- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
بلزاك الفرنسي وعلاء مشذوب الرافدين .. حوار الحضارات
حجم النص
بقلم:الفنان التشكيلي: نعمة الدهش ــ كربلاء عندما اكتشف الاديب الفرنسي اونوريه دي بلزاك (1799ـ 1850) طريقته الخاصة وأهتدى إلى فكرة (الكوميديا الإنسانية) بوصفها إطاراً يضم رواياته المنفردة فأنه قد عاد الى حدٍ ما الى هذه الطريقة في التأليف المعروفة في العصور الوسطى وأتخذ لكتاباته شكلاً لم يعد فيه معنى أو قيمة لذلك التحدد الشفاف للمعالم، وذلك الاكتفاء الذاتي الذي كانت تتسم به الأعمال الفنية الكلاسيكية. ولكن كيف خطر هذا القالب المنتمي الى (العصور الوسطى) ببال بلزاك؟ وكيف أصبح مرة أخرى موضوعاً للاهتمام المُلح في القرن التاسع عشر؟ أن كلاسيكية عصر النهضة وفكرة الوحدة والتركيز الشكلي للعمل الفني قد حلت تماماً محل الطريقة الفنية المتبعة في العصور الوسطى، وطالما ظلت هذه النزعة الكلاسيكية حيّة لم يكن من الممكن أن تستعيد (الطريقة الدورية للتأليف Cyclical) مركزها القديم. ولكنها لم تظل حيّة الا بقدر ما كان الناس واثقين من قدرتهم على السيطرة على الواقع المادي. ومن هنا فأن سيادة الفن الكلاسيكي النزعة أخذت تختفي تدريجياً بازدياد الشعور بالاعتماد على الظروف المادية للحياة وفي هذه الناحة بدورها كان الرومانسيون هم الأسلاف المباشرون لبلزاك، وهذا ما نلتمسه عند الأديب العراقي الدكتور علاء مشذوب (1968) في أن مرجعيته الادبية وأن كان أسلافه بناة الحضارات السومرية والأكدية والبابلية والأشورية الا انه يصر على أنه متمرد على الظلم الذي يتعرض له الانسان مهما أختلف الزمان والمكان لهذا نلحظ رغم كل شيء أنه يميل الى المدرسة الواقعية في الأدب والفن وهي ذات المدرسة التي مثلت أعمال بلزاك بكل صدق لكن دون الالتزام بالقواعد المتزمتة المفروضة على الأدباء الواقعيين في القرن التاسع عشر كما نرى أن زملاء بلزاك امثال (زولا) و(فاجنر) و(بروست) وان كان (زولا) هو من المتحمسين للمدرسة الواقعية قد لجأوا على نحو متزايد الى (الاسلوب الدوري، الموسوعي، المحيط بالعالم كله) في مقابل الوحدة والانتقاء فالفنان الحديث يريد المشاركة في حياة لا تُسَتنفذَ ولا يمكن التعبير عنها في اي عمل واحد بعينيه وهو لا يستطيع التعبير عن (العظمة بالاّ بالحجم) أو عن (القوة ألاّ باللامحدودية) ومن الواضح ان بروست كان واعياً بالصلة التي تربط بينه وبين (الشكل الدوري/عند فاجنر وبلزاك) ثم لاحظ بعد ذلك أنها تكون أجمل كثيرا لو جمعت بينها (اشكالا متكررة دورياً). ومن الرؤى المتشابهة بين بلزاك وعلاء مشذوب موضوعة الاكثار من الشخصيات في أعمالهم، فمن بين الشخصيات البالغ عددها ألفين في رواية (الكوميديا الإنسانية) نرى هناك أربعمائة وستون شخصية تتكرر في روايات وأعمال متعددة له، وهذا عند علاء مشذوب يظهر في روايته (جريمة في الفيس بوك) وأعماله الأخرى، حيث أن المتلقين يلمسون أن هذه الشخصيات في الروايتين أوسع نطاقا وأعظم أهمية من الأعمال المنفردة، كما يلمس المتلقون ايضاً بأن الأديبين بلزاك وعلاء مشذوب أنهما يحجمان عن أن يقولا لنا كل ما يعرفانه. أن علاء يكرر أبرز الشخصيات في الرواية رغم اختلاف الزمان والمكان في موضوعات الرواية كما نرى ذلك من (اعترافات جسد مفخخ) و(ومحتجزه) و(انتخابات زرقاء) و(عالم ازرق) وما تقوم به شخصياته من ادوار مختلفة