- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
التّغييرُ ضَرورَةٌ وَلَيْسَ تَرَفاً
حجم النص
بقلم:نــــــــزار حيدر توطِئةٌ بقلم رئيس التّحرير أكرم سليم عانت جميع شعوب الارض من الويلات والحروب والكوارث الطبيعية وغيرها، وفي لحظةٍ تاريخيةٍ ما إستجمعت قواها وعناصر قوّتها وأستعادت زمام المبادرة وشرعَت بالنّهوض وبدأت بتحريك دورة الحياة فيها، والشّواهد على ذلك كثيرة. ولكلِّ أُمة من الأُمم وشعب من الشعوب مصادر قوّة، ولا يشذُّ الشعب العراقي عن هذه القاعدة. في هذا الحوار الذي اجرتهُ جريدة (أكد) الصادرة في تورونتو (كندا) مع نـــــزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، جرى فيه الحديث عن الإصلاح والتغيير الجاري في العراق، وكيفيّة تحقيق ذلك بما يتناسب وطموح الشّارع الغاضب المدعوم بالخطاب المرجعي الحاسم هذه المرّة. أدناه نص الحوار؛ س١: هل هناك طموح حقيقي للتغيير والنهوض لدى الشعب العراقي؟. الجواب؛ لا شكّ انّ هناك طموح وتطلع لدى العراقيين لتحقيق التغيير والنهوض من الواقع المر الذي يعيشهُ البلد، ولكن، وكما نعرف، فان هناك فرقٌ كبير بين الطموح والتطلع وبين العمل والفعل لإنجاز هذا الطموح والتطلع. هذا من جانب، ومن جانب آخر، فانّ لكل عمليّة تغيير أسباب وعوامل وأدوات، تختلف باختلاف الزّمان والمكان والظروف، فكلنا نعرف فانّ لكلِّ شعبٍ ولكلِّ أمةٍ خصوصيات معيّنة، لا يمكن لها ان تحقّق التغيير اذا لم تنطلق من هذه الخصوصيات وتأخذها بعين الاعتبار، فالتغيير لا يُستورد مع علب الشّوكولاتا مثلاً، ابداً، وانّما هو جهدٌ ذاتي قد يستفيد فيوظّف العوامل المساعدة على ذلك الا انّهُ لا يمكن ابداً ان يكون اي عاملٍ مساعدٍ هو البديل عن الجهد الذّاتي لإنجاز التغيير. من جانب ثالث، فانّ التغير يتحقق على مستويين؛ استراتيجي من خلال رسم الخُطط بعيدة المدى والتي تُلامس عادةً أسس التغيير الجذرية كالتّعليم مثلاً، وآنيّة او ما يسمّونهُ بالتّكتيكي، وهي التي تعتمد الخطط الآنيّة. مشكلتُنا في العراق ما يلي؛ أولاً؛ كلّنا نتكلّم عن التّغيير الا ان القليل جداً من يبذل جهداً حقيقياً لإنجاز التغيير، والأقل هم الذين يضحّون من اجل إنجاز هذا التغيير. ان التغيير لا يتحقق بالكلام والشّعارات والخُطب الرّنّانة وانّما بالفعل والعمل والجد والمثابرة والتّضحية. ثانياً؛ كلّنا نريد تغيير الواقع ولكن لا احد قرّر ان يُغير نَفْسَهُ، وكأنّ التغيير شيء يتم تركيبهُ فوق رؤوسنا من دون ان يقرر كلّ واحد منّا تغيير نَفْسَهُ. (٣٠) مليون عراقي كلّهُم يقولون (مَيفيد ويَّ العراقيين)! كلّما جرى الحديث عن التّغيير والإصلاح!. ثالثاً؛ كلّنا نُريد التغيير من فوق [الزّعيم، القائد، المسؤول، الرمز، الحكومة، البرلمان، الدولة] ولكن