حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ على غير ما توقعته عصابات داعش من حالات الانكسار وسلسلة الهزائم المنكرة التي لحقت بها في الكثير من المناطق (كآمرلي وجرف الصخر وزمار واخيرا بيجي ومناطق اخرى) فهي هزائم نوعية لداعش وأخواتها تقابلها انتصارات نوعية ايضا للقوات الأمنية العراقية يتواشج معا الحشد الشعبي الجماهيري فقد كان هذا التنظيم الظلامي السوداوي الوحشي يأمل انه سيحقق بعض "الانتصارات" تكون مرتكزا لنتائج لاحقة لأهداف إستراتيجية اخرى يتوخاها ويسعى اليها لاسيما بعد ماحدث في الموصل في حزيران المنصرم من خرق امني نوعي وكوارثي تحقق بسيناريو دراماتيكي غامض مايزال عصيا على التفسير والتحليل و"التأويل" خاصة من وجهة نظر إستراتيجية أدى الى سقوط ثاني اكبر واهم مدينة في العراق تلاها سقوط مناطق أخرى كقطع الدومينو بيد عصابات داعش وهو سيناريو لم يتكرر عالميا مسبقا ان حدث سقوط منطقة مهمة وإستراتيجية كبرى بيد جيش غير نظامي وبيد عصابات إجرامية مسلحة هو ما اظهر حجم الخطر الحقيقي لداعش للعالم اجمع وللمنطقة وهو الذي دق جري الإنذار العالمي وجعل مجلس الأمن يصدر قرارا امميا مهما بهذا الشأن..ولكن حدث الذي حدث فقد سقطت مدينة كبرى (CITY) بحجم الموصل ومناطق اخرى اصغر حجما بيد عصابات لايربطها رابط او يجمعها جامع سوى "عقيدة" قروسطية متخلفة تقوم على فلسفة القتل وبث الرعب والتدمير وتكفير كل من يخالف هواها ويلفظ معتقدها الشاذ وهذه "الانتصارات" التي كان يتوقعها داعش تكون منطلقا ـ بحسب استيهامات هذا التنظيم وأحلامه ـ لامتدادات أخطبوطية في مناطق أوسع في العراق وربما الى خارج العراق باتجاه مناطق ودول لها أولويات في الأجندة الداعشية ولتشكيل ما يسمى بالدولة الإسلامية الكبرى التي يطمح اليها داعش ومن يقف وراءه ومعه ويريد ان يحقق أهدافه من خلاله، والتمدد الداعشي الى العراق عبر سوريا دليل ساطع لايقبل اللبس يؤكد حقيقة هذا التنظيم العصاباتي ورؤيته التوسعية في فرض سيطرته على اكبر قدر ممكن من الأرض والتمسك بها خاصة إذا وجد ملاذات آمنة وقوية تساعده على ذلك المسعى وقد حقق هذا التنظيم في تحقيق نجاحات جزئية في هذا المسعى ومن الطبيعي انه لاينجح في بسط سيطرته التوسعية دون وجود حواضن تقدم له الدعم اللوجستي والتكنيكي المطلوب... ولكن لم يكن في حسبان هذا التنظيم ان حواضنه ستسقط معه إن سقط ويفقد ملاذاته المحلية وربما الإقليمية ومصادر تمويله ومنابعها وان المجتمع الدولي تكاتف ضده بتحالف دولي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ودول عظمى معها فضلا عن دول اخرى منها دول إقليمية كان بعضها الى وقت قريب تُرمى بمساندة الإرهاب وتمويله ودعمه بشتى أنواع الدعم والمساندة ولم يكن هذا التنظيم المتخلف متوقعا ان يحصل العراق على تعاطف دولي كبير ولم يكتف المجتمع الدولي بالإدانة او بقي متفرجا على أوضاع المشهد العراقي دون ان يحرك ساكنا كما كان في الماضي. ولم يكن متوقعا او يضع في حسبانه هذا التحشيد الشعبي الهادر والرسمي المسؤول والتكاتف والتلاحم مابين القوات الأمنية وسرايا الحشد الشعبي الذي تشكَّل بناء على فتوى المرجعية العليا فضلا عن التلاحم المجتمعي ورصانة النسيج المجتمعي والديمومغرافي والأواصر الاثنية في العراق فكان يراهن على نظرية فرق تسد وزرع الطائفية باقتم صورها مستغلا التنوع الفسيفسائي المجتمعي العراقي والتشرذم السياسي ومحاولا تطييف نشاطاته الإرهابية كأسلوب تنظيم القاعدة (التنطيم الأم لداعش) بضرب عصفورين بحجر واحد فهو يضرب مكونا معينا يخالفه في الرأي والعقيدة ويكفره للإيحاء بان المكون المقابل هو من فعل ذلك وهكذا لبقية المكونات كمحاولة مستميتة لتفتيت وحدة الصف الوطني وخلخلة التركيب المتراص المؤلف من ألوان الطيف العراقي المتآخية والتي تعايشت تاريخيا على اديم هذا الوطن دون مشاكل تاريخية في حين ان الكثير من الطوائف والألوان المجتمعية تشهد مذابح متبادلة ومجازر وحشية في الكثير من البلدان وتخلخلا وبدرجات متفاوتة من عدم الثقة وعدم الاستقرار الأهلي والتذبذب في مستوى الولاء للوطن ومناسيب الوطنية .. ان الأزمة التي يمر بها العراق هي أزمة مؤقتة وليست مستدامة وقد كشفت هذه ألازمة رغم خطورتها على العراق وجودا وشعبا ومرتكزات حضارية واحتمالية ان تكون المواجهة مع داعش ذات إستراتيجية وبإمكانات استنزافية هائلة (حرب استنزاف) قد تكون طويلة الأمد.....كشفت هذه الأزمة عن حجم المؤامرة التي تحيق بالعراق ومستقبله وعن رصانة الصف الوطني العراقي وعدم الحاجة بناءً على ذلك الى أي تواجد عسكري وامني خارجي ففي متانة هذا الصف كفاية وكأي امة تمر بأزمة او محنة تهدد حاضرها ومستقبلها تكتفي بأبنائها إذا ما اتفقوا على العبور فوق تلك الازمة وتجاوز المحنة والأمثلة الحية كثيرة . إعلامي وكاتب مستقل [email protected]
أقرأ ايضاً
- المسرحيات التي تؤدى في وطننا العربي
- وللبزاز مغزله في نسج حرير القوافي البارقات
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته