حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ شاءت المقادير العالمية والإقليمية ان يشهد شهر حزيران أكثر من نكسة عربية ففي الخامس منه (سنة 67) جعلت إسرائيل القدرات العسكرية المصرية في سويعات كعصف مأكول وكانت هزيمة مدوية حقا الى ان تداركها محمد حسنين هيكل بان خفف من وطأة مصطلح الهزيمة بمصطلح اقل حدة إنقاذا لهيبة الجيش المصري فكان مصطلح (نكسة) الذي ابتدعه هيكل اكثر ملاءمة وارضاء لمزاج المؤسسة العسكرية والبوليسية والمخابراتية التي كانت تحيط بحاشية عبد الناصر بينما كانت إسرائيل قد حققت في ايام معدودات (ستة ايام فقط) ما لم تستطع ان تحققه في عقود ومنذ تأسيسها عام 48. وشاءت المقادير الإقليمية (والدولية ربما)ايضا ان يشهد حزيران انتكاسة اخرى وفي العراق وفي الموصل (400 كم شمال العراق) بالذات التي أُسقطت سقوطا مريبا في العاشر من حزيران (2014) وفي سويعات ايضا وبسيناريو اكثر غرابة ومواربة ومازالت جميع "اللجان" التي أنيطت بها مسؤولية الكشف عن ملابسات هذا السقوط، عاجزة عن فك رموز وطلاسم وشفرات هذا السيناريو الغامض الذي كشف عن الحجم الهائل والمبيت للمؤامرة الإقليمية ضد العراق وليس لإفشال تجربته الديمقراطية فحسب وكما دأبت الأجندات والمخططات السيا / طائفية الإقليمية مع حواضنها المحلية على ذلك وذلك بإدخال "جرعات " يومية من الإرهاب الدموي اكتوى منها العراق على مدى عقد ونيف وانما بسحق الدولة العراقية بالكامل والقضاء على جميع المرتكزات البشرية والحضارية والبنى التحتية فيه وفي مشروع مؤامراتي تخريبي وإرهابي شمولي يكون عبارة عن هجمة كبيرة وشرسة (جرعة ارهابية كبيرة في دفعة واحدة) بدئ من مدينة الموصل وتمدد منها نحو مدن غرب العراق كمرحلة اولى، وتركز وجوده في مدن الشرق السوري التي انطلق منها من الرقة إلى دير الزور والحسكة وأخيراً تدمر بعد ان نفذ داعش نظرية (كسر الحدود)التي تربط العراق وسوريا ليؤسس مايسمى بدولة "الخلافة" في كلا البلدين لينطلق منهما الى مجالات حيوية اوسع (وهو ماحذر منه العراق). وخلال هذه السنة، انتقل "داعش" من جيش قوامه حوالي ثلاثين ألف مقاتل، في الصيف الماضي، إلى جيش ضخم يتجاوز مئة ألف، ومجهز بسلاح فتاك فضلا عن إن أكثر من 25 ألف شخص من 100 دولة انضموا لصفوف هذا التنظيم وباعمار شبابية دنيا. وبعد ان انكشفت جميع الاوراق التآمرية ذات الأجندات السيا / طائفية أبانَ عنها بجلاء التمدد الداعشي في العراق كانت الموصل (ثاني اهم واكبر مدينة إستراتيجية في العراق) اولى محطاته وعلى مرأى ومسمع المجتمع الدولي فضلا عن الولايات المتحدة التي تربطه مع العراق اتفاقية الإطار الإستراتيجي ووسط لامبالاة إقليمية مقصودة ولطالما حذر العراق من استفحال خطر داعش على منطقة الشرق الاوسط برمتها وايضا على الامن القومي للكثير من الدول منها دول المجموعة الأوربية والولايات المتحدة نفسها. الا ان التلاحم الوطني الواضح في النسيج المجتمعي العراقي وسيادة التلاؤم الاثني والديمغرافي بين الوان الطيف المكوناتي العراقي والانسجام التاريخي بين شرائح المجتمع الاهلي كان قد اهدر فرصة التدمير الشامل للعراق يضاف الى ذلك، الفتوى التاريخية التي أصدرها المرجع الديني الاعلى السيد السيستاني بوجوب الجهاد الكفائي لمن يستطيع حمل السلاح من جميع العراقيين وليس لمقلديه فقط وبعد ايام قلائل جدا من سقوط الموصل الحدباء وهو فتوى الإنقاذ الوطني التي جاءت في وقتها بالضبط ودون الشروع بانتظار الى ما ستؤول اليه الأمور التي تسارعت وتائر خطورتها وكانت كل ساعة حبلى بنكسة "حزيرانية" جديدة وما مجزرة سبايكر الا مثال صارخ على خطورة الوضع حينئذٍ وما تلاها من سقوط صلاح الدين وغيرها وبعد ان سقطت كليا جميع الأقنعة عن الجهات الإقليمية والحاضنات المحلية التي ساندت تنظيم القاعدة من قبل وبكل أشكال المساندة ودأبت على ذات المنهج مع تنظيم داعش الذي انبثق من تنظيم القاعدة الام. وكانت فتوى الجهاد الكفائي المعادل الموضوعي الصادم الذي قلب كل الموازين وصحح المسارات الخاطئة التي اختلقتها نكسة سقوط الموصل ومسيرة الخراب والدمار التي تلتها في ثلاث محافظات عراقية تشكل ثلث مساحة العراق وافرغ الصدمة التي احدثها داعش من محتواها المرعب وأوقفت الزحف الداعشي نحو بقية المدن الامنة وابعدت شبح الخراب عن العاصمة بغداد بجهود الآلاف الذين تطوعوا للقتال تلبية لهذه الفتوى ومن كل مكونات الفسيفساء المجتمعية العراقية ومن ضمنهم مقاتلو اهل السنة والعشائر السنية الاصيلة التي اصطفت مع مقاتلي الحشد الشعبي من الطائفة الشيعية فضلا عن المسيحيين والايزيديين فاسقطت رهانا اخر لهذا التنظيم الذي راهن على تشرذم المجتمع الاهلي قياسا الى المجتمع السياسي المكتظ بالتناحرات والتي شكلت أرضا خصبة ليس لدخول داعش وتدنيسه ارض العراق بل ولتمدده ايضا وأسقطت فتوى الجهاد الكفائي ايضا رهانات داعش على اهل السنة فقلبت هذه الفتوى الطاولة على رأس مهندسي الأجندات التدميرية ضد العراق ومنها داعش، نعم كانت الموصل الجريحة نكسة بالحسابات الإستراتيجية العسكرية ولكن هي في الحسابات العراقية هي ليست نكسة بل درس وطني سيذكره التاريخ باعتزاز كما ذكر ثورة العشرين . اعلامي وكاتب