- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
(في ذكرى مولد واستشهاد سيد الوصيين وامام المتقين الأمام علي(عليه السلام) )/ الجزء السادس
حجم النص
بقلم: عبود مزهر الكرخي حلقات خاصة بمناسبة أسبوع الولاية يبدو إن المحيط والبحر الذي خضنا في سيرة سيدي ومولاي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) هو محيط عميق بحيث لا نستطيع الإحاطة بهذه الشخصية السامية وهي تتناول فقط جانب من جوانب شخصيته العظيمة وهي بطولاته وشجاعته في سوح الحرب والتي تحتاج إلى كتب ومجلدات للإحاطة بهذا المنهل الصافي لأمير المؤمنين روحي له الفداء ومن هنا رجعنا نكمل هذه الحلقات من سيرته الخالدة والتي شابها الكثير من التزوير والتحريف ولنسلط الأضواء على تلك الظلامات التي طالت مولى الموحدين وسيد الوصيين ولنثبت بالحجة والدليل على دور الإمام في قيام الإسلام وتثبيت دعائمه ونشر الدعوة المحمدية مع معلمه وأخيه ورسول الله نبينا الأكرم محمد(ص)عسى أن نغرف قطرات من بحر الألق المضيء لسيرة سيدي ومولاي الأمام علي بن أبي طالب(ع) داعين من الله أن نوفق في أغتراف تلك القطرات المضيئة من ساحل بحره وجوده وعلمه الذي لا ينتهي وليس له قرار. بطولات الأمام علي (عليه السلام) في حروب المسلمين وغزواتهم والتي سوف نستعرض في كل معركة وعلى شكل نقاط لأجل أخذ الزبدة من هذا الموضوع: 1. معركة بدر: في معركة بدر كان عدد المسلمين يساوي ثلث جيش عدوهم و كانت العدة لدى المسلمين ليست ذات بال،فعلى سبيل المثال كانوا لقلة ركائبهم يركب منهم الاثنان و الثلاثة و الأربعة على بعير واحد،و لم يكن منهم فارس غير المقداد بن الأسود الكندي،و كانت أسلحة بعضهم من جريد النخل و نحوه. حتى إذا اضطرمت نار الفتنة تقدم علي (ع) و كان يحمل لواء الرسول (ص)(1) فخاض غمار معركة حامية غير متكافئة،كان المسلمون خلالها يستغيثون ربهم طلبا للنصر فاستجاب لهم و أمدهم بالملائكة،و قد انتهت المعركة بمقتل سبعين رجلا من المشركين كان مقتل نحو نصف عددهم بسيف علي.(2) هناك رواية عن أحد الصحابة يقول:قتل علي نصف المشركين الذين قتلوا في بدر و شاركنا في النصف الثاني. استشارة الصحابة استشار رسول الله(صلى الله عليه وآله) أصحابه في طلب قافلة أبي سفيان ومحاربة قريش، فقام أبو بكر فقال: يا رسول الله، إنّها قريش وخيلاؤها، ما آمنت منذ كفرت، ولا ذلّت منذ عزّت، ولم نخرج على هيئة الحرب، فقال(صلى الله عليه وآله): «اجلس»، فجلس. ثمّ قام عمر بن الخطّاب فقال مثل ذلك، فقال(صلى الله عليه وآله): «اجلس»، فجلس. ثمّ قام المقداد فقال: يا رسول الله، إنّها قريش وخيلاؤها، وقد آمنا بك وصدقنا، وشهدنا أنّ ما جئت به حقّ، والله لو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا وشوك الهراس لخضناه معك والله، لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: (فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ)، ولكنّا نقول: امض لأمر ربّك فإنّا معك مقاتلون، فجزاه رسول الله(صلى الله