حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ نجح العراق في تحشيد العالم والرأي العام الدولي الى جانبه في مسعاه الممتد لأكثر من عشر سنوات عجاف في مقارعة الإرهاب ـ وتأكيدا للبيان الأممي الذي أصدره مجلس الامن الذي يدعم العراق في حربه ضد الارهاب ـ وذلك في المؤتمر الذي عُقد في بغداد مؤخرا بمشاركة اكثر من خمسين دولة واثنتي عشرة منظمة وهيئة مختلفة الاتجاه والتخصص وكان الانتربول الدولي / منظمة المؤتمر الاسلامي/ الجامعة العربية / الاتحاد الاوربي من ابرز المشاركين فضلا عن الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الامن وغيرهم من الخبراء والمختصين في هذا المجال، المؤتمر ورغم انه لم يستطع تحقيق هدفه الاول وهو تشخيص الدول الداعمة للإرهاب بكل أشكاله وبشكل رسمي موثق امام الراية العام العالمي الا انه نجح في ألفات نظر المجتمع الدولي الى جدية وخطورة مسالة الارهاب ومسعى العراق في هذا الاتجاه ويكشف مستوى الحضور المكثف والمميز للوفود المشاركة عن هذا الألفات وهذا المسعى، فقد وضع المؤتمر النقاط الاولى فوق الحروف التي كانت مبهمة وخفيَّة او مشوشة ورسم صورة حقيقية لما يجري على الارض العراقية التي تعامل معها الارهابيون على انها ارض محروقة، واستطاع هذا المؤتمر ان يضع العالم امام الحقيقة الكامنة والصادمة بان الإرهاب في العراق هو ليس شأنا عراقيا محضا او قضية طائفية محلية او اصطراعا قومانيا او تطاحنا اثنيا او تجذابات واسقاطات سياسية او جهوية بل هو شأن محلي/ إقليمي/ ودولي مركب ومتفاعل ومن ثم هو شان أممي كوني ومن مسؤولية جميع أعضاء الأسرة الدولية والمنظمات الدولية والقارية والاقليمية أي انه مسؤولية الجميع لان الكل مستهدف، واستطاع العراق ايضا ان ينظم المجتمع الدولي على ارضه في مؤتمر يُعقد لاول مرة من نوعه في العالم وعلى هكذا مستوى ويخلق إستراتيجية دولية تنتظم فيها جميع أعضاء الأسرة الدولية من اجل مكافحة الإرهاب ومناهضته وتجفيف منابعه والتنسيق ألاستخباري والأمني والخبراتي المشترك بين الدول والمنظمات والهيئات الدولية والاقليمية وانطلاقا من بغداد التي أصبحت المقر العام للأمانة العامة الراعية للمؤتمرات المختصة بمكافحة الإرهاب وصولا الى اعتماد مقررات هذا المؤتمر كوثيقة دولية لها إلزام قانوني على جميع الدول خاصة تلك المعنية بدعم الارهاب وتحديد عائديتها ومحاسبتها ومهما كان موقعها في خارطة الاهميات الإقليمية او الدولية وقوة نفوذها المالي وفاعليتها الجيو ستراتيجية. ان حدوث اكثر من الف وخمسمائة عملية إرهابية في العراق ـ بحسب إحصائيات معتمدة ـ والكثير منها عمليات نوعية وبربرية شرسة وسقوط عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والمعاقين نفسيا وجسديا وخلق جيش من الأيتام والأرامل ومن كافة الشرائح والأعمار والطوائف وفي جميع مرافق وهياكل الدولة العراقية والنسيج المجتمعي العراقي وتخريب مالا يحصى من مفاصل البنى التحتية وهو ماسيرقى الى مصاف الإبادة الجماعية والتخريب الشمولي المتعمد المستند على خلفيات طائفية وسياسية وادلجات كيدية للنيل من التجربة الديمقراطية العراقية الفتية كل ذلك ليس شأنا داخليا صرفا او قضية عراقية تخص العراقيين وحدهم فالعراق ليس جزيرة "عائمة" في المحيط الدولي بل هو عضو فاعل ومهم في جميع المنظمات الدولية والإقليمية والقارية والاقتصادية وله فاعلية جيو ستراتيجية منذ القدم وما يجري في العراق فهو بالتأكيد ستكون له ارتدادات سلبية على جميع من ساهم في هذا الاتجاه او وقف متفرجا او شامتا او حسب نفسه بعيدا عن هذا الخطر مع التشديد على ان القضية السورية اذا لم تُحل باسرع وقت فانها ستحرق