حجم النص
بقلم:عباس الصباغ ارتبطت سرديات المشهد العاشورائي منذ صبيحة عاشوراء ولحد الان بسيميائيات الرجولة والبطولة الخارقة والدم والدموع والفجيعة والظليمة على الإمام الشهيد ومصيره المفجع وترسخت في المخيال الشعبوي اقنوما إصلاحيا خالدا، فالإمام لم يخرج أشرا ولابطرا وانما لطلب الإصلاح، اعلن ذلك في اول بيان له غداة شروعه في مشواره الإصلاحي الباهظ، وطيلة اربعة عشر قرنا كانت عاشوراء القضية المركزية لطائفة كبيرة من المسلمين فيما كانت لطوائف اخرى قضية تبعث على الأسى الممض والإحباط العالي من واقع مر صودرت فيه نضالات نبي الاسلام واصحابه الميامين وحوّل البلاد الى حدائق خلفية لبلاط السلطان الجائر والمسلمين الى عبيد وإماء. لم تكن ثورة الامام الشهيد الإصلاحية حركة انفعالية او ردة فعل آنية ضيقة او فئوية قبلية او (مليشياتية) او تكتيكية مرحلية او ذات أهداف شخصية سطحية او لها مقاصد سياسية ضيقة تتعلق بالتنافس حول مراكز النفوذ، بل كانت ثورة زمنكانية شاملة وذات أبعاد إستراتيجية شاملة وافاق بعيدة المدى توخت ارجاع الامة الى عصرها الذهبي كما كانت في عهد جده الرسول وتصحيح الانحراف الكلي والشامل الذي اعتور هذه الامة الى درجة استمرائها فرض شخص ساذج ومتهور وفاسد كيزيد حاكما مطلقا والذي تم تتويجه بالحديد والقهر. ان الانحراف الذي اراد الامام الشهيد تصحيحه كان شرخا عموديا هرميا كبيرا وواسعا بدأ انحرافا سنتيمتريا ضيقا ثم توسع الى ما لانهاية له حسب رأي المفكر الايراني د. علي شريعتي ما ادى الى هذا المستوى الذي استدعى بان يرفع الامام الشهيد راية الاصلاح ضد الواقع الفاسد الذي تمأسس باستغلال نظرية (كما تكونوا يولى عليكم) تلك التي ابتكرتها السلطة الفاسدة ونسبتها للرسول تدليسا في إطار فلسفتها في تبرير اغتصاب السلطة وتثبيتها بأية طريقة (ميكافيلية) كانت، وتم تمريرها وفرضها بواسطة وعاظ السلاطين والماكنة الإعلامية والدعائية والطابور الخامس التابع للسلطة لإعادة إنتاج رأي عام متخاذل وممسوخ الهوية ومسلوب الإرادة وحشو سايكلوجية الجماهير المغلوبة على امرها وعقولها بأوهام من مثل ان الحكام هم من جنس الرعية فلا داعي للاعتراض مادامت الامور تنبع من فرضيات القضاء والقدر واسقاطات وجوب الرضا بما قدر الله، وان الحاكم الذي هو ظل الله في الأرض (بحسب نظرية كما تكونوا) لم يأت جزافا بل هو من صلب الامة التي تحولت من خير امة اخرجت للناس بحسب نظرية القران الكريم الى امة خاملة وخانعة ارتضت بالواقع الفاسد المتهرئ والرضوخ لطبقة حاكمة فاسدة، لكن الإمام الشهيد لم يقنع بنظرية (كما تكونوا) المزورة او يخنع لمروجي هذه النظرية التي تحولت الى فلسفة سياسية في تبرير آليات التسلط والاستبداد ووسيلة لتدجين البسطاء من البشر ولإرهاب من يفكر بالاعتراض، فأطلق لاءه الإصلاحية المدوية والتي ظلت أرشيفا امميا تستمد منه الثورات الإصلاحية والمناهج التي تتوخى الإصلاح ومحاربة الفساد والظلم، منطلقات برامجها الثورية والإصلاحية مستنيرة بماقدمه الإمام الشهيد في سويعات يوم العاشر من محرم الحرام سنة احدى وستين للهجرة اي بعد نصف قرن تقريبا من رحيل جده رسول الاسلام عن الدنيا، كانت عاشوراء الدامية محض سويعات لكنها اختزلت بدقائقها المرعبة دهورا كاملة كانت حافلة بالثورات الإصلاحية على كافة أشكالها وإيديولوجياتها ومناهجها الفكرية والعقائدية ومنها تعلم غاندي كيف ينتصر وكان انتصاره فاتحة عهد للهند الجديدة، وتعلم من عاشوراء الكثير من الثوار على كافة مشاربهم وإيديولوجياتهم الثورية الإصلاحية بالصورة السلمية والحضارية لان الإمام الشهيد لم يرفع السيف بوجه أعدائه الا في حالة الدفاع عن نفسه وعن عائلته وأصحابه الخلص الذين كونوا باجمعهم نواة جيش صغير جدا قاوم لوحده على رمضاء كربلاء جيشا إمبراطوريا عرمرما في ظل حرب ضروس غير متكافئة تخلى فيها الجيش الحكومي عن ابسط قواعد الرجولة والفروسية العربية فشن حرب إبادة وحشية لانظير لها في التاريخ ضدهم. ولكن الإمام الشهيد ـ الذي رفع لاءه الكبرى بوجه والطغيان والفساد الذي استشرى في جسد الأمة الفتية التي ارسى قواعدها جده النبي وكافح من اجل ذلك لأكثر من عقدين من الزمن تحمل خلالهما الكثير من التضحيات والمعاناة ـ لم يتراجع عن برنامجه الإصلاحي وظل متمسكا به مقدما من اجل تنفيذه اغلى التضحيات توَّجها بسقوطه شهيدا في زوال يوم عاشوراء الدامي فداء لبرنامجه الإصلاحي وترجمة لمبادئه السامية. وانطلاقا من لاء الإمام الشهيد التاريخية التي استحالت الى دستور إصلاحي انبثقت ملايين اللاءات العراقية في جميع ساحات التحرير في قلب بغداد وغيرها رافضة الواقع الفاسد المهيمن على كل مفاصل الدولة العراقية التي كانت نتاج العملية الديمقراطية التي تأسست على خرائب الدكتاتورية التوتاليتاليرية الشوفينية البغيضة وهي دولة الحلم التي أرادها الشعب العراقي ان تكون دولة الانجازات والرفاهية لكن الفساد الشمولي الذي استشرى في كل هياكل هذه الدولة حوّل ذلك الحلم الى كابوس مزعج كان العراقيون يصحون منه على اضغاث احلام تشي بأبسط الحقوق في العيش الكريم كمواطنين لهم الحق في ذلك ولكن لم تجر رياح التغيير بما تشتهيه سفن المواطن العراقي البسيط فانتفض وقال لا (لا لهذا الواقع) الذي لايليق بدولة كالعراق لها سمعتها الطيبة الضاربة في التاريخ، وللأسف والضاربة ايضا في معدلات الشفافية العالمية كدولة فساد من الطراز الاول فلابد من التغيير والإصلاح وليس من ثمة خيار اخر، وتشاركت المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف متمثلة بآية الله السيستاني (دام ظله) مع الشارع العراقي هذا الهم ووقفت معه قلبا وقالبا بعد ان فوضت رئيس الوزراء د.العبادي بإجراء الإصلاحات التي ينشدها الشارع فأطلق سلسلة حزم إصلاحية تلبية لمطالب الجماهير التي قالت (لا) للفساد وتلبية لنداء المرجعية الحاضن الابوي والموجه الحصيف لها بعد ان كسرت هذه الجماهير حاجز الخوف والتردد واللاابالية واهتدت بالنهج الثوري للإمام الشهيد الذي خط بدمه الشريف موسوعة اللاءات التي مازالت تطمح الى ان يعيش الانسان كانسان ولكل الإنسانية والى هذا يشير شاعر العرب الاكبر الجواهري في عينيته العصماء: فيا أيُّها الوِتْرُ في الخالدِينَ فَـذَّاً، إلى الآنَ لم يُشْفَـعِ ويا عِظَةَ الطامحينَ العِظامِ للاهينَ عن غَـدِهِمْ قُنَّـعِ كاتب عراقي
أقرأ ايضاً
- ما يميز ثورة عاشوراء خمسٌ على الأقل
- نهج الإصلاح في حياة الامام الكاظم ( عليه السلام)
- هل المقاطعة هي الطريق إلى الإصلاحات الدستورية أم أنها الدَرس الأخير في الانتخابات؟