عليه وآله) خيراً على قوله ذاك. وقام سعد بن معاذ ـ وهو من الأنصار ـ فقال: بأبي أنت وأُمّي يا رسول الله، إنّا قد آمنا بك وصدّقناك، وشهدنا أنّ ما جئت به حقّ من عند الله، فمرنا بما شئت، وخذ من أموالنا ما شئت واترك منها ما شئت، والله لو أمرتنا إن نخوض هذا البحر لخضناه معك، ولعلّ الله عزّ وجلّ أن يريك منّا ما تقرّ به عينك، فسر بنا على بركة الله. ففرح بذلك رسول الله(صلى الله عليه وآله) وقال: «سيروا على بركة الله، فإنّ الله عزّ وجلّ قد وعدني إحدى الطائفتين، ولن يخلف الله وعده، والله كأنّي أنظر إلى مصرع أبي جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، وفلان وفلان».(3) وفي الختام لاحظوا ماذا قال الشيخين أبو بكر من قول يثبط الهمم ويمجد بقريش وفي قولهم الكثير من الانهزامية والنكوص وعدم مساندة النبي الأعظم محمد(ص) سلام الملائكة على الإمام علي(عليه السلام) قال الإمام علي(عليه السلام): «لمّا كانت ليلة بدر، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): من يستقي لنا من الماء؟ فأحجم الناس، قال: فقمت فاحتضنت قربة، ثمّ أتيت قليباً بعيد القعر مظلماً، فانحدرت فيه، فأوحى الله إلى جبرائيل وميكائيل وإسرافيل تأهبّوا لنصرة محمّد(صلى الله عليه وآله) وحزبه، فهبطوا من السماء لهم دوي يذهل من يسمعه، فلمّا حاذوا القليب وقفوا وسلّموا عليّ من عند آخرهم، إكراماً وتبجيلاً وتعظيماً».(4) وعن محمّد بن الحنفية قال: بعث رسول الله(صلى الله عليه وآله) علياً في غزوة بدر أن يأتيه بالماء، حين سكت أصحابه عن إيراده، فلمّا أتى القليب وملأ القربة وأخرجها، جاءت ريح فهراقته، ثمّ عاد إلى القليب فملأها، فجاءت ريح فهراقته، وهكذا في الثالثة، فلمّا كانت الرابعة ملاها فأتى بها النبي(صلى الله عليه وآله) وأخبره بخبره. فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «أمّا الريح الأُولى فجبرائيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك، والريح الثانية ميكائيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك، والريح الثالثة إسرافيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك».(5) قال الإمام الباقر(عليه السلام): «نادى مُنادٍ في السماء يوم بدر يقال له رضوان: لا سيف إلّا ذو الفقار، ولا فتى إلّا علي».(6) وفي رواية أُخرى عن ابن عباس: كان لرسول الله(صلى الله عليه وآله) سيف محلّى، قائمه من فضّة، ونعله من فضّة، وفيه حلق من فضّة، وكان يسمّى ذا الفقار.(7) 2. في معركة أحد: كان رسول الله (ص) قد أعطى لواء المهاجرين لعلي (ع)،و لما اشتبك الطرفان كان النصر ابتداء للمسلمين،بيد أن حماة جبل أحد الذين أمرهم الرسول (ص) بعدم مفارقته تركوا أماكنهم بعد فرار المشركين طمعا في الغنائم و المتاع،فصعدت إحدى فرق المشركين بقيادة خالد بن الوليد الجبل،فتغير الموقف لمصلحة المشركين و خسر المسلمون الكثير من الشهداء،وأصيب الرسول (ص) بجروح في وجهه الكريم و كسرت رباعيته و حيث لم يبق مع رسول الله (ص) في ذلك الموقف الرهيب بعد فرار المسلمين غير علي (ع) و أبي دجانة و سهل بن حنيف،استبسل علي (ع) كعادته في الدفاع عن رسول الله (ص) و مجد الرسالة الإلهية،وقتل حملة اللواء من المشركين واحدا بعد الآخر،و كانوا تسعة رجال،ثمانية من بني عبد الدار و تاسعهم عبدهم (8)،مما أربك العدو و اضطره للفرار. وكان أبو طلحة من فرسان العرب وحامل لواء المشركين يوم أحد فقتله وقتل كل أخواته الواحد بعد الآخر وهذا يبين مدى شجاعة الأمام علي(ع) في أن كل من يبارزه هو ميت لا محالة وهنا للنكتة أن هذا أبو طلحة لم يقتله ويجهز عليه وسأله عمر لماذا لم تجهز عليه؟ فأجابه انه ميت لا محالة وهناك رواية تقول أنه كشف عورته عندما أراد الأمام أن يجهز وهو لا يفعل ذلك وأشاح وجهه عنه وحاله حال عمر بن العاص والذي فعل نفس الفعل ويعتبرونه بطل وفاتح أرض الكنانة فلك الله أيها التاريخ كم تحمل من تزوير وتحريف والذي يكتب حسب أهواء المؤرخين والحكام. الإرشاد عن ابن إسحاق: كان صاحب لواء قريش يوم اُحد طلحة بن طلحة بن عبد العزّي بن عثمان بن عبد الدار قتله علىّ بن أبى طالب ، وقتل ابنه أبا سعيد بن طلحة، وقتل أخاه كلدة بن أبى طلحة، وقتل عبد الله بن حميد بن زهرة بن الحارث بن أسد بن عبد العزّي، وقتل أبا الحكم بن الأخنس بن شريق الثقفى، وقتل الوليد بن أبى حذيفة بن المغيرة، وقتل أخاه اُميّة بن أبى حذيفة بن المغيرة، وقتل أرطاة بن شرحبيل، وقتل هشام بن اُميّة وعمرو بن عبد الله الجمحى وبشر بن مالك، وقتل صُواباً مولي بنى عبد الدار. فكان الفتح له، ورجوع الناس من هزيمتهم إلي النبىّ بمقامه يذبّ عنه دونهم. (9) قال ابن أبي الحديد: جميع من قتل يوم أحد من المشركين ثمانية وعشرون، قتل علي عليه السلام منهم ما اتفق عليه وما اختلف فيه اثنى عشر، وهو إلى جملة القتلى كعدة من قتل ببدر إلى جملة القتلى يومئذ وهو قريب من النصف.(10) وهنا يجب ان تكون لنا وقفة فيما جرى من معركة أحد والتي كان التحريف والتزوير سمة من سجل ودون تاريخ هذه المعركة ولم يشر فيها إلى هروب الصحابة وماقام فيه الأمام علي(ع) من بطولات لأن ماكينة التزوير كانت تعمل ليل نهار في هذا الاتجاه ومن قبل وعاظ سلاطين بنو أمية والعباسيين ومن لف لفهم ولحد وقتنا الحاضر ولم تشر إلى هروب الصحابة وعدم ثباتهم في المعركة ومن مصادرهم وأسانيدهم. «عن عائشه قالت: حدثني أبو بكر قال: كنت في أول من فاء الى رسول الله (ص) يوم أحد ».(11) وقال الطبري: «خطب عمر يوم الجمعة فقرأ آل عمران..قال: لما كان يوم أحد.. ففررت حتى صعدت الجبل، فلقد رأيتني أنزو كأنني أروى والناس يقولون: قتل محمد! ».(12) وفي السير وغيرها، أن أنس بن النضر:« انتهى إلى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار وقد ألقوا بأيديهم (انهاروا) فقال: ما يجلسكم؟! قالوا: قتل رسول الله! قال: فما تظنون بالحياة بعده؟! قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله!ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل(رحمه الله) ».