخطاب يستمدّ قوّتهُ وشرعيّتهُ وأصالتهُ من القران الكريم، كما في قوله تعالى {فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ* وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ* فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ* وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ* تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}. ولقد جاء سياق الخطاب الزّينبي متوازياً مع هذا الخطاب القرآني عندما خاطبت الطّاغية يزيد في مجلسهِ بقولها عليها السلام {وَسَيعلَمُ مَنْ بَوَّأَكَ وَمَكَّنكَ مِنْ رِقابِ المسلمينَ أن بِئْسَ للظّالمينَ بَدلاً، وأَيُّكُم شَرٌّ مكاناً واضلُّ سَبيلاً}. انّهُ الخطاب الرّسالي الذي يهتدي لعواقب الامورِ قبل ان يفكّر بحاضرها، ويهتدي الى النّهايات قبل ان يطمع بالعاجلِ من النّتائج، وصدق امير المؤمنين (ع) الذي أوصى بقوله {الْعَمَلَ الْعَمَلَ، ثُمَّ النِّهَايَةَ النِّهَايَةَ، وَالاسْتَقَامَةَ الاسْتِقَامَةَ، ثُمَّ الصَّبْرَ الصَّبْرَ، وَالْوَرَعَ الْوَرَعَ! إنَّ لَكُمْ نِهَايَةً فَانْتَهُوا إلى نِهَايَتِكُمْ، وَإنَّ لَكُمْ عَلَماً فَاهْتَدُوا بِعَلَمِكُمْ، وَإنَّ لِلاْسْلاَمِ غَايَةً فانْتَهُوا إلى غَايَتِهِ} ولذلك فان الّذين يفرحونَ بما كسبوا عاجلاً نسُوا انّ ذلك ليس نهاية النّطاق ابداً كما انّهُ ليس نهاية العالَم، بل انَّ لهذا اليومِ الذي يعيشهُ الانسان يومٌ آخَرَ بعدهُ، ولو انّ مَن استخلفهُ الله تعالى في السّلطة في بغداد بعد ان أَهلك الطّاغية الذليل صدام حسين ونظامه البوليسي الشّمولي بهذه الطّريقة وتذكّروا ان الاعمال بخواتيمِها وانّ الْيَوْمَ له ما بعده، لما مارسوا كلّ هذا الفساد المالي والاداري وأضاعوا الفُرص على العراقيّين وضيّعوا مستقبل ابناءهم عندما استأثروا بكلِّ شَيْءٍ من اجل ابنائهم وأنسابهم وأقربائهم وأُسرهم ومحازبيهم وزبانيتهم، خاصّة أولئك الذين ينحدرونَ من تاريخٍ جهاديٍّ عريق سِمَتُهُ الدّين والتديّن وهويّتهُ منبر الحسين (ع) والانتماء للمرجعيّة الدّينية ودماء الشّهداء الابرار وآهات الثّكالى وأنين الأيتام وحسَرات الآباء والامّهات الذين ماتوا قبل ان يرَوا صنعَ الله تعالى بالطّاغية الذّليل!. انّ ايّ خطابٍ لا يأخذ بنظر الاعتبار المواصفات التي صدرنا بها هذا المقال ليس بخطاب رسالي ابداً بغضّ النظر عن هويتهُ وعنوانهُ وشعاراتهُ، فالخطاب الذي يشغل النّاس بالتّوافه من الامور ويتداول التّوافه من الأخبار التي منشأها عادةً أعداءنا من أيتام الطّاغية مثلاً او الاٍرهابيّين، وان الخطاب المشغول ليلَ نهار بعملية الاستنساخ واللّصق حتى قبل ان يقرأ المحتوى ويفكّر بالرّسالة التي يُرِيدُ ايصالها للرّاي العام عبر تمريرها من خلالنا، انّ هذا الخطاب أخطر بكثير جداً من الخطاب الإرهابي ورسائلهِ، لانّه يصلنا من (ثُقاة) ونتداولهُ على أيدينا ولذلك نسلّم به من دون ايّ نقاش ونعتمدهُ بلا ايِّ شكٍّ او ريبةٍ. وا أَسفاهُ على أنفسِنا، وا أَسفاهُ على عقولِنا، وا أَسفاهُ على وعيِنا، وا أَسفاهُ على طريقة تفكيرِنا، فلقد باتَ ما يصلنا عبر وسائل التّواصل الاجتماعي ومجموعاتِها المنتشرة في صفوفنا هي (القرآن) الجديد الذي نسلّم لآياتهِ فنتعبّد برسائله فنستشهد بها ونتناولها ونبني عليها