حجم النص
بقلم: عبود مزهر الكرخي لم تكن واقعة الطف واقعة عابرة أو حدث تاريخي عابر كما يحدث في الوقائع التاريخية العابرة العادية بل كانت هي مشروع للنهضة الإنسانية من أجل إرساء المشروع الإنساني الذي بشر به النبي الكريم البشرية بالإسلام دينا للإنسانيه نقلها من الظلمات إلى النور والتي كانت واقعة الطف قد هزت الوجدان الإنساني لتعطي بصمتها الواضحة في الفكر الإنساني فكانت بحق نهضة ساهمت وبشكل أساس في بناء لبنات الحضارة الإنسانية لتهز شعور وضمير الإنسان وبشكل قوي بصورة لم يسبق لها مثيل في كل الحركات والنهضات التحررية والثورية في العالم والتي لم يمكن مثلها في تاريخ الأولين والآخرين. فكانت نهضة الحسين وبحق قد تركت بصمتها الواضحة في التاريخ الإنساني كنهضة غايتها هو خلق الإنسان الرافض للظلم والقهر والعبودية الممثلة بأئمة الكفر من بني أمية وهي الشجرة الملعونة التي ذكرت في القرآن الكريم بقوله سبحانه وتعالى {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ}.(1) لتواجه الشجرة الطيبة وهو الفرع الهاشمي لنبينا الأكرم محمد(ص) ممثلة بالأمام الحسين(ع)هذا الظلم الأموي والذي يمثل قمة الكفر والطغيان والتي وصفها في كتابه الكريم بقوله {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ*تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}.(2) ليقف الفكر الأموي السفياني حائلاً دون انتشار الإسلام وكان يبذل الغالي والنفيس من أجل ذلك ليوظف كل ثقله السياسي والعسكري من أجل ذلك وكانت الشام ممثلة بمعاوية ومن بعده كل نسله الخبيث لتحقيق هذه الغاية من أجل نقل الأمة المحمدية إلى دين الجاهلية الأولى وليصبح ديننا الحنيف دين ملوك وحكام يتلاعب الطلقاء وأبناء الطلقاء كتلاعب الصبية للكرة وهذا ما صرح به شيخهم ورأس الشرك والنفاق أبو سفيان(لعنة الله عليه)عندما تولى الخليفة الثالث عثمان الخلافة للتهنئة بخلافته في وسط بنو أمية ليقول ((يا بني أمية تلاقفوها تلاقف الكرة, فوالذي يحلف به أبو سفيان لا جنة ولا نار))(3). وذهب لقبر حمزة بن عبد المطلب فركله برجله قائلاً: ((يا حمزة إن الأمر الّذي كنت تقاتلنا عليه بالأمس قد ملكناه اليوم)).(4) ليبين أن جدهم الأعلى وكلهم لم يؤمنوا بهذا الدين إلا وهم صاغرين وعلى خشومهم وبسيف الأمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) عندما قتل أبطالهم وناوش ذؤبانهم فأدوع في قلوبهم أحقاداً بدرية وخيبرية وحنينة كما هو مذكور في دعاء الندبة المأثور لتنتقل هذه العداوة والحقد عبر الأجيال يتوارثها جيلاً بعد أخر ولحد وقتنا الحاضر وليبين الله سبحانه وتعالى انه حكم الله وقضاؤه ليبين من هي الشجرة الملعونة وهم ال سفيان والذين يمتد نسبهم الى وقتنا ممثلة بالوهابية والسلفية وداعش والإرهاب ومن لف لفهم وليفهم الناس والمؤمنين بالخصوص بأن آل بيت النبوة(سلام الله عليهم أجمعين) هم خلفاء الأرض والأمناء على وحيه ولديهم مواريث علم الأولين والأخرين ومواريث الأرض والسماء والذي بدون وجود حجة على الأرض لساخت الأرض بمن فيها. ولنتذكر أنه لولا الأمام أمير المؤمنين ونهضة الحسين في واقعة الطف لأصبح ديننا الإسلامي دين ملوك وحكام ودين قائم على الأهواء وقائم على القتل والذبح والذي حاول حكام بني أمية وبني العباس إن يرسخوا هذا المفهوم والذي لازالت هذه المحاولات قائمة وبكل قوة من اجل محو ديننا الحنيف وتشويه صورته من خلال ما يقوم به أحفادهم من آل أمية والعباس والخوارج. فضريبة الدم يجب ان تدفع على قربان الحرية وتصحيح مسيرة الدين وهذا هو قدر كل الأحرار في أن دماؤهم هي التي تعبد الطريق أمام الناس من اجل إقامة الحق وإقامة دولة الحق والعدل الآلهي والدين الحنيف. فهذا الكتاب والمفكر المصري عباس محمود في كتابه عن الحسين يقول (ليست هذه في المسألة، وإنّما المسألة هي أنّ طريق التفاؤل معروف وطريق التشاؤم معروف، فلا تتحقق مصلحة الإنسانيّة إلاّ إذا عمل لها كلّ فرد من أفرادها، وهانت الشّهادة من أجلها على خدّامها، وتقدّم الصفوف مَن يقدم على الاستشهاد ومن ورائه مَن يؤمن بالشّهادة والشُهداء. لا عظة ولا نصيحة، ولكنّها حقيقة تقرّر كما تقرّر الحقائق الرياضية. فلا بقاء للإنسانيّة بغير العمل لها، ولا عمل لها إن لم ينس الفرد مصلحته، بل حياته في سبيلها... لا بقاء للإنسانيّة بغير الاستشهاد... وفي هذه الآونة التي تتردد فيها هذه الحقيقة في كلّ زاوية من زوايا الأرض , نلتفت نحن أبناء العربية إلى ذكرى شهيدها الأكبر فنحني الرّؤوس ؛ إجلالاً لأبي الشُهداء...).