(13) وفي الصحيح من السيرة «ويدل على فراره: جميع ما تقدم في ثبات أمير المؤمنين(ع) وما تقدم في فرار سعد...عن عائشة:كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد بكى وقال:كنت أول من فاء يوم أحد!».(14) قال ابن هشام: « وكان ضرار لحق عمر بن الخطاب يوم أحد فجعل يضربه بعرض الرمح ويقول: أنج يا بن الخطاب، لا أقتلك، فكان عمر يعرفها له بعد إسلامه ».فمتى كانت هذه الحادثة، ولماذا قررت قريش أن لاتقتل عمر ؟!.(15) وفي تفسير الطبري، عن السدي قال: « لما انهزموا يومئذ تفرق عن رسول الله (ص) أصحابه فدخل بعضهم المدينة وانطلق بعضهم فوق الجبل إلى الصخرة فقاموا عليها.. عن ابن إسحاق قال: فرَّ عثمان بن عفان وعقبة بن عثمان وسعد بن عثمان حتى بلغوا الجلعب، جبل بناحية المدينة مما يلي الأعوص، فأقاموا به ثلاثاً ثم رجعوا إلى رسول الله(ص) فقال لهم: لقد ذهبتم فيها عريضة».(16) وفي الطبري:« فقال بعض أصحاب الصخرة: ليت لنا رسولاً إلى عبد الله بن أبيّ فيأخذ لنا أمنة من أبي سفيان! يا قوم إن محمداً قد قتل فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم! قال أنس بن النضر: يا قوم إن كان محمد قد قتل فإن رب محمد لم يقتل، فقاتلوا على ما قاتل عليه محمد! اللهم إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء! ثم شد بسيفه فقاتل حتى قتل».(17) وهذا يدل على أن ابن النضر كان من الفارين ورجع إلى ساحة المعركة. أما الصحابة (الأبطال) الباقون فظلوا على الجبل عند الصخرة، وكانوا يعتقدون أن النبي(صلى الله عليه وآله) قد قتل، فكان همهم تدبير سلامتهم، وأخذ الأمان من أبي سفيان، ويدل قولهم فارجعوا إلى قومكم أو إلى دين قومكم، أنهم قرشيون! وذكر في الصحيح من السيرة: أنه رجع معه ابن السكن وخمسة من الأنصار فقاتلوا حتى قتلوا. وهذا يؤكد أنه لم يثبت مع النبي(صلى الله عليه وآله) ممن ادعوا لهم الثبات غير علي(عليه السلام) وأبو دجانة ونسيبة، ثم جرحا فبقي علي(عليه السلام) وحده، واستكلب المشركون لقتل النبي(صلى الله عليه وآله) وثبت معه بضعة أشخاص، ثم بقي معه أبو دجانة ونسيبة المازنية فجرحا، فبقي معه علي(عليه السلام) وحده، فقاتل النبي(صلى الله عليه وآله) وعلي(عليه السلام) وردا حملات المشركين، حتى جاء جبرئيل وأمر النبي(صلى الله عليه وآله) أن ينحاز إلى صخرة عند عين المهراس، وقد جرح جراحات. وكان علي(عليه السلام) يقصد قائد الكتيبة ويقتله فتنهزم، فتأتي كتيبة أخرى.. حتى أنزل الله الملائكة، فساعدوا علياً(عليه السلام) وقاتلوا معه، فقذف الرعب في قلوب المشركين وقرروا الإنسحاب، فأرسل النبي(صلى الله عليه وآله) علياً(عليه السلام) وحده وراءهم، ليتأكد من أنهم لايقصدون المدينة وهذا ما أشار الله سبحانه كتابه الحكيم إذ يقول {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}.(18) وفي ذلك الجو الرهيب حضرت فاطمة (عليها السلام) وغسلت جراح النبي(صلى الله عليه وآله) وضمدتها. وروي أن النبي(صلى الله عليه وآله) صلى صلاة الظهر من جلوس لشدة جراحه، ثم رجع بعض المسلمين فصلى النبي(صلى الله عليه وآله) على حمزة والشهداء ودفنهم، وعاد الى المدينة.