حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ من اولى البديهيات الحربية المسلَّم بها في العلوم العسكرية والتي هي من ابسط المقومات الستراتيجية لكسب أية معركة والفوز بالنصر فيها هو التعتيم المقصود والتضليل الممنهج والتعمية المطلوبة لأية خطوة يقوم بها الجيش والقوات الأمنية، واعتماد عناصر المفاجأة والمباغتة وإحداث الصدمة لخلخلة الجانب السايكولوجي والمعنوي والتكتيكي في صفوف العدو اذا ما أريد إحراز النصر. والمهم هو تضليل الطرف الآخر وعدم إعطائه الفرصة ليلتقط فيها أنفاسه ويعيد تنظيم قواته وصفوفه ليعد العدة ويعيد رسم خرائطه ويرتب أوراقه التي من الممكن ان يحصد بها نصرا "مجانيا" في حالة كشف جميع الأوراق التي يستفيد منها لتحقيق هذا النصر ومن جملة هذه الأوراق، المقدرة السوقية والتعبوية والإمكانات المادية والستراتيجية واللوجستية فضلا عن مناسيب المعنويات. ولكن يلاحظ المراقب للشأن العراقي لاسيما السجالات المحتدمة ما بين القوات الأمنية العراقية يساندها رجال الحشد الشعبي وقوات "البيشمركَه" والعشائر المتحالفة معها من جهة، وعصابات "داعش" الارهابية ومن يساندها من فصائل وحواضن محلية وامتدادات إقليمية من جهة اخرى، أقول يلاحظ المراقب كثرة البيانات التي باتت تتسرب في الآونة الأخيرة عبر وسائل الإعلام ووسائل الاتصال الاجتماعي سواء من بعض المسؤولين العراقيين او من مسؤولين في التحالف الدولي او بعض المسؤولين الأميركان، وذلك حول ساعة الصفر وقرب المـعركة الـكبرى الـتي تـعد المعركة الفاصلة والحاسمة في الموصل ام الربيعين التي شهدت اول انتكاسة أمنية نوعية في العاشر من حزيران من العام الفائت بسقوطها المريب بيد عصابات "داعش"، وهي بيانات تخص المعركة الأهم التي ستخوضها قواتنا الأمنية ضد "داعش"، وهي معركة تتضافر فيها جميع الستراتيجيات المتاحة. وهي بيانات - وكما يبدو من طبيعة طرحها المرتجل والمتسرع - انها تقدم معلومات مجانية لأشرس وافتك عدو عرفه العصر الحديث وفي خضم الاستعدادات الجارية لخوض معركة الموصل التي سيقدر لها ان تكون الحلقة الاكثر شراسة ودموية في مسلسل الحرب ضد هذا الكيان القروسطي المتوحش، وبعد سلسلة معارك جزئية ونوعية خاضها العراق في مناطق عديدة وأحرز النصر المؤزر فيها. وتتراوح طبيعة المعلومات "المجانية" التي يقدمها بعض المسؤولين لـ"داعش" هو إعطاء موعد "تقريبي" او تخميني يحدد السقف الزمني لساعة الصفر للشروع في معركة الموصل، وتبين ايضا طبيعة التشكيلات العراقية التي ستقوم بالمعركة الموعودة، بل والأخطر مما تقدم، هو كشف طبيعة الأسلحة وعدد القوات العراقية "التقريبي" وغيرها وتحديد ماهية القيادات التي ستتولى قيادة المعركة ودور قوات التحالف فيها وخاصة الولايات المتحدة. بل ولم ينس بعض المسؤولين اللعب على الوتر الطائفي بادعائهم بأن جماهير الموصل ربما لن "ترحب" بالقوات العراقية التي ستحررهم من سطوة "داعش" فيما اذا كانت سرايا الحشد الشعبي جزءا مـن هـذه الـقوات. وهذه البيانات وغيرها هي محل لغط وجدال واسع بين أوساط مجتمعية عديدة وصارت في متناول الجميع ومن الطبيعي ان تدخل الشائعات المغرضة ومروجوها على هذا الخط، وهذا شأنهم في كل أزمة وان كانت ازمة مفبركة ومفتعلة. وهنا نتساءل: ماذا تعني هذه الرسائل الخاطئة التي تمرر بواسطتها البيانات التي تكشف عن الاستعدادات التي وصفت بالجارية على قدم وساق واستكمال التحضيرات لكذا "عدد" من القوات العراقية التي ستقوم باسترجاع الموصل وفي سقف زمني لساعة الصفر التي اصبح توقيتها شبه معروف؟. هل تكشف تلك الرسائل عن جاهزية قواتنا المقاتلة ومن كل النواحي لرفع معنويات المقاتلين وارباك معنويات العدو الداعشي؟. وفي كل الاحوال تبقى تلك الرسائل خاطئة في جميع المعايير الستراتيجية العسكرية ولها نتـائج اكثر مـن سلبيـة. اعلامي وكاتب مستقل
أقرأ ايضاً
- مقابلات المرجعية الدينية الشريفة...رسائل اجتماعية بالغة الحكمة
- بلاسخارت ورسائلها المشفرة
- رسائل طائفية ..