- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
حمامات الدم في فلسطين بين الصمت العربي وتواطؤ التكفيريين
حجم النص
بقلم:د. إبراهيم العاتي (أكاديمي وباحث) مهما غير الكيان الصهيوني من طرقه وأساليبه السياسية فإن ذلك يبقى تغييراً في الشكل، لكن جوهر تلك السياسة يبقى واحداً، ويقوم على القوة الغاشمة والتفوق العسكري، وعدم اعطاء الفلسطينيين حقوقهم السياسية في إقامة دولتهم ولو على جزء بسيط من أرض فلسطين التاريخية. إنه كالأفعى التي تغير جلدها لكن سمها الزعاف يبقى ثابتاً! وهكذا فمنذ أن تأسس هذا الكيان الغاصب ارتكب، بشكل ممنهج، مجازر فظيعة ضد المدنيين في دير ياسين وكفر قاسم، ثم في جميع حروبه ضد الفلسطينيين والشعوب العربية منذ عام 1948 وحتى اليوم، ومجازره في لبنان هي جرائم حرب ماثلة للعيان، وحسبنا الإشارة الى مذبحة صبرا وشاتيلا، ومذبحتي قانا الاولى والثانية في لبنان، ناهيك عن قمعه المستمر للشعب الفلسطيني داخل فلسطين أو خارجها، وهو ما يعبر عن الطبيعة العنصرية والدموية لهذا الكيان الذي لا يفهم إلا لغة واحدة هي لغة القوة او توازن الرعب الذي يجعل إسرائيل تفكر الف مرة قبل أن ترتكب عدواناً جديداً. لكن المتغيرات التي حصلت منذ ثلاث سنوات في فترة ما سمي بالربيع العربي الذي آملت فيه الشعوب العربية أن تحقق طموحاتها في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، فتحولت الى مجرد احلام لم يتحقق منها على صعيد الواقع إلا النزر اليسير، أما الجزء الاكبر مما تحقق فهو انغماس تلك الشعوب بالصراعات الداخلية إثنية كانت او دينية أو مذهبية، وإن كانت الحرب المذهبية هي الهدف الرئيس الذي خططت له إسرائيل والدول الكبرى الداعمة لها مضافاً اليها دول عربية ضالعة في الفتنة المذهبية منذ أمد بعيد، وذلك كي ينشغل العرب والمسلمون بحروبهم الداخلية عن مواجهة العدو الغاصب الذي لا يشكل خطراً على الفلسطينيين وحدهم بل على العرب والمسلمين جميعاً، كما أثبتت الأيام. وفي مثل هذه الظروف يحصل العدوان الصهيوني الأخير على غزة تحت ذريعة الانتقام للمستوطنين الثلاثة الذين اختطفوا ثم قتلوا في مدينة الخليل في الضفة الغربية، غير ان نواياها الحقيقية لا تخفى على أحد، فمنذ أن عقد اتفاق المصالحة الفلسطينية بين السلطة وحماس واسرائيل تهدد وتتوعد لأنها تدرك خطورة وحدة الصف الفلسطيني على الكيان الغاصب، حيث سيعزز من فرص النجاح لنضال شعب فلسطين في تحقيق حلم العودة واقامة دولته وعاصمتها القدس. لقد استغلت إسرائيل انشغال الدول والشعوب العربية بالفتنة المذهبية التي خططت لها بإحكام، ونفذها شذاذ آفاق وجهلة خضعوا لغسيل دماغ متقن وقادة متواطئون لا اعتقد انهم يجهلون اتجاه بوصلة الصراع نحو العدو الغاصب، فيحولونها نحو سوريا مرة، ونحو العراق أخرى، ونحو لبنان مرات ومرات.. وقل مثل ذلك في اليمن وتونس وغيرهما. وتدعم كل هؤلاء دول البترودولار التي جندت كل امكاناتها المادية واللوجستية والعسكرية والاعلامية للجماعات التكفيرية التي عمّدت اقوالها بالدم والذبح عامدة متعمدة حتى تبقى عالقة في ذاكرة الضحايا.. ومن هم هؤلاء الضحايا؟ انهم عراقيون وسوريون ولبنانيون وتونسيون وغبرهم ممن وقعوا ضحية الارهاب الاعمى القادم من وراء الحدود، لتكون القطيعة هذه المرة بين الشعوب لا بين الأنظمة فقط!..وهو أخطر داء يمكن أن يصيب الأمة، ويعزلها عن قضاياها المصيرية وعلى رأسها قضية فلسطين. لقد مضى اكثر من اسبوعين على العدوان الصهيوني على غزة وردود الفعل العربية عاجزة عن الارتقاء لمستوى ما ترتكبه اسرائيل من اجرام بحق المدنيين في القطاع المحاصر من العدو والصديق، فالجامعة العربية التي اجتمعت خلال ساعة لتتخذ أخطر قرار في تاريخها وهو تجميد عضوية دولة مؤسسة للجامعة وهي سوريا، كما شكلت قراراتها بشأن ليبيا غطاء شرعيا لتدخل حلف الناتو عسكريا في ليبيا بحجة حماية المدنيين، تكتفي اليوم بإصدار بيان خجول تدين فيه العدوان!! والرؤساء العرب الذين اتخذوا قراراً بفك الحصار عن غزة منذ سنوات لم يجرؤ أحد منهم على تنفيذه، في حين نراهم يتبارون في قطع العلاقات مع سوريا وسحب سفرائهم منها، بينما لا تجرؤ بعض دولهم اليوم على طرد السفراء الإسرائيليين عندها، او حتى سحب سفرائها من إسرائيل للتشاور، وهو أضعف الأيمان!! أما شيوخ الفتنة الذين مارسوا كل أشكال التحريض الطائفي والشحن المذهبي لاستباحة الدم العربي والمسلم في سوريا والعراق وغيرهما من بلدان العرب والمسلمين، لم نسمع أنهم حرضوا اليوم الشباب للدفاع عن غزة التي تستبيح اسرائيل حماها وتشعل فيها محرقة لا تميز بين طفل او امرأة أو شيخ كبير!! بل وصل الامر ببعض قادة (الجهاد!) و(دولة الخلافة!!) الى القول: بأنهم غير مأمورين بقتال اليهود!.. فهنيئاً للصهاينة بحلفائهم الجدد، بل بصنائعهم الذين يجلبونهم من الداغستان والشيشان ومغارات تورا بورا في افغانستان ليذبحوا أهل الأوطان، ويتركوا دولة العدوان، في محاولة مكشوفة لإيجاد قضية ينشغل بها العالم بدلاً عن قضية فلسطين!! أما أنت يا غزة الشامخة.. فلك الله والمخلصين من رفاق السلاح، الذين صمدوا في مثل هذه الأيام في تموز قبل ثماني سنين ولقنوا العدو درساُ لن ينساه في لبنان.. ((وما النصر إلا من عند الله)).
أقرأ ايضاً
- ماذا يجري في فلسطين ولبنان؟
- المقاومة اللبنانية والفلسطينية بخير والدليل ما نرى لا ما نسمع
- فلسطين من الحجارة الى الصواريخ