(19) لماذا لم يحب مشركو قريش أن يقتل عمر بن الخطاب! قال ابن هشام:« وكان ضرار لحق عمر بن الخطاب يوم أحد، فجعل يضربه بعرض الرمح ويقول: أنج يا ابن الخطاب. لا أقتلك! فكان عمر يعرفها له بعد إسلامه»!(20) وقد عقد في الصحيح من السيرة(21)فصلاً لهذا الموضوع، لمعرفة سبب قول ضرار بن الخطاب لعمر بن الخطاب الآخر:« والله ما كنت لأقتلك»! وكان ضرار بن الخطاب مقرباً من أبي سفيان، وهو من فرسان قريش وشعرائها وكان يهجو النبي(صلى الله عليه وآله)!! وذكر الفخر الرازي: (ومن المنهزمين عمر إلاّ أنّه لم يكن في أوائل المنهزمين، ولم يبعد بل ثبت على الجبل إلى أن صعد النبي (صلى الله عليه وآله)، ومنهم أيضاً عثمان انهزم مع رجلين من الأنصار، يقال لهما: سعد، وعقبة، انهزموا حتَّى بلغوا موضعاً بعيداً، ثمَّ رجعوا بعد ثلاثة أيام.(22).فهذا أحد الناجين المذكورين في العنوان. وقد اعترف عمر بفراره في يوم أُحد، إذ جاءت امرأة لعمر أيّامَ خِلافته، تطلب بُرداً من بُرود كانت بين يديه، وجاءت معها بنت لعمر، فأعطى المرأة وردَّ ابنته. فقيل له في ذلك. فقال: عمر إنَّ أب هذه ثبت في يوم أُحد، وأب هذه (أي عمر) فرَّ يوم أحد، ولم يثبت(23)وهذه هي الصراحة. والشيء الملفت للنظر نزول قرآن في هؤلاء المنهزمين: {إنَّ الذينَ تَوَلَّوا مِنكُم يَومَ التَقى الجمعانِ إنَّما استَزَلَّهُمُ الشيطانُ ببعض ما كَسَبوا}.(24) وذكر ذلك الزمخشري: (إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَان.. طلب منهم الزلل، ودعاهم إليه ببعض ما كسبوا من ذنوبهم ومعناه: إنَّ الذين انهزموا يوم أُحد، كان السبب في تولّيهم أنّهم كانوا أطاعوا الشيطانَ، فاقترفوا ذنوباً فلذلك منعهم التأييد وتقوية القلوب حتَّى تولّوا. وقال السيوطي: قال عمر: لمّا كان يوم أُحد هزمونا، ففررت حتَّى صَعدت الجبل، فلقد رأيتني أنزو كأنَّني أروى.(25) وقال النيسابوري: الذي تدلّ عليه الأخبار في الجملة، إنَّ نفراً قليلا تولّوا وأبعدوا، فمنهم من دخل المدينة، ومنهم من ذهب إلى سائر الجوانب، ومن المنهزمين عمر(26) وكان خالد بن الوليد يُحدِّث وهو بالشام عن فرار عمر وعدم قتله له! قائلا: الحمد لله الذي هداني للإسلام! لقد رأيتني ورأيت عمر بن الخطّاب حين جالوا وانهزموا يوم أُحُد، وما معه أَحدُ، وإنِّي لفي كتيبة خشناء، فما عرفه منهم أحدٌ غيري، فنكبت عنه، وخشيت إن أَغريتُ به من معي أن يَصمُدوا له، فنظرت إليه مُوجّهاً الى الشِّعب(27). لكن لماذا لم يقتله ؟! هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه وبكل قوة. 3. في غزوة الأحزاب: في غزوة الأحزاب طوقت المدينة بعشرة آلاف من المشركين بشتى فصائلهم،و نقض بنو قريظة صلحهم مع رسول الله (ص) و انضموا إلى صفوف الغزاة،فتغير ميزان القوى لصالح العدو،و بلغ الذعر في نفوس المسلمين أيما مبلغ،فقد زاغت الأبصار و بلغت القلوب الحناجر و زلزلت نفوس و ظنت نفوس بالله الظنون كما حدثنا القرآن.