- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
وزير النقل السابق :إن كان ميزان الذهب غشاش... والمظلوم... آه يا حوبة المظلوم
حجم النص
بقلم :عامر عبد الجبار إسماعيل.......وزير النقل السابق
أحد الأسباب التي تدفع بالإنسان إلى فعل الخير هو توقعه أن يُرد له هذا الخير من قبل الشخص المستفيد أو من قبل شخص آخر بمعنى إن الإنسان حين يقدم على أداء فعل معين في موقف ما فإنه يضع نفسه موضع الشخص الآخر ويفكر بما يرجوه من الآخرين لو كان هو مكان ذلك الشخص.
وهكذا حتى في حال تفكير الفرد في الإقدام على فعل السوء، عليه أن يتوقع نفسه انه الشخص الواقع عليه الظلم أو المتلقي للسوء.
ومن هنا كان الدافع للإحسان عند الكثيرين هو رجاء أن يُرد لهم هذا الإحسان في المواقف المشابهة، ويكون الرادع عن الإقدام على فعل القبيح هو خشية وقوعهم في الموقف ذاته فيكونوا ضحية الظلم.
ولعل الإقدام على الفعل الحسن وانتظار ثماره التي قد لا تجتنى آنياً أفضل وأهون بكثير من فعل القبيح الذي يحصد صاحبه ويلاته عاجلاً وآجلاً. وما ينطبق على الفرد في تعاطيه مع الأخر ينطبق على الأمم والشعوب في علاقاتها فيما بينها، والشواهد على ذلك كثيرة وقريبة، فلو أخذنا مثلاً حكومة الكويت ودورها في الحرب العراقية الإيرانية أو ما عُرِف بحرب الخليج الأولى لوجدناه دورا مؤيداً ومسانداً وداعماً مادياً ومعنوياً لنظام صدام حسين في حربه ضد الجارة إيران، وقد أثبتت القرارات الأممية إن نظام صدام حسين هو الطرف المعتدي، وهذا يعني إن الكويت وقفت إلى جانب المعتدي ودعمت الظالم بجهد كبير ومال أكبر و" من رضي بفعل قوم أشرك فيه" فكيف من شارك فيه وأيده علناً؟ وكانت الكويت تشتري ود النظام ألصدامي و تتخضع له من خلال تقديمها له عدة عروض منها استئجار جزيرتا وربه أو بوبيان أو شريط بعرض (1) كم لإعطائه منفذ على الخليج العربي من حدود الكويت.
لا ندري بالضبط ما هي الثوابت التي انطلقت منها الحكومة الكويتية في دعمها للظالم بخلاف موازين العدالة الإلهية التي تدعي إنها ملتزمة فيها من خلال تبنيها الإسلام ديناً رسمياً للدولة، وأيضاً بخلاف ما جبلت عليه النفس البشرية من حب الخير لذاتها وتقديم الخير للآخرين ليعود عليهم جزاؤه أو يرد لهم الخير نفسه.
وبعد عقد من الدعم الكويتي للظلم ألصدامي (بأموال قذرة ) لإشعال فتيل و ديمومة الحرب وربما كانت هذه الأموال ثمنا للأسلحة الكيماوية المحرمة التي أدت بزهق أرواح العراقيين والإيرانيين فوقعت الكويت في الحفرة التي حفرتها للشعبين العراقي والإيراني وباليد التي شدّت أزرها وباركتها ،والتهمها الذئب الذي ربّته في حجرها، وجاء رد السوء والكيد على نحر صاحبه هذه المرة بصورة سريعة ورهيبة في 2/8/1990 ، فإن كانت حرب الخليج الأولى استمرت ثماني سنوات دون احتلال إحدى الدولتين للأخرى بشكل كامل فإن احتلال الكويت لم يستغرق إلا سويعات قلائل ليعلن صدام حسين سيطرته الكاملة والمطلقة على الكويت وضمِّها إلى العراق بعنوان المحافظة التاسع عشر.
وما حصل للكويت هو (حوبة) العراقيين والإيرانيين الذين كانوا يُقتلون بالسلاح المدعوم كويتياً وبقصائد الشيخة سعاد الصباح الممجدة للطاغية، فعاد الظلم على الكويتيين بأمر وأفظع فهُجِّر الكويتيون حكومة وشعباً وسكنوا الفلوات وعاشوا الذل والهوان وتوزعوا بين البلدان واسترحموا العالم، ومع هذا لم يكن الشعب العراقي شامتاً بشقيقه الكويتي بل تحسس آلام ومعاناة الأشقاء كونه هو الآخر قد اكتوى بنار الظلم ألصدامي وأدمت ظهره سياط القمع والوحشية البربرية للنظام الطاغي، لذا وقف الشعب العراقي مع الشعب الكويتي في نبذ الغزو ألصدامي فقط ليس إلا (وإلا فان مسببات الغزو كانت ليست باطلة لان حكومة الكويت كانت شريكة صدام في الحرب وكانت تعتبره حامي البوابة الشرقية العربية! فليس لها حق باسترجاع الأموال القذرة التي دعمت فيها الحرب وكان على صدام أن يستخدم أساليب أخرى غير الغزو ) وكذلك مواساة الشعب الكويتي في محنته فكان موقف المرجعية الدينية موقفاً مشرفاً ويتضح ذلك من خلال موقف السيد الخوئي (قدس سره) الذي أفتى – وهو تحت قبضة النظام ألصدامي رغم ما عُرِف عن ذلك النظام من بطش شديد – أفتى بحرمة الصلاة في أرض الكويت كونها أرضاً مغصوبة، وحرّم شراء السلع والبضائع الكويتية كونها مسروقة والمال المأخوذ قبالها مال سحت وحرام. والتزاما بهذه الفتوى امتنع الشعب العراقي عن شراء السلع المشكوك في أمرها من الأسواق المحلية حتى يسأل: هل هذه البضاعة كويتية أم لا؟ ليتجنب شرائها، واستمر الحال على هذا المنوال لسنين طوال بعد تحرير الكويت. وكان الأجدر بالكويتيين أن يقيموا نصباً للسيد الخوئي على موقفه الشجاع والداعم لهم منطلقاً في ذلك من إيمانه بعيداً عن استقوائه بالجانب العضلي بدل أن يصنعوا تمثالاً لبوش وهو يرتدي الدشداشة والعقال الكويتي.
وما الانتفاضة الشعبانية الشعبية التي أعقبت تحرير الكويت إلا دليل على موقف الشعب العراقي الرافض للسياسات الهمجية للنظام البائد تجاه جيرانه وأبناء بلده ورسالة سلام لشعوب المنطقة في رغبة الشعب العراقي بالخلاص من السرطان الذي أحدث شرخاً في جدار العلاقات بين الأشقاء والجيران والأهل.
وما كنا نتوقعه من الكويت حكومة وشعباً أن تحتفظ بهذه المواقف للشعب العراقي وترد هذا الجميل في الوقت المناسب كما هي عادة الكرماء.
وبعد سقوط الصنم وتطلع العراقيين نحو شمس الحرية وبناء علاقات متينة مع دول الجوار أساسها تعزيز الثقة والاحترام المتبادل وحفظ المصالح المشتركة وبدء صفحة جديدة تطوى معها كل مخلفات الدكتاتورية البغيضة التي تراكمت على شعوب المنطقة لسنوات طوال، إلا إننا فوجئنا بمواقف الأشقاء في الكويت الذين كنا نظنهم أكثر الناس مشاركة لنا في أفراحنا بزوال الطاغية وعودة المياه إلى مجاريها بين البلدين والشعبين الشقيقين الجارين المسلمين. فقد تصرف الكويتيون وكأن عداءهم مع الشعب العراقي وليس مع النظام ألصدامي الذي ألحق الدمار بالبلدين.