لا أحد يتذكر بأَنّ التغيير لا يأتي من فوق وانّما من تحت، اي من المجتمع، فما نراهُ اليوم من رؤساء وزعماء ووزراء ونوّاب هم نتاج المجتمع، فكيف نُريدُ ان نغيّرهم اذا لم يتغيّر المجتمع؟. رابعاً؛ كلّنا نفكّر بالتّغيير الآني ولكن لا أحدَ يُفكر بالتغيير الاستراتيجي ولذلك انشغلنا بواقعنا المرّ من دون ان نُنجز تغييراً، فبغَياب التّخطيط لإنجاز التغيير الاستراتيجي فانّ الواقع المرّ ينتج نَفْسَهُ يوماً بعد آخر مهما جرى اصلاحهُ وتغييره، لأنّ حقيقة مثل هذا التّغيير ترقيعٌ وليس إصلاحٌ. خامساً؛ وأخيراً، نحن نظنُّ ان التغيير مطلوبٌ عندما يفسد الواقع، وهذا خطأٌ فضيع، فالتغيير عمليّة مستمرّة ومطلوبة في كلّ الأحوال، فاذا فسدَ الواقعُ احتجنا لتغييرهِ لاصلاحهِ وإذا لم يفسد احتجنا لتغييره كذلك، لتطويرهِ، الاولى تغيير الفاسد والثانية التغيير للتطوير والنّهوض بالواقع، فالعالم يتغيَّر ويتطوّر ولذلك فانّ توقّف المجتمع عند نقطةٍ ما هو فسادٌ في حقيقةِ الامر بالمعنى الاعم والأشمل للمصطلح. ينبغي ممارسة التّغيير للتّطوير لنستبق احتمالات الفساد، فبدلاً من ان ننشغل لاصلاح الفاسد، ننشغل بالإصلاح والتحديث للتطوير. س٢: من أهم القيم التي غابت بسقوط النظام الشمولي البائد هي القيَّم الوطنية، فبتنا لا نسمع عن شئ إسمهُ الوطن! وأُستُبدل هذا المصطلح بالطائفة والمذهب والعشيرة؟. ما رأيكم بذلك؟ وهل هذا ما يريدهُ الدين والطائفة؟. الجواب؛ اذا غابَ الوطن في تفكير النّاس وسقطت الوطنيّة من عقل المجتمع، فلن تقوم له قائمة ابداً، خاصّة في بلدٍ متنوّع ومتعدّد في كلّ شيء كالعراق الذي لا تشخصُ الا الوطنيّة كقاسمٍ مشترك بين ابنائه، فلا الدّين هو القاسم المشترك ولا الطّائفة والمذهب ولا الاثنيّة ولا الحزبية ولا ايّ شَيْءٍ آخر، الوطنية فقط هي القاسم المشترك بين العراقيين وهي الحبل المتين الذي اذا تمسّك به كل العراقيين نهضوا بها. ولهذا السّبب تميّز الخطاب المرجعي بالحسّ الوطني بدرجةٍ كبيرةٍ، وهو يحثُّ على التسلّح بالحسّ الوطني عندما يمنع مثلاً من رفع غير علم العراق في سوح الجهاد ضدّ الاٍرهاب. المشكلة في العراق اليوم هي انّ كل القيم حاضرة في المجتمع الا قيمة الوطنيّة والمواطنة، فلقد تراجعت بشكل مخيف، ولذلك لا تجد اثنين يجتمعان على شَيْءٍ ويتّفقان على أَمرٍ. ولمن يتصوّر انّ الوطنيّة تُناقض مفاهيم الدّين او المذهب او الاثنيّة او العشائرية فهو واهمٌ، فالوطنيّة عمومٌ امّا القيم الاخرى فخصوصيّات، ولذلك فانَّ كلّ القيم الانسانيّة والسّماوية تدعو الى حب الوطن والتعايش مع الآخرين في إطاره وحدوده بقيمِ المواطنة. س٣: يشهد العراق تظاهرات في مختلف مدنه تطالب بالتغيير، والملاحظ ان مشاركة التيارات والقوى الاسلامية خجولة، وحتى الشخصيات الإسلامية ولو بشكل منفرد. ما السبب في ذلك يا ترى؟. الجواب؛ كلّ المتضرّرين من الإصلاح والحرب على الفساد لم ولن يشتركوا في هذه التّظاهرات، ولولا انّهم يخافون من الخطاب المرجعي الداعم لهذه التّظاهرات لأَمروا ميليشياتهم المسلّحة بالنّزول الى الشّوارع والسّاحات العامّة لقمع المتظاهرين وتفتيت وتفريق التّظاهرات والقضاءِ عليها، بل ولتمرّدوا حتّى على الخطاب المرجعي نَفْسَهُ. وانا شخصياً لا اتمنّى ابداً ان يُشارك مَن في السّلطة بهذه التّظاهرات لتكون علامةً فارقةً بين الشعب (الضّحيّة) والقوى السّياسية (الجلّاد) التي نهبت البلاد ودمّرتها وسلّمتها الى الإرهابيين، بعد ان انشغلت بصراعاتها على السّلطة ومغانمها وتركت البلاد والعباد طعمةً للارهابيّين وخططهم التدميريّة، وكلّنا نتذكّر جيداً كيف انشغل القائد الضرورة بفكرة (بعد ما ننطيها) هو والجوقة المستفيدة من عطاياهُ البائسة ليغفل عن (الفقاعة) التي تمدّدت وتمدّدت لتحتلّ نصف العراق!. س٤: ما هو نوع التغيير الذي تنشده القوى الإسلامية تحديداً إن كانت راغبة بالتغيير فعلاً؟. الجواب؛ دعني أولاً ان أُصحّح المفهوم، فأنا شخصياً لم أعُد اعتقد بالتّوصيفات المعهودة للقِوى السياسية، فبعد ان اثبتت التجربة بأنّ كل هذه المسمّيات ليست الا مجرّد أصباغ وألوان تطلي بها القوى السياسية نفسها وشعاراتها وازياءها لتضليل الرّاي العام وخداع السُّذَّج والبسطاء لتوظيفهم في صراعاتهم على السّلطة مع بقية القوى السياسية الاخرى، لا ينبغي ان نستمر في تكرار هذه التّوصيفات المُخادعة ابداً. لقد تورّطت كلّ القوى السياسية بالفساد والفشل، فهي اجتمعت على ذلك وافترقت بالتّسميات والمسمّيات، فالإسلامي والليبرالي والديني والقومي كلّهم مساهمون في صناعة الفشل، ولهذا السّبب لا اعتقد ان لأيٍّ من كلِّ هذه القوى السّياسية رؤية لإنجاز التغيير، وقديماً قيل [لو كانَ لبانَ]!. س٥: هل هناك قيادات فاعلة لدى الشعب العراقي قادرة على قيادة التغيير المنشود؟. الجواب؛ لم يُعدم الشعب العراقي مثل هذا النّوع من القيادات ابداً، فالمشكلة ليست بغياب او بعدم وجود مثل هذا النوع من القيادات النزيهة والكفوءة والقادرة، وأنما المشكلة في الشّارع العراقي الذي لم يكتشفها لحدِّ الان وإذا اكتشفها لم يلتفّ حولها ويمنحها الثقة لقيادتهِ، وذلك لعدّة أسباب؛ الاول؛ هو انّ الشّعب العراقي مؤدلج بكلِّ معنى الكلمة، الامر الذي تسبّب بغياب مفاهيم المواطنة والوطنيّة، وفي مجتمع مؤدلج من الصعب جداً وربما من المستحيل ان يتّفق الشّارع على قيادةٍ وَاحِدَةٍ، لأنّ معايير المجتمع في الاختيار ستختلف جذرياً من مكوّن لآخر. الثاني؛ بحث كل مكوّن عن مصالحهِ الخاصّة مع غياب المصالح العامّة، وبذلك