(5) نعم أن الأمام الحسين روحي له الفداء أختار طريق الشهادة ليكون الخلود في هذا الاستشهاد العظيم والخالد لأبي الشهداء وليكون بيرق يشع ألقاً ونوراً لكل الثوار والأحرار بل ولكل مؤمن وحتى لكل إنسان يؤمن بقيم الحق والعدالة والشرف وليكون النهج الخالد لسيرته العطره وسفك دمه الشريف في واقعة كربلاء هي دماء قد سطرت عليها ذلك السفر الخالد بأحرف من نور لتبين وبأبهى انتصار المظلوم على الظالم وانتصار الحق على الباطل وليكون السفر الحسيني سفر خالد تعبق منه كل قيم الكبرياء والشموخ والبطولة للأمام الحسين وأهل بيته وهذه الثلة المؤمنة من أصحابه المنتجبين والذين أصبح يكنون بأنصار أبي عبد الله والذين يصفهم العقاد في كتابه عن الحسين فيقول (إنّ الأريحية التي سمت إليها طبائع أنصار الحسين (ع)، إنّما هي أريحية الإيمان الذي يعتقد صاحبه أنّه يموت في نصرة الحُسين فيذهب لساعته إلى جنّات النّعيم... فهؤلاء الذين يقولون هذا القول يجعلون المنفعة وحدها باعث الإنسان إلى جميع أعماله، حتّى ما صدر منها عن عقيدة وإيمان، وينسون أنّ المنفعة وحدها لن تفسّر لنا حتّى الغرائز الحيوانية التي يصاب من جرّائها الفرد طوعاً أو كرهاً في خدمة نوعه، بل ينسون أنّ أنصار يزيد لا يكرهون جنّات النّعيم ولا يكفرون بها، فلماذا لم يطلبوها كما طلبها أنصار الحُسين (ع) ؟.. إنّهم لم يطلبوها ؛ لأنّهم منقادون لغواية اُخرى، ولأنّهم لا يملكون عزيمة الإيمان ونخوة العقيدة، ولا تلك القوّة الخلقية التي يتغلبون بها على رهبة الموت ويقطعون بها وساوس التعلّق بالعيش والخنوع للمتعة القريبة. فلولا اختلاف الطبائع لظهر شغف النّاس جميعاً بجنّات النّعيم على نحو واحد، ومضى النّاس على سنّة واحدة في الأريحية والفداء، ومرجع الأمر إذن في آخر المطاف إلى فرق واضح بين طبائع الأريحيين وطبائع النفعيين. وكذلك يقول من يقول: (إنّ الأريحية في نفوس أنصار الحُسين كانت أريحية أفراد معدودين ثبتوا معه ولم يخذلوه إلى يومه الأخير... وينسى هؤلاء إنّ الارتفاع ليقاس بالقمّة الواحدة كما يُقاس بالقمم الكثيرة، وأنّ الغور ليسبر في مكان واحد كما يسبر في كلّ مكان، وإنّما تكون الندرة هُنا أدلّ على جلالة المُرتقى الذي تطيقه النّفس الواحدة أو الأنفس المعدودات، ولا تطيقه نفوس الأكثرين...).(6) ولتجف كل مداد الأقلام ولتعجز القراطيس عن الإحاطة بهذا المحيط الخالد والنبع الصافي لهذه الملحمة العظيمة لواقعة كربلاء والتي يقف كل شخص ينحني أجلالاً واحتراماً لهذه الهامات الشامخة والتي وقفت ضد أعتى أئمة الكفر والطغيان لتصرخ عالية وبأعلى أصواته رفضها للباطل والظلم ولتصرخ بصرخة سيدي ومولاي أبي الأحرار الأمام الحسين(ع) { هيهات...هيهات من الذلة}. وهي نطف وأرحام مطهرة أبت أن تقف مع الباطل وتهادنه بل كانت أنفس طيبة وهامات وأنوف شامخة عاليه وهو ماوصفها سيدي ومولاي الأمام الحسين بقوله{ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا وإني زاحف بهذه الأسرة على قلة العدد وخذلان الناصر}.(7) فبقيت هيهات منا الذلة بقيت كلمة على مر العصور حتى تخرس من لام أو أدان عمل الإمام بخروجه للعراق بقي هذه العبارة تسمع العالم والبشرية جمعاء إن ابن بنت الرسول ما كان له ان يرضى بولاية فاسق فاجر على المسلمين، بقت هذه الكلمات حتى تعلمنا لما استشهد الإمام الحسين ، لما سار تارك ديار جده مستصحب نسائه وأطفاله، بقيت حتى تكتب انتصار الدم على السيف. بقيت ببقاء الحسين في القلوب والنفوس وبقت لتكون مدرسة تربي أنفس الإنسان على عدم الخضوع لظالم ولا لجائر لتعلمنا عدم الركوع وخضوع لظالم. بقيت لتعلمنا إن نصون الدين من المارقين وكل طواغيت العصر والزمان. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أقرأ ايضاً
- سطوة الإعلام الممنهج
- الغدير بين منهج توحيد الكلمة وبين المنهج الصهيوني لتفريق الكلمة
- منهجية الإصلاح وتقويم الأمم