ومتفاوتة الأهمية. ومن الأمثلة التي تتطابق لدى الأديبين ولو كان التطابق نسيباً فبلزاك يُعد كاتباً ثورياً دون أن يريد ذلك ودون ان يعلمه فعواطفه الحقيقة جعلته حليفاً للمتمردين والمعدمين إلا أن معظم معاصريه أدركوا أن من المستحيل الاعتماد عليه في النواحي السياسية وهذا رأي فيكتور هيجو الذي اضاف أن أعمال بلزاك تكشف عن قلب ديمقراطي أصيل وهذا ما عليه الأديب الدكتور علاء مشذوب فهو مع الأنسان المعدم المضطهد أينما كان في العالم عامة والعراق خاصة فوعيه لما تعانيه الطبقة العاملة العراقية أو المجتمع التي تسعى السلطة الحاكمة الى أدلجة الدين متناسية أن برقع الدين هو ذاته الذي سمح للاحتلال العثماني أن يقبع على الصدور العراقيين قرابة أربعة قرون وكان بمباركة من أناس منظومين تحت يافطة الدين الذي سرعان ما نزعوه عند الاحتلال البريطاني فعلاء مشذوب يدرك المفهوم الجديد المطروح والعراق ضمنا ألا هو مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يُراد منه تدمير الطبقة العاملة وكل الشرائح المعدمة الكادحة في المجتمع العربي والعراقي منها من خلال حروب ليست رسمية تلك هي (المجاميع الإرهابية) ذات النهج الطائفي الساعية لأنعاش الطبقة البرجوازية النامية والمدعومة من شرائح طفيلية انتهازية تسمح لنفسها أن تؤدلج للإرهاب إعلاميا بأساليب تستغل البسطاء من الشعب. يقول أحد الحكماء (لو أمطرت السماء حرية لرأيت بعض العبيد يحملون المظلات) وهنا نرى علاء مشذوب يقف الى جانب ماركس ((رغم أصرار د. علاء مشذوب أنه غير مؤدلج سياسيا)) الذي يرى في صراع الطبقة العاملة من أجل السلطة وانتصاراتها بداية لعهد جديد من تأريخ العالم. بخلاف رؤية بلزاك الذي يحكم على كفاح الطبقة العاملة بنفس الطريقة التي يحكم بها على الطبقات الأخرى، أي بوصفة صراعاً من أجل المنافع والامتيازات ففي رواية (الصائدة في الماء العكر) يقول أنه كتشف طريقة قبل أن يكتشفها ماركس نفسه ألا وهي (الطبيعة الأيدولوجية لكل تفكير) يقول ((أن الفضيلة تبدأ من الرخاء))!. كما تتطابق الرؤى لدى الكاتبين العالميين (بلزاك) و(علاء مشذوب) في أن نظرتهما الى العالم هي نظرة واقعية وأنهما يفحصان الوقائع بشكل هادئ وأمين ذلك أن الطبقة العاملة الفرنسية والعراقية كانتا تتعرضان الى أبشع استغلال من قبل السلطة الحاكمة المدعومة من الانتهازيين والطفيليين رغم ان الفاصل الزمني بين الاديبين يتجاوز قرن ونصف القرن من السنين وهنا لابد أن أشير الى مسألة مهمة كان قد تنبه إليها (زولا) وهي (التضاد بين العناصر الظاهرة والعناصر الباطنة) في نظرته الى الحياة كما لاحظ أن موهبة الكاتب قد تكون متعارضة تماما مع اعتقاداته وهنا نرى أن (فردريك إنجلز) كان أول من اكتشف الدلالة الحقيقية لهذا التعارض أو التضاد وقام بتحليله فيقول (أن الواقعية التي أعنيها قد تتسلل حتى على الرغم من آراء المؤلف) ويمتدح إنجلز بلزاك بقوله (أعد بلزاك قطباَ من أقطاب الواقعية وهو اعظم بكثير من اولئك الذين حسبوا على المدرسة الواقعية، لأن بلزاك يقدم لنا تأريخاً واقعياً الى حدٍ رائع للمجتمع الفرنسي بطريقة تسجيلية تكاد تتابع السنوات الواقعة بين (1816 -1848) عاماً بعد عام) وهذا ينطبق بشكل واضح جدا في أعمال الروائي علاء مشذوب التي تتناول الواقع العراقي ايضا بطريقة تسجيلية مدهشة.
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً