حجم النص
في المجتمعات التي يتألف نسيجها من التنوع الديني والقومي والاجتماعي، تبرز الحاجة الى التعايش السلمي كضرورة انسانية لتحقيق متطلبات الحياة في العدالة الاجتماعية والحقوق والواجبات، لإرساء وترسيخ الأسس الصحيحة في التعايش. لهذا كله كان تأسيس المجلس العراقي لحوار الاديان بمبادرة مشتركة من مؤسسة الامام الخوئي الخيرية ورهبنة الاباء الدومنيكان في العراق ومؤسسة مسارات التنمية الثقافية والاعلامية. وللحديث عن ذلك التقت مجلة الشبكة العراقية الامين العام المساعد لمؤسسة الإمام الخوئي الخيرية جواد الخوئي: الحوار ضرورة ◙ تقوم مؤسسة البحوث والحوار بين الاديان والثقافات بنشاطات كبيرة في التقريب بين الاديان. هل حققت المؤسسة اهدافها لاسيما انها تجاوزت الاطار المحلي والاقليمي هذا؟ ☉ بما ان الحوار ضرورة مهمّة لتحقيق التعايش البشري ومطلب مهم لتحقيق الامن ودفع اضرار الحروب والصدامات، ونهج جاءت به السماء من خلال ارسال الانبياء والرسل لتوحيد بني البشر فيما بينهم وتقوية صفوفهم من خلال الوحدانية، لذا اخذنا على عاتقنا كدعاة دينيين مبدأ الحوار وعقد اللقاءات التي اخذت مجالاً رحباً على صعيد اعلى القيادات من باقي الاديان ومع مفكرين واعلاميين ومن خلال تبادل الرؤى والافكار والمشتركات الاخلاقية والانسانية وهي كثيرة جدا واكثر مما نختلف عليه لكن يحتاج الى التركيز وتوضيح الصورة الحقيقية والمشرقة لرسالتنا السماوية السمحاء باتخاذ التعليمات السماوية وسيرة وسلوك قادة الرسالة، ليتفق الجميع بان الحوار هو الوسيلة المثلى التي لايمكن ان تحيد عنها كل المجتمعات بمختلف اديانها ومشاربها من اجل تفادي المشاكل التي تحدق ببني الانسان، والوصول الى فهم الاختلاف بانه حالة صحية تقوم عليها الحياة. قال الله تعالى: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (العنكبوت 46). ◙ هل يقتصر الحوار على الدين الاسلامي والمسيحي واليهودي أم أن هناك ادياناً اخرى تقع ضمن دائرة الحوار؟ ☉ من اجل تعايش سلمي بين جميع بني آدم (ع).. لا يقتصر الحوار على اديان معينة لذا لنا حوارات ولقاءات مع كثير من الاديان خصوصا الكتابيين منهم الصابئة المندائية. ◙ يعتقد الكثيرون انه لافائدة من حوار الدين الاسلامي مع الاديان الاخرى كونه الدين الحق الذي هو في غنى عن الحوار مع غيره؟ ☉ هنا اختلف مع تلك الاراء، لعدة أمور اولا مخالفة لنهج القرآن الكريم وما ورد في الاية (46) من سورة العنكبوت آنفة الذكر وكثير من النصوص الاخرى مثلاً: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألاَّ نعبد إلاّ الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولَّوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) [آل عمران: 64] (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين) [فصّلت: 23]. والامر الثاني نجد ان نبينا الاكرم محمد (ص) والأئمة الاطهار لم يستغنوا عن معتنقي الديانات الاخرى فنجد نصرانيا يأتمنوه على اموال المسلمين وآخر يتقاضى راتبا من بيت مال المسلمين وتارة يستعينون بطبيب يهودي وكانوا يخالطونهم في بعض الامور، ويناظرونهم بالحكمة والموعظة الحسنة. ونحن لمسنا فوائد تلك اللقاءات الودية والحوارات العلمية التي تقوم على أساس المصارحة وهدفنا المقدس هو كيف نؤمن الحياة الكريمة لبني البشر وألا يكون الدين عنوانا للعنف والقتل، وكل هذه الأهداف لا يمكن الوصول إليها لولا تلك اللقاءات بين العلماء والمفكرين وتبادل وجهات النظر. خندق واحد ◙ مثلما تعرفون ان الدين الواحد يضم مذاهب عدة. وقد يبدو من الصعب التحاور بناء على هذا الاساس. أليس الاولى أن يكون الحوار اولا داخل الدين الواحد ثم يكون الحوار اوسع من ذلك؟ ☉ اود هنا ان اشير الى اننا نلتقي مع اخواننا المسلمين من المذاهب الاخرى مرتين الاولى في التجمعات الاسلامية ونتحاور وفق المشتركات التي هي من صلب رسالتنا السماوية ونجتمع تارة اخرى في مؤتمرات الاديان الاخرى ونكون بخندق واحد لدرء الفهم الخاطيء عن الاسلام وهذا مايعزز التضامن الاسلامي وتحقيق الانسجام فبالحالتين يعود بالفائدة على وحدة الصف الاسلامي. نحن نعتقد ان العالم والبشر مقسمان الى الخير والشر، اتباع الخير هم دعاة السلام والمحبة ويريدون العيش الكريم للبشر والإنسان هو المقدس عندهم، وأصحاب الشر هو الذي يعلو عندهم صوت الأنا ويرون الحق منحصراً فيهم ويبدأون بتقسيم الجنة والنار حسب معيارهم الضيق. ◙ نجد ان حوار الأديان يكون بين من يؤمنون اصلا بالحوار. ولكن هناك جماعات دينية تتخذ من العنف منهجا لها ضد الاخر. اليس من الأفضل ان يكون الحوار معها سبيلا لنبذ العنف؟ ☉ لامشكلة لدينا اذا كان الآخر يتقبل مبدأ الحوار فنحن من واجبنا ان نتحاور ونتفاهم، نحن نبذل قصارى جهدنا لتوسيع دائرة دعاة السلام والمؤمنين بالتعايش. التسامح والتعددية ◙ يعد تأسيس المجلس العراقي لحوار الاديان كمبادرة مشتركة من مؤسسة الامام الخوئي الخيرية ورهبنة الاباء الدومنيكان في العراق ومؤسسة مسارات التنمية الثقافية والاعلامية وممثلية الطائفة الصابئة المندائية، خطوة في تبني الحوار ما الذي تم تحقيقه على ارض الواقع؟ ☉ لايخفى عليكم بان تاسيس المجلس العراقي (بتنوعه الجميل الذي يمثل اطياف المجتمع العراقي) لم تمض عليه سوى بضعة شهور وقد اخذ على عاتقه من خلال قادة دين وفكر واعلاميين تقريب وجهات النظر بين ابناء البلد الواحد بمختلف انتمائهم وترسيخ ثقافة التعايش الوطني السلمي، وضمن استراتيجيتنا حماية هوية البلاد التعددية وتنوعها الديني والثقافي والعرقي على وفق وسائل وطرق جديدة، ومن فضل الله وحمده ضم المجلس مجموعة اكفاء غيارى يمتلكون الوعي الفكري ولديهم الحس الوطني العالي، ولهم ثقل في المجتمع العراقي وعلاقاتهم الواسعة مع باقي المجتمعات. وهدفهم كرامة الإنسان العراقي وتحقيق التعايش الوطني الآمن. ◙ ماموقف حوزة النجف الاشرف ومرجعيتها الدينية من اصحاب الديانات والمذاهب الاخرى؟ ☉ هذا سؤال مهم واسمح لي ان اسهب فيه.. لو نستعرض التاريخ منذ كلمة أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الاشتر التي اتخذت كوثيقة عمل في الامم المتحدة حين صنف لنا الناس صنفين (اما أخوٌ لك في الدين أو نظير لك في الخلق) لم يشهد تاريخهُ أو تاريخ أتباعهِ من المسلمينَ الشيعة الاثني عشريّةِ أيَّ خلاف بينهم وبينَ الأديان الأخرى، وضمن عقائدنا التي نطلب بها التقرُّبِ للهِ سبحانه وتعالى، لابدَّ أن نبدأَ بالسلام على الأنبياء الّذين أُرسِلوا قبل نبيّنا محمّدٍ (ص). ومن خلال رأي السيد ابن طاووس الحلي الذي يتفق معه الكثير من العلماء يتبين لك بان عقيدتنا بنيت على اساس العدل حين قال (لو خُيِّرْتُ بينَ مسلمٍ ظالمٍ وغيرِ مسلمٍ عادلٍ لقدّمْتُ الثاني). وعلى هذا بُنِيَ إيمانُ النجف بالتسامح والتعدديّة واحترامِ من يختلف معها، ولو نظرنا لمواقف السيد السيستاني في يومنا الحاضر (وهي ترجمة لنهج حوزة النجف ومراجعها الماضين)، بدءاً من المطالبة بالانتخابات وكتابة الدستور بايدٍ عراقية منتخبة واقامة دولة مدنية، وافتائه باحترام القوانين، ومن الواجبات الشرعية احترام قوانين الدولة التي تتواجد فيها مهما كانت ديانتها، فضلا عن توصياته (لاتقولوا اخواننا السنة بل قولوا انفسنا).. ولو اطلعت على فتاوى وتصريحات سماحة السيد دام ظله لوجدت انه يضع جلّ اهتمامه بما تعارفت عليه الشرائع والاعراف الإنسانية والدينية والقانونية، ويرفض رفضا باتا أي "إعتزالية" شيعية وتحت أي عنوان وهذا مايوصي به شيعة العالم على أن يكونوا جزءا لا يتجزا من العالم.
أقرأ ايضاً
- تستقبل طلابها في العام المقبل :العتبة الحسينية تُشـّيد جامعة تقنية تضم معاهد واقسام نادرة في العراق
- كاظم المنظور وحمزة الزغير ابرز خدامه موكب: جمهور الفاطمية يحيي الشعائر الحسينية منذ العام (1970)
- مكافحة مخدرات النجف: انجازات (2023) تعادل عمل خمس سنوات سابقة