حجم النص
بقلم:هادي جلو مرعي كما العطشان الذي يردد عبارات بيرم التونسي عطشان ياصبايا عطشان يامصريين يمر علي صيف بغداد بلهيب مستعر يؤجج في روحي النار والغضب، وأتخيل نفسي واحدا من آلاف المتظاهرين في ساحة التحرير أشتم الحكومة وألعنها، وأتمنى لها أن تحترق وينزل عليها غضب السماء فيكون مصيرها كمصير عاد وثمود وأهل الرس وقوم لوط وآخرين الله يعلمهم لست أعلمهم. وأتمنى أن ينتهي الصيف على خير لعلي أتنسم عطر الشتاء، كنت من أيام في أستنبول وعندما همت الطائرة بالتحليق من مطار أتاتورك ليلا بإتجاه مدينة قصية في تلك البلاد كنت أرقب المدرج، وكانت قطرات الغيث تضرب المياه المتراكمة فيتشكل نوع من البحيرات الصغيرة الجميلة، وأرجو ان أصاب بالبرد وأعيش لحظات الإنفلونزا، وأن أسير في الشوارع ليلا ويضربني البرد القارس فأتلذذ ولاأضع ثيابا ثخينة على جسدي الحار المتوقد بشهوة الجوع للشتاء والمطر والبرد والطين وهو يجتاح قريتي البائسة شرق بغداد الأقل بؤسا من قريتي. عندما أنظر الغيوم البيضاء متناثرة في السماء أشعر بالأمل والحب، ورغم تفاهة الكثير من النساء لكن لابد من واحدة تتخيلها على سطح تلك الغيمة تتباهى بجمالها وترفض نظرية تفاهة النسوان، وتعلو مع الغيمة في السماء المزرقة بحثا عن حياة مختلفة تنأى عن السياسة والأمن والفشل والعمل والحرمان والمجاري المسدودة والمزابل المركومة هنا وهناك، وأشعر بالفرح إني أراها في العلية مبتهجة سعيدة وأتخيل إنها تبحث عني لتشتعل في أحضاني، لكن ريحا سامة في أوغست اللهاب تضرب رأس فأصحو من حلمي لينتابني كابوس اليقظة بفجيعة الحرارة العالية والغبار المتناثر والمتطاير، فلاأجد غيمة، ولاأثرا للمرأة، ولاشيئا في حضني سوى بعض الغبار. أستمتع بوحشية وأنا أرى أكوام الزبالة التي تراكمت في بيروت ومدن لبنان طوال الشهور الماضية وهي تتحول الى زوراق صغيرة تعوم على الماء الهائج في شوارع بيروت وتذهب بملايين الأطنان في البحر المتوسط، أشعر حينها إن بغداد على موعد مع الفيضان، فأمطار بيروت والإسكندرية وفلسطين وسيول سيناء وهيجان المتوسط والأحمر إشارات توحي بمقدمات عاصفة قادمة نحو العراق ونحن بإنتظارها. وحينها أشفق على دوائر البلدية وأمانة بغداد ومدن العراق الأخرى وأتساءل، هل نحن مستعدون لفعل شئ من أجل وقف طفح المجاري والإنسدادات التي فيها، أم إننا سنعيش مأساة كل عام. إنا سعيد بالمطر، بالفيضان، بالبرد، بكل شئ يأتي به الشتاء.. تعال يامطر فأنا بإنتظارك.