المنطقة بأسرها وتمتد تداعياتها السلبية المدمرة الى جميع دول العالم كون السمة الزئبقية للارهاب تتيح له ذلك فهو عابر للحدود وحتى للحدود والحواضن التي انطلق منها ولهذا فقد تناولت محاور المؤتمر السبعة الرئيسة (اطر التعاون الدولي الحالية في مكافحة الإرهاب الواقع والآفاق، وتجارب مكافحة الإرهاب وتداعيات الإرهاب على التنمية الاقتصادية والتحول الديمقراطي، والعولمة والارهاب والتطرف الفكري والديني والتحريض على الكراهية والعنف ودور المؤسسات الدينية في مكافحة الارهاب، فضلا عن التغيرات السياسية، والصراعات الإقليمية والإرهاب وتطور مسارات القاعدة)". وهذه المحاور وبهذا المستوى توضح جملة من الحقائق يأتي في مقدمتها ان الإرهاب هو شأن عالمي لايخص دولة معينة او دينا او مذهبا او قومية او اثنية بالتخصيص فهو لادين له او هوية وان كان العراق من اكثر الدول التي استهدفها الإرهاب ولأسباب لاتتعلق كلها بالعراق بل بمحيطه الإقليمي ومجاله الحيوي وإسقاطات مايسمى بالربيع العربي فضلا عن تداعيات الأزمة السورية الطاحنة والثغرات التي أوجدتها بعض الحواضن المحلية للإرهاب والإرهاصات اللامسؤولة لبعض السياسيين العراقيين انفسهم،كما تكشف هذه المحاور عن أهمية او حتمية التنسيق المشترك بين جميع الدول لاسيما تلك التي لها باع طويل في مكافحة الإرهاب او التي تشهد أراضيها هجمات إرهابية مستمرة ومكثفة كالعراق اضافة الى متابعة الحدود والمنافذ بكافة انواعها ومراقبة وسائل الاعلام المحرضة على الارهاب والاهم من كل ما تقدم هو تشخيص وتحديد الدول او الجهات وحتى الاشخاص وكل من يساند او يحرض او يمول او يجيِّش او يحشد او يقدم دعما لوجستيا او تكتيكيا او فتوائيا ومعاقبة تلك الدول او الجهات او الأشخاص وفق القوانين والأعراف والمواثيق الدولية او الجنائية وتسليم المطلوبين للعدالة لغرض محاكمتهم داخل دولهم المتضررة او في أي جهة دولية مختصة. وقد كان يفترض بالمؤتمرين ان يكونوا اكثر صراحة وصرامة حيال الدول (السعودية وقطر) التي لم تعر أهمية للمشاركة في هذا المؤتمر ولم تكلف نفسها حتى بتطبيق البروتوكولات المعتمدة وذلك بالرد بالسلب او الإيجاب للدعوة الموجهة اليها ماجعلها في زاوية ضيقة وخانقة وتقترب من الإدانة الواضحة والمكشوفة بدعم الإرهاب باي شكل (وكان يفترض بالعراق ان يقدم أدلته التي تثبت تورط هذه الدول) فلم تتم الإشارة الى التقارير المسربة من الصحافة العالمية حول دعم السعودية للتنظيمات الارهابية وتورطها بالدعم المباشر لهذه التنظيمات في العراق وسوريا ولبنان ودول اخرى اضافة الى تواشج المنطق التكفيري لهذه التنظيمات مع المنطق الوهابي التكفيري الذي تعتمده السعودية منهجا فقهيا وسياسيا طائفيا بالتنسيق مع بعض المحاور الإقليمية التي تنتهج نهجا طائفيا مكشوفا ولابد من الإشارة الى ان بعض الدول شاركت بدرجة تمثيل لاتتناسب مع مستواها وحجمها كالإمارات. ولقد كان هذا المؤتمر ناجحا وعلى كافة الاصعدة فهو اول حشد دولي من هذا النوع يقام على ارض مازالت في خط المواجهة الاول في مكافحة الارهاب فبغداد من حقها ان تكون عاصمة مكافحة الارهاب ويبقى الامل معقودا في ان تتجاوز مقررات هذا المؤتمر تخومها البروتوكولية الى مجال التنفيذ والتطبيق الفعلي فقد حان الوقت لذلك وعلى المجتمع الدولي ان يسارع الخطى في حربه ضد الإرهاب قبل ان يستفحل كما استفحلت النازية من قبل ودفع العالم باسره الثمن الباهظ. إعلامي وكاتب مستقل [email protected]
أقرأ ايضاً
- الذكاء الاصطناعي الثورة القادمة في مكافحة الفساد
- "مكافحة الشذوذ" صدر فهل سيطبّق
- البحث العلمي لمكافحة التصحّر في العراق: ضرورة ملحة لمواجهة التحديات البيئية