تتقاطع المصالح ولا تجتمع على نقطةٍ مركزيّةٍ وَاحِدَةٍ يمكن ان تكون القاسم المشترك ببن الجميع. الثالث؛ كلّنا نعرف ففي مجتمعات العالم الثالث فان من يمتلك السّلطة والمال والاعلام والقوّة يمتلك كل شيء، بسبب تفشي مفهوم ان القوّة تعني الحقّ، فمن يمتلكها يمتلك الحق، ولذلك ترى الشّارع مع من يمتلك القوّة وليس مع من يعمل من اجل حقوقهِ لتحقيق العدالة الاجتماعيّة. س٦: رغم كلّ المحن التي أصابت الشعب العراقي قبل وبعد سقوط النظام إلا أنه لازال عاجزاً عن فعل أي شئ لا بل هناك حالة تكريس لواقع الحال المزري وإشاعة الأمر على أنهُ (قدر). الجواب؛ وهذا من المفاهيم الخاطئة التي تدمّر ايّ مجتمعٍ يأخذ به. ان المجتمع العراقي لا يتخلف بدمائهِ وجيناتهِ عن ايِّ مجتمعٍ آخر في هذا العالم، فلماذا حقّقت الكثير من شعوب الارض التغيير الذي أنشدتهُ ولم يحققهُ العراقيّون على الرّغم من أَنَّهُم حصلوا على فرصة العمر والفرصة التّاريخيّة والذّهبيّة لإنجاز هذا التغيير؟!. على العراقيين ان يطّلعوا على تجارب الشعوب الناجحة ليتعلّموا منهم أُسس وعوامل التغيير ليُنجِزوا ما انجزتهُ تلك الشّعوب النّاجحة. كفى العراقيّون الالتفات الى الماضي، فانّ عليهم ان ينظروا الى المستقبل مستفيدين من الماضي كدروسٍ وعبرٍ وتجارب. انَّ التوقّف عند الماضي يضيّع الحاضر ولا يرسم ايّ مستقبلٍ للشعب، ولاجيالهِ الجديدة. س٧: هناك الكثير من أبناء الشيعة تحديداً حينما يقال لهم لماذا أنتم خانعون وخاضعون لهذه المظالم، فأنه غالباً ما تكون الإجابة: نحن بإنتظار ظهور الإمام المهدي المنتظر (عج) وما نراه من مظالم أمرٌ طبيعي لأن الأرض لابدَ ان تمتلئ ظلماً وجوراً كي تتوفر أسباب الظهور! كيف تفسرون لنا ذلك؟. الجواب؛ انّها ثقافة المهزومين والفاشلين والتبريريّين الذين يبحثون عن شمّاعة لتعليق أسباب فشلهم وتقصيرهم عليها. الانتظار بمفهومهِ العميق والصّحيح تغييرٌ نحو الأفضل وتطلّع للمستقبل، امّا الذي يتّخذ من مفهوم الانتظار علّة للتّقاعس وتبرير الفشل والسّكون فهو يضحك على نَفْسهِ ليبّرر لها هزيمتهُ امام تحدّيات الواقع والحياة. انّ مفهوم الانتظار يحرّض على الحركة والإنتاج والانجاز السّليم والنّجاح والتقدّم والتّطوّر، فمن لا يحقّق له المفهوم كلّ هذه المعاني فهذا يعني انّهُ يتعامل معه بالمقلوب {وَلُبِسَ الاِْسْلاَمُ لُبْسَ الْفَرْوِ مَقْلُوباً} على حدٍّ وصف أمير المؤمنين عليه السّلام. ختاما؛ شكراً جزيلاً للزّميل الاستاذ أكرم سليم لاتاحتهِ لي هذه الفرصة الثّمينة لاطلّ منها على القُرّاء الكرام في حديثٍ ذو شجونٍ هو الشّغل الشّاغل للسّاحة اليوم. داعياً العليّ القدير ان يوفّق الجميع لمراضيهِ، انّهُ نعم المولى ونعم النّصير، والحمدُ لله ربّ العالمين.