وعينا ومسلّماتنا بلا نقاشٍ او رويَّةٍ او توقُّفٍ او تثبُّتٍ أَبداً. لقد وصفَ امير المؤمنين عليه السلام الخطاب الرّسالي بجملتَين رائعتَين هما الأساس الذي يجب ان نبني عليه خطابنا اليوم، يقول عليه السلام {إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ هُمُ الَّذِينَ نَظَرُوا إِلَى بَاطِنِ الدُّنْيَا إِذَا نَظَرَ النَّاسُ إِلَى ظَاهِرِهَا، وَاشْتَغَلُوا بِآجِلِهَا إِذَا آشْتَغَلَ النَّاسُ بِعَاجِلِهَا}. خطابُنا يجب ان يعتمد على شيئَين أساسيَّين؛ الشيء الاول؛ النّظر الى باطن الامور وليس الى ظواهرها، فمن ينشغل بظواهرِ الامور سيتعب ويستهلك نَفْسَهُ قبل ان يصلَ الى ايّةِ نتيجة، فالأمور لا يمكن إصلاحها والحياة لا تنمو وتتطوّر اذا انشغل الانسان بظواهرِ الامور، اذ سيبقى في دوّامةٍ يدور في حلقةٍ مفرّغةٍ، وهو حالنا اليوم للاسف الشّديد فلذلك ترانا مشغولون بصراعاتٍ جانبيّةٍ نُناقش أتفه الأشياء ونُجادل في أتفه الامورِ، نجلد ذاتنا ونطعن أنفسنا بظهورنا! وكلُّ واحدٍ منّا يتصوّر انّهُ يحقق فتحاً مُبيناً في ذلك وهو لا يدري انّهُ مشغولٌ بنفسهِ يُعالجها والعالم يسير ويتقدَّم بعيداً عنه. الشيء الثاني؛ النّظر الى المستقبل وعدم الانشغال بعاجلِ الامور، فما نراهُ اللّحظة سيكون تاريخاً بعد لحظةٍ من الزّمن، فإلى متى نظلّ نعيش اللّحظة من دون ان ننظر الى المستقبل لنفكّر كيف نبنيه وكيف نقدمهُ شيئاً جديداً للاجيال القادمة؟!. لنسمعَ ماذا أوصى امير المؤمنين عليه السلام ابنه محمد بن الحنفيّة عندما أعطاهُ الرّاية في يَوْمِ صفّين، يقول له عليه السلام؛ تَزُولُ الجِبَالُ وَلاَ تَزُلْ! عَضَّ عَلَى نَاجِذِكَ، أَعِرِ اللهَ جُمجُمَتَكَ، تِدْ في الاَْرْضِ قَدَمَكَ، ارْمِ بِبَصَرِكَ أَقْصَى القَوْمِ، وَغُضَّ بَصَرَكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اللهِ سُبْحَانَهُ. فأنت الذي تدّعي انّك تحمل اليوم راية الحسين (ع) راية الكرامة الانسانيّة، كيف تجيزُ لنفسِك ان تنشغلَ بالتّوافهِ من الامور؟ وكيف تسمح لنفسِك ان تتردّد في إيمانك؟ وكيف تشكُّ في متبنّياتك واهدافِك لكلمةٍ تسمعها او رأيٍ تقرأهُ؟ وكيف تسمح لنفسِك ان تكون ظهرهُم المركوب وضرعهُم المحلوب؟ وأَمير المؤمنين عليه السلام يقول {كُنْ فِي الْفِتْنَةِ كَابْنِ اللَّبُونِ، لاَ ظَهْرٌ فَيُرْكَبَ، وَلاَ ضَرْعٌ فَيُحْلَبَ}؟. كيف تسمح لنفسكَ ان تنشغلَ بصناعةِ طاغوتٍ او قائدٍ ضرورة او تدعو لعبادةِ شخصٍ او (عِجْلٍ) وانت ترى كلّ هذه التحدّيات العظيمة التي تنتظرك والتي تواجهها الامّة؟!. الى متى ننشغل بانفسِنا أكثر بكثير من انشغالِنا بأهدافِنا المقدّسة؟ هل نَحْنُ مُنتبهون ما الذي نفعلهُ بانفسِنا؟ حربُ دعايات، تسقيط مُتبادل، شتائم وفضائح مُتبادلة، دعايات مشبوهة وأكاذيب مفبركة، هي الاخرى متبادلة! عمليّةُ جلدٍ للذّات مستمرّة دون توقّف!. مشغولون بفلسفةِ الهزيمةِ والفشل وكلّ ما هو تافه من الامور والاشياء، وتركنا الاستراتيجيّات والاهداف الحقيقيّة والانجازات التّاريخية، التي خُلقنا من اجلها لنرثَ الارض، خلفَ ظهورنا!. لو ننتبه لانفسِنا قليلاً لاكتشفنا انّ تسقيطنا لِبَعْضٍ أضعاف ما يفعلهُ عدوّنا بِنَا، فإلى متى؟!. نَكذِبُ ونُصدِّق! نَكذِبُ ونستَغرِب!. E-mail: nhaidar@hotmail. com