(28) و بدأ العدو هجومه بعبور عمرو بن عبد ود العامري أحد أبطال الشرك في الخندق الذي حفره المسلمون مع بعض رجاله،فهددوا المسلمين في داخل المدينة بل في داخل تحصيناتهم،وراح ابن عبد ود يصول و يجول،و يتوعد المسلمين و يتفاخر عليهم ببطولته،و يستعلي و ينادي:هل من مبارز؟فقام علي (ع) و قال:أنا له يا رسول الله.قال رسول الله (ص):اجلس إنه عمرو!و كرر ابن عبد ود النداء و جعل يوبخ المسلمين،و يسخر بهم و يقول:أين جنتكم التي تزعمون أن من قتل منكم يدخلها،أفلا تبرزون لي رجلا؟ و لما لم يجبه أحد من المسلمين،كرر علي (ع) طلبه:أنا له يا رسول الله.فقال (ص):اجلس إنه عمرو!فأبدى علي عدم اكتراثه بعمرو وغيره،قائلا:وإن كان عمرا!!فأذن رسول الله لعلي (ع)،و أعطاه سيفه ذا الفقار،و ألبسه درعه،و عممه بعمامته.ثم قال (ص): «اللهم هذا أخي و ابن عمي،فلا تذرني فردا،و أنت خير الوارثين».(29)وحديث نبينا الأكرم محمد(ص) إشارة واضحة من هو وصي الرسول الأعظم وكذلك وصي رب العالمين والتي الكثير من النواصب والمخالفين ينكرون ذلك. ومضى علي (ع) إلى الميدان،و خاطب ابن عبد ود بقوله:يا عمرو!إنك كنت عاهدت الله،أن لا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا قبلتها.قال عمرو:أجل.فقال علي (ع):فإني أدعوك إلى الله و إلى رسوله (ص) و إلى الاسلام.فقال:لا حاجة لي بذلك.قال له الإمام:فإني أدعوك إلى البراز.فقال عمرو:إني أكره أن اهريق دمك،و إن أباك كان صديقا لي. فرد عليه الإمام (ع) قائلا:لكني و الله أحب أن أقتلك،فغضب عمرو،و بدأ الهجوم على علي (ع) فصده الإمام برباطة جأشه المعتاد،و أرداه قتيلا،فعلا التكبير و التهليل في صفوف المسلمين.(30) و لما عاد الإمام (ع) ظافرا استقبله رسول الله (ص) و هو يقول: «لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود،أفضل من عمل أمتي إلى يومالقيامة».(31) و بعد مقتل ابن عبد ود بادر علي (ع) إلى سد الثغرة التي عبر منها عمرو و رجاله و رابط عندها(32)مزمعا القضاء على كل من تسول له نفسه التسلل من المشركين،و لو لا ذلك الموقف البطولي لاقتحم جيش المشركين المدينة على المسلمين،بذلك العدد الهائل. و هكذا كانت بطولة علي (ع) في غزوة الأحزاب أهم عناصر النصر للمعسكر الإسلامي،و انهزام المشركين. روى محمد بن سليمان: بسنده عن ربيعة السعدي، وروته مصادر الطرفين،قال ربيعة:«أتيت حذيفة بن اليمان فقلت: يا أبا عبد الله إنا نتحدث في علي وفي مناقبه فيقول لنا أهل البصرة إنكم لتفرطون في علي وفي مناقبه، فهل أنت تحدثني في علي بحديث؟فقال حذيفة: يا ربيعة إنك لتسألني عن رجل والذي نفسي بيده لو وضع عمل جميع أصحاب محمد(ص) في كفة الميزان من يوم بعث الله محمداً إلى يوم الناس هذا ووضع عمل علي يوماً واحداً في الكفة الأخرى لرجح عمله على جميع أعمالهم! فقال ربيعة: هذا الذي لا يقام له ولا يقعد! فقال حذيفة: وكيف لا يُحتمل هذا يا ملكعان (يا أحمق)! أين كان أبو بكر وعمر وحذيفة ثكلتك أمك، وجميع أصحاب محمد يوم عمرو بن عبد ود ينادي للمبارزة ؟