وكثيرة هي المواقف الكويتية غير المشرفة في هذا الجانب والتي تنكّرت لمواقف الشعب العراقي بل نراها أصبحت أكثر حقداً وعدوانية على شعبنا إلى درجة حولت الكويتيين من مظلومين إلى ظلمة وأخذوا يسرقون المال العراقي تحت مسميات التعويضات الباطلة، وهنا نحن نسألهم هل استلم كل كويتي حصته من التعويضات بمقدار ما فقده فعلاً نتيجة الغزو ألصدامي، أم انه استلم أضعافا مضاعفة منتهزاً الفرصة ليعيش في بحبوحة من العيش على حساب معاناة الآخرين واستلاب ما يقوتهم ونهب ثرواتهم؟ أين فقهاء الكويت وعلمائها من هذه السرقات؟ ألا يتجرأ احدهم ويقف موقف السيد الخوئي (قده) آنذاك رغم اختلاف الظروف القمعية بين الحالتين؟ ليقف احد أصحاب اللحى المخضبة بالصمت أمام الحق العراقي ويقول كلمة شجاعة ينقذ فيها أبناء الكويت من أكل المال الحرام ويحفظ حق العراقيين وحرمة أموالهم التي حولوا فيها الصحاري إلى مجمعات سكنية وعمارات شاهقة. أم هم بحاجة إلى أن نذكرهم بالأمس القريب ليعتبروا بحالهم؟ وإذا كنتم ذقتم مرارة (حوبة) الإيرانيين نتيجة تأييدكم الظلم ودعمه، فانتظروا حوبة العراقيين نتيجة تحولكم من مظلومين إلى ظالمين وتأكلون أموالهم نهباً وتقضمونها "قضمة الإبل نبتة الربيع". وإن كان الجانب الكويتي قد استقوى بالأمريكان ويفخرون بأنهم والأمريكان أبناء عمومة فأصبح الأمريكان تربطهم بالحكومة العراقية علاقة مصاهرة و(گوول نسيب ولا تگوول ابن عم) كما يعبر المثل الشعبي العراقي الذي يشير إلى قوة علاقة المصاهرة. وها هي المظلة الأمريكية تظلل ارض العراق فلا يطمئن أبناء الكويت إلى العيش تحت هذا الوهم كونهم محمية أمريكية لأن حكومتهم يعتبرون الأمريكان بيضة القبان وتميل كفته حيث الولاء الأعلى !! وعلى ذلك يراهنون.
ومن المواقف المخزية للحكومة الكويتية – وما أكثرها –تحريك أذنابهم من بعض أصحاب النفوذ السياسي من باعة الضمير والوطن لدعم مشروعهم بالضغط على شركة الخطوط الجوية العراقية لإيقافها عن العمل وتشريد موظفيها بجريرة نظام صدام وكذلك قيامهم بإنشاء ميناء (اللامبارك للعراقيين) في داخل القناة الملاحية في خور عبد الله لقتل الموانئ العراقية في أم قصر وخور الزبير على أمل أن يكون هذا الميناء (الفتنة) هو البديل للموانئ العراقية ولا على أمل حصول موافقة العراق على الربط ألسككي ليتسنى لهم نقل البضائع إلى العراق وشمال أوربا ضمن مشروع القناة الجافة وكذلك على أمل فتح منفذ بري جديد مجاور إلى منفذ صفوان وبذلك تصبح الكويت المنفذ الاقتصادي الأول لقطاع النقل العراقي والعالمي ولكي يحرمون العراق من الانفراد بحصيرة القناة الجافة بموانئنا مما يجعل إلزاما على العالم بإرسال بضائعة إلى موانئ العراق لتنقل عبر السكك العراقية وسيكون هو اقصر وارخص وأمن طريق لنقل بضائع من جنوب العالم إلى شماله وبالعكس بدلا عن قناة السويس وهذا ما يجعل دول الخليج العربي تتجه للربط عبر السعودية إلى الأردن إلى سورية إلى تركيا وهذا الطريق أطول وأصعب وأعلى تكاليف وأكثر أجور للنقل وأكثر زمن للنقل وأكثر إجراءات روتينية لمروره بعدة دول ولكل دولة تعرفه نقل وإجراءات روتينية للترانزيت وجميع هذه المقومات تجعل العراق بموقعه الاستراتيجي هو الأصلح للقناة الجافة على أن يصر بعدم إعطاء موافقات أو وعود بالربط ألسككي مع جميع دول الخليج العربي بما فيها إيران ، ولكن هل ستدرك حكومتنا الموقرة لهذه المؤامرات والمخططات الشيطانية وتعمل لإفشال كل هذه الجهود الهدامة التي تسعى إلى سرقة اللقمة من أفواه العراقيين وعرقلة موانئها، وما دفعه الكويتيون لأذنابهم داخل العراق سيذهب بحول الله تعالى في سلة الخسران.
