حجم النص
بقلم: رائد العتابي. العمل ضروري للانسانولولاه لانتهت الحياة ولما استطاع توفير لقمة العيشبالرغم من ذلك يجب ان يتوقف الانسان لمدة عن العمل ليستريح ويستجم وينفض التعب لينسى همومه ويقوم بتصفية الاتعاب والتخلص منها ليعود الى حياته الاسرية والعملية بقوة ونشاط.البدن وانسجته وخلاياه تحتاج الى راحة لحرق الدهون والسموم وليفسح المجال للروح للتالق من جديد والتخلص من تراكمات الحياة والانشغال بالدنيا لتتعلق بالبارئ عزوجل وتفصح عن وجودها الذي نسي في خضم امواج ماديات الحياة واللهاث خلفها طيلة سنه كاملة. كم شاهد الانسان من مظاهر الموت والقتل والخسارة والربح ولكنها تمر عليه مرالسحاب لا يتامل ولايفكر فيها فيحتاج الى درس مركز وتمرين شديدمن اجل لفت نظره وجلب انتباههوارجاعه الى الطريق وينتشل نفسه من الحياة المادية ليتذكر الحياة الاخروية والتهيؤ لها.اغلب الصائمين اخذ بالامتناعات وغفل الثمرات امتنع عن الاكل والشرب ولم يعرف او يفهم الهدف من الصيام. الهدف من شراء السيارة هواستعمالها والاستفادة منها وليس توقيفها والنظر اليها. وليس الهدف من قراءة كتاب هو الانشغال والاعجاب ببلاغته وتراكيبه اللغوية حسب ولكن فهمه والوصول الى ما يريد الكاتب هو الهدف وليس الامتناع عن الاكل والشرب هو المطلوب من الصيام بل هو ما بعد الامتناع وما يجنيه من مكاسب روحية واخلاقية للانسان. لعل الصائم يكون عصبيا عند الصيام في المعاملات اليومية فنراه ينزعج ويصيح ويثور في البيت وخارجه وهنا تبرز فائدة الصيام ويتذكرالمؤمن انه صائم وفي حضرة الله تعالى لتهدا فورة الغضب وسورته ويخسرالشيطان المعركة الذي يريد افساد صوم الصائم والاستحواذ عليه.الصوم درس مكثف لتربية النفس حيث يتحمل المسلم بالاضافة الى العبادات السابقة الصوم الذي هو درس عملي لتصفيتها وتنظيفها وتجليتها كالذهب يخضع الى عملية تعدين وتنقية ليصل الى مستوى الصفاء والنقاوةالمطلوبين. الصيام هو تجريد الانسان - ولو لفترة محددة- من الماديات التي تشكل حاجبا في اغلب الاحيان لتالق الجانب الروحي لديه انه لطف من الله تعالى للعبد لجلب انتباههاليه حيث العاقبة الحسنة انه حرق وازالة الترسبات المادية التي ترسبت خلال سنة على القلب.المطلوب من المسلم ان يتمتع بالصيام الواعي الذي ينتج التقوى وهو تطبيق ما يريده الله من العبد. الصيام كالصلاة اذا لم تترك اثراً ايجابياًعلى اخلاقية المسلم لم تؤتي اكلها.ليس بناء البيت هو الهدف ولكن السكن فيه والاستفادة منه هو الغاية.الصيام له ظاهر وباطن فظاهره الامتناع عن الماكل والمشرب وباطنه تجلية كل مشاعر الرحمة والعطف والاخوة وقتل ودفن كل صفات النفس الشريرة من الحقد والانانية والنفاق والتلون. هناك علاقة بين ظاهر الصيام وباطنه فلاتتجلى المشاعرالخيرة والصفات الحسنة ولا تستثار في الداخل الا بالظاهر وهو الانقطاع عن الماكل والمشرب والا لماذا ركز البارئ تعالى على الانقطاع عن الماكل والمشرب والجماع وبقية الملذات.الامتناع عنها عامل مساعد وقوي لاستحصال هذه المشاعر الطيبة والاستفادة منها اذ ينبغي على الانسان ان يكون على الدوام متمتعا بهذه الصفات سواء في شهر رمضان او في غيره ولكن لطف الله بالعبد اقتضى تذكيره ومساعدته على ذلك ولنسيان الانسان المستمر. فكما ان القصة الحزينة تستثير فيك مشاعر الحزن والاسى او عندما ترى مشهدا مؤلما يستثير فيك الالم او مفرحا يستثير فيك الفرح فالصيام يجب ان يستثير فيك كل قيم الصلاح والخير والاخلاق والسلوك الحسن والمثل العليا لتستقيم الحياة وهذا هو الهدف الاسمى من الصيام والعبادة. الصيام هو توليد للايجابيات وطرد للسلبيات وانارة لداخل الانسان عقلاً وروحاً كما نضئ المصباح لينير فالصيام هو انارة لمصباح العقل. لعل الانسان لا يتذكر بالكلمة والنصيحة ولكنه يتذكر بحرمانه ولو لزمن قصير من اسباب الحياة وهوالمطعم والمشرب ليوقظ فيه الروح النائمة والمشاعرالمترهلة. الصيام صيانة سنوية للقيم الروحية والمعنوية لدى الانسان وترميمها وبنايتها.الصيام هو اضعاف وكسر للقوة الشهوية الغضبية التي تعيش على الطعام والشراب والجماع وتقوية وابرازللقوى الروحية النورية التي تشد الانسان الى فعل الخيرات والانشداد الى السماوات والغيب والتمثل بالانبياء والاولياء والصالحين. ان الكنز الروحي الذي يولده الصيام لدى الانسان اثمن من كل الكنوز المادية الزائلة اليوم المضمار وغدا السباق لنضمر ابداننا ونقوي ارواحنا لننطلق بخفة للفوز بالمراتب الاولى العالية عند الله تعالى فانها قوة ارادة وتالق روح. رائد العتابي.
أقرأ ايضاً
- الإعداد الروحي.. سَعي الإنسان وكدحه في إعداده روحياً ـ الجزء الرابع عشر والاخير
- الإعداد الروحي.. الأخلاق وأثرها في الجانب الروحي ـ الجزء الثالث عشر
- الإعداد الروحي.. تنمية العمل الصالح للجانب الروحي ـ الجزء الثاني عشر