فأحجم الناس كلهم ما خلا علياً فقتله الله على يديه؟! والذي نفسي بيده لعمله ذلك اليوم أعظم عند الله من جميع أعمال أمة محمد إلى يوم القيامة»!(33) وهنا يتبادر السؤال أين كان الصحابة وبطولاتهم في هذه المعركة والتي كل كتبهم لم تذكر أي بطولة عنهم بل أن القرآن فضحهم وأشار إليهم عندما ذكر الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه إذ يقول {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا}.(34) وهذه هي صفات وسيرة لسيدي ومولاي أمير المؤمنين التي تعبق منها كل نسائم البطولة والشجاعة والذود عن حياض الإسلام والذي كان له الدور المشرف في تثبيت دعائم الرسالة المحمدية وتألقها وعلى مدى الزمان ولحد وقتنا الحاضر وإلى قيام الساعة والذي بمناقبه وفضائله أكرمه الله عز وجل بأن جعل شيعته هم الفائزون والعابرون يوم القيامة وهذا ماذكره نبينا الأكرم محمد(ص) في حديثه الشريف بقوله { يا علي! أن شيعتك هم الفائزون والعابرون يوم القيامة}. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المصادر: 1ـ البلاذري/أنساب الأشراف/ج 2/ص 91 و 94،مستدرك الصحيحين/ج 3/ص 111،ابن سعد في الطبقات/ج 3/ص 152. 2ـ الواقدي/المغازي/ج 1/ص 152. 3 ـ تفسير مجمع البيان 4/433. 4 ـ شرح إحقاق الحق 6/91. 5ـ مناقب آل أبي طالب 2/80. 6 ـ تاريخ مدينة دمشق 42/71. 7ـ بحار الأنوار 16/127، الجامع الصغير 2/356. 8ـ تاريخ الطبري/ج 3/ص 17،أحمد بن حنبل في الفضائل،ابن هشام/السيرة النبوية/ج 3/ص 134،محمد حسن المظفر/دلائل الصدق/ج 2/ص 357،السيد الصدر/حياة أمير المؤمنين/ص 236 و ما بعدها،المفيد/الارشاد/ص 52. 9 ـ ابن إسحاق 3/30. 10 ـ (شرح نهج البلاغة 3: 401). 11 ـ في الطبقات(3/155). 12 ـ تفسير الطبري: 4/193. 13 ـ سيرة ابن إسحاق:3/309 14 ـ الصحيح من السيرة (6/183). 15ـ سيرة أبن هشام 2/282. 16 ـ تفسير الطبري 4/194 17 ـ نفس المصدر: 2/201. 18 ـ [الأنفال: 12] 19 ـ الصحيح من السيرة: 6/203. 20 ـ سيرة ابن هشام: 2/282. 21 ـ الصحيح من السيرة:6/235. 22 ـ مفاتيح الغيب 9 / 52، تفسير الفخر الرازي 3 / 398، السيرة الحلبية 2 / 227. 23 ـ شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 15 / 22. 24 ـ آل عمران 155. 25 ـ حياة الصحابة 3 / 497، كنز العمّال 2 / 242، دلائل الصدق 2 / 358، تفسير ابن كثير ج1 / 190. 26 ـ تفسير غرائب القرآن 4 / 112 ـ 113، بهامش تفسير الطبري. 27 ـ مغازي الواقدي 2 / 237، تفسير ابن كثير 1 / 648 28ـ [الأحزاب/10]. 29ـ دحلان/السيرة النبوية/ج 2/ص 111/غزوة الخندق. 30ـ دحلان/السيرة النبوية/ج 2/ص 112،الحاكم/مستدرك الصحيحين/ج 3/ص 32. 31ـ الحاكم/مستدرك الصحيحين/ج 3/ص 32 عن سفيان الثوري،و رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد/ج 3/ص 19. 32 ـ المفيد/الارشاد/ص 58،دحلان/السيرة النبوية/ج 2/ص 112. 33 ـ في مناقب علي(ع):1/222. 34 ـ [الأحزاب: 13].