إن هذه التصرفات الكويتية المحرمة أخلاقيا ودولياً تجاه أبناء الشعب العراقي لا تبشر بخلق أجواء أمنة تنشر الاستقرار بين البلدين وتوطد دعائم الأخوة وحسن الجوار. وإذا كان عذر الكويتيين في معاقبة الشعب العراقي بجريرة صدام هو إن صدام حسين لم يحتل الكويت بمفرده وإنما كانت معه أفواج من الجنود العراقيين ممثلة بالحرس الجمهوري وجهاز الأمن الخاص وغيرها من الأجهزة القمعية، فيمكننا القول إن من أول الإجراءات التي اتخذها العراق الجديد هو حل الجيش العراقي!! (والذي كلفنا الكثير)و الأجهزة القمعية بسبب موقفها تجاه دول الجوار وتجاه الشعب ثم إن الكثير من أزلام النظام البائد الذين أعانوه وشاركوا معه في غزو الكويت تم تقديمهم للمحاكمة ونالوا جزاءهم العادل ومنهم من سيصله الدور لاحقا حتى يسود العدل ومنهم من اقتص منه أبناء شعبنا مباشرة دون انتظار المحاكمة، وفي كل ذلك رسائل للكويت شعباً وحكومة إن أعداءكم أعداؤنا والظالم واحد، وإننا جادّون بفتح صفحة جديدة وتوثيق عرى العلاقة بين البلدين الذين يرتبطان بعلاقات أخوة وجوار ودين ومصاهرة.
ثم من حقنا أن نسأل كم هو عدد الجنود العراقيين الذين دخلوا الكويت أبان الغزو ألصدامي؟ الجواب لا يتجاوز عددهم (120.000) مائة وعشرين ألف جندي والكثير من هؤلاء ساعد الكويتيين ووقف معهم بل إن بعضهم أطلق سراح الأسرى الكويتيين من سجون النظام البائد أثناء انتفاضة "اذار- شعبان" المباركة، وبإمكان الحكومة الكويتية والبرلمان الرجوع إلى هؤلاء والتأكد من صحة هذه المعلومات. فهل من الإنصاف أن يؤخذ (25) مليون نسمة بجريرة (120) ألف نسمة؟! هذا إذا فرضنا إن هؤلاء(120) ألف كلهم شاركوا بسرقة الكويت علما بانهم يشكلون نسب ضئيلة جدا والتي تصل نسبته الى 0.0048% من سكان الشعب العراقي، فإن ما يحصل اليوم هو إن الشعب الكويتي بأغلبيته سرق من ثروات الشعب العراقي وتحت مسميات مختلفة بقبوله التعويضات الباطلة واما حكومة الكويت فقامت باغتصاب مزارع سفوان والقاعدة البحرية في أم قصر وخور عبد الله بالقرار الجائر 833 عام 1993 ولم يكتفوا بذلك ولا ننسى سعيهم إلى تنزيل قيمة الدينار العراقي وتهريب المواشي والحبوب من السوق العراقية وحرقها عند الحدود في ظل ظروف الحصار الاقتصادي الذي دقّ العظم وأكل اللحم وأذاب الشحم. إن حوبة الشعب العراقي المظلوم بدأت تظهر بوادرها على حكومة الكويت فها هي السلفية التكفيرية بدأت تفرض هيمنتها على البرلمان الكويتي وهذا أول الغيث (لربيع كويتي). وإن كان ميزان الذهب غشاش ... والمظلوم آه